بريجيت باردو.. أيقونة فرنسية وهبت حياتها للدفاع عن الحيوانات
برحيل بريجيت باردو عن 91 عامًا، تطوى صفحة إحدى أكثر الشخصيات الفرنسية إثارة للجدل في النصف الثاني من القرن العشرين.
بعد أن صنعت مجدها السينمائي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وأشعلت ظاهرة "باردومانيا" التي اجتاحت العالم، اختارت باردو منذ أوائل السبعينيات أن تنسحب من الأضواء، لتكرّس ما تبقى من حياتها لمعركة واحدة لا تراجع عنها، الدفاع عن الحيوانات.
مسيرة نضالية صاخبة من شوارع مارسيليا إلى ساحات المحاكم
لم تكن هذه المعركة نظرية أو هادئة، بل حملت طابعًا صداميًا وصل في كثير من الأحيان إلى أروقة المحاكم وشوارع المدن الفرنسية، وفي مقدمتها مارسيليا، التي شكلت محطة بارزة في مسيرتها النضالية، فمنذ أواخر السبعينيات، ارتبط اسم باردو بالمدينة في سياق قضايا حساسة تتعلق بالتجارب على الحيوانات وإغلاق الملاجئ الحيوانية، بحسب صحيفة "لا بروفانس" الفرنسية.
في ديسمبر/كانون الأول 1979، حضرت "بي بي" إلى مارسيليا كشاهد في محاكمة تتعلق بقضية "التشريح الحي"، حيث دافعت بحماسة عما وصفته بـ"الحيوانات الشهداء"، مؤكدة في تصريحات صحفية آنذاك أن الحيوانات "بلا دفاع، تمامًا كالأطفال"، وأن الصمت حيال معاناتها جريمة أخلاقية.
وبعد أشهر قليلة، وجدت نفسها في قفص الاتهام، إذ أُدينت بتهمة التشهير بأحد الباحثين في معهد طبي بمارسيليا، وحكم عليها بغرامة مالية، في واحدة من القضايا التي عكست حدة خطابها واستعدادها لدفع ثمن مواقفها.

من التظاهرات إلى العبارات الصادمة
وقالت مجلة "غالا" الفرنسية بلغ حضور باردو ذروته في مارسيليا في مارس/آذار 1993، حين قادت تظاهرة في شارع "لا كانبيير" الشهير دفاعًا عن ملجأ سان-روش للحيوانات، برفقة الأب بيستر.
وفي ذلك اليوم ظهرت باردو محاطة بخدمة أمن تابعة لـحزب الجبهة الوطنية آنذاك (التجمع الوطني الآن) في مشهد أثار جدلًا واسعًا، وزاد من الطابع الاستفزازي لتحركها.
قاد الموكب من وسط المدينة باتجاه البلدية ثم المحافظة، لكن غياب رئيس البلدية آنذاك، روبرت فيغورو، فجر غضب باردو، التي أطلقت تصريحات نارية بحق مارسيليا، واصفة إياها بأنها "تحولت إلى مكب نفايات كبير"، وفق ما نقلته الصحافة المحلية في اليوم التالي.
وقالت المجلة الفرنسية إن تلك اللحظة كانت مثالًا صارخًا على التناقض الذي لازم شخصيتها: تعاطف إنساني جارِف مع الحيوانات، يقابله خطاب قاسٍ وصادم تجاه البشر والمؤسسات.

بريجيت باردو وآلان ديلون… صداقة أسطورية لا علاقة عاطفية
إلى جانب نضالها، لاحقت باردو طوال حياتها شائعات لا تنتهي عن علاقاتها العاطفية، وعلى رأسها تلك التي ربطتها بنجم السينما الفرنسية آلان ديلون.
وتعود بداية هذه العلاقة إلى عام 1961، حين التقيا أثناء تصوير فيلم "غراميات المشاهير" للمخرج ميشال بواسرون. منذ ذلك العمل، نشأت بينهما صداقة وثيقة، غذتها كاريزما الاثنين وحضورهما الطاغي على الشاشة.
ورغم عقود من القيل والقال، ظل الطرفان ينفيان بشكل قاطع أي علاقة عاطفية بينهما، وفي شهادة متأخرة تعود إلى عام 2023، كتب آلان ديلون بنفسه أن "شيئًا لم يحدث يومًا" بينه وبين باردو، مؤكدًا أن علاقتهما، منذ أكثر من ستة عقود، لم تتجاوز حدود الصداقة الصادقة والعميقة.
كلمات جاءت لتضع حدًا نهائيًا لأسطورة رافقت نجمين شكّلا معًا جزءًا من الذاكرة الذهبية للسينما الفرنسية.
إرث متناقض.. لكنه لا ينسى
برحيلها، تترك بريجيت باردو إرثًا معقدًا، يجمع بين صورة نجمة عالمية غيرت معايير الجمال والأنوثة في السينما، وناشطة متطرفة في دفاعها عن الحيوانات، لم تتردد في إثارة الجدل أو كسر المحرمات.
وبين شوارع مارسيليا، وصفحات المحاكم، وذكريات الصداقة مع آلان ديلون، تبقى "بي بي" شخصية استثنائية، عصية على التصنيف، وحاضرة بقوة في الذاكرة الفرنسية، سواء أحبّها الناس أم اختلفوا معها.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA== جزيرة ام اند امز