توماس هيجمار توقّع أن تغرق أوروبا في بحور المحاولات للسيطرة على الإرهاب دون جدوى
ما بين اضطرار أوروبا لضح المزيد من الأموال في المجالات الأمنية وممارسة المزيد من الانتهاكات ضد الحقوق الشخصية للمواطنين، وفي النهاية مواجهة الفشل في تحقيق الهدف الذي من أجله كانت كل هذه الإجراءات، رسم خبير بارز في شؤون الحركات الإسلامية "صورة كابوسية" لمستقبل القارة العجوز في معركتها ضد الإرهاب التي قال إنها ستزداد قوة خلال الفترة المقبلة.
وقال توماس هيجمار، الباحث في شؤون الإرهاب في مؤسسة أبحاث الدفاع النرويجية وكبير المتخصصين في الحركات الإسلامية، إن أوروبا "ستغرق في بحور المحاولات للسيطرة على هذا السرطان الذي كان ينمو في الجسد الأوروبي على مدى السنوات الماضية قبل أن يعلن عن قوته خلال السنوات الـ5 الأخيرة مستغلاً سلسلة الحروب الجارية في الشرق الأوسط كعذر لشن هجمات في قلب القارة العجوز".
وأوضح هيجمار أنه على الرغم من عدم اتفاق عدد كبير من الباحثين مع تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب فيما يتعلق بسياساته تجاه الإسلام من جانب والتعامل مع الجماعات المتطرفة، إضافة إلى عدد آخر من القضايا التي تشكل نقاط اختلاف مع الإدارة الأمريكية المقبلة، فإن تصريحات ترامب عقب هجوم برلين الأخير حملت بعضاً من أفكار عدد من الباحثين حول التعامل الواجب في المرحلة المقبلة.
وكان ترامب قد صرح بأن الموقف يزداد سوءاً، وقد وجب على العالم المتحضر أن يبدأ في التفكير بشكل مختلف اعتماداً على ضروريات الحالة الراهنة.
وعن هذا قال هيجمار: "نعم؛ لقد ازداد الموقف سوءاً في القارة الأوروبية، فلقد تضاعف نشاط الجماعات الإرهابية والراديكالية في القارة العجوز أضعافاً مضاعفة خلال السنوات القليلة الماضية، وكان المدنيون هم الضحايا لهذا النشاط المدمر، فخلال الفترة بين عامي 2014 و2016 سقط نحو 273 مدنياً قتيلاً في هجمات، إما شنتها جماعات متطرفة أو أفراد متأثرة بأفكار هذه الجماعات فيما يطلق عليه "الذئاب المنفردة".
وأضاف الباحث أن هذا الرقم أضعاف ما سقط خلال الفترة التي سبقت "البزوغ الساطع" لهذه الجماعات في أوروبا.
وأكد هيجمار في تصريحات نقلتها صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أنه خلال المدى القصير فإن الساسة الأوروبيين سيضطرون إلى تبنّي مجموعة متنوعة من التدابير المضادة، بما في ذلك زيادة الميزانيات المخصصة للخدمات الأمنية ومحاولات للقضاء على شبكات تجنيد، مشيراً إلى أن ذلك سيكون تأثيره أشبه بالمهدئ وليس العلاج، حيث ستتمكن هذه الإجراءات من خفض نشاط المتطرفين لفترة وجيزة من السنتين وحتى الـ5 سنوات المقبلة.
وتابع أنه "لكن ذلك لن يكون العلاج، ولا يوجد ما يدعو للتفاؤل على المدى الطويل"، مؤكداً أن هناك عدداً كبيراً من الدراسات التي سلطت الضوء على كون التطرف والإرهاب سيصبحان أكبر التحديات المستقبلية مقارنة بيومنا الحالي".
ووضع الخبير الأوروبي 4 سيناريوهات وصفها بـ"الكئيبة والقاتمة" لمستقبل القارة العجوز؛ إذ جاء أولها أن هناك عدداً متزايداً من الشباب بأوروبا يعيش سلسلة من الهزائم الاقتصادية، هؤلاء عادة ما يكونون أرضاً خصبة للجماعات المتطرفة يجندون منها المزيد من العناصر، ومن المرجح أن يزداد نمو هذه الفئة بشكل كبير وذلك بفضل الهجرة ومعدلات المواليد المرتفعة.
وأشار هيجمار إلى أن هذه الفئة لن تزداد في النمو فحسب، وإنما أيضاً في شعورها بالغضب والحنق على المجتمعات الأوروبية كنتيجة للعيوب الاقتصادية الراسخة في القارة والتي تحرم العديد من الشباب، وبينهم المسلمون، من الحصول على الفوائد الكاملة من المجتمعات الأوروبية الحديثة.
أما النبوءة الثانية والتي اعتبرها "هيجمار" أنها أسوأ ما يهدد القارة العجوز؛ فهي الزيادة المتسارعة في عدد "رجال الأعمال الإرهابيين أو المقاتلين الأجانب العائدين وغيرهم من الناشطين الذين يمكن أن يلهموا ويجندوا جيلا جديدا من المتطرفين الأوروبيين.
وأوضح هيجمار أنه يوجد في أوروبا الآن نحو ألفي متطرف لديهم خبرة المقاتلين الأجانب، التي اكتسبوها، إما عبر التدريب والقتال في بلد أجنبي، أو خلال فترة اعتقالهم في أحد السجون، أو كليهما.
أما عن ثالث ورابع النبوءات، فأكد هيجمار أنها لا تتعلق بالقارة الأوروبية فقط، وإنما بالعالم الأوسع، مشيراً إلى أن الصراعات المستمرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب آسيا تعطي الإرهابيين الأوروبيين أسباباً مستمرة للصعود، واقتناص فرص التدريب وتجنيد المزيد من الشباب.
وأضاف: "سيستخدمون أسلوب الماضي لمهاجمة المستقبل بأدوات حديثة"، محذراً من أن "ما يحدث في سوريا الآن سيزلزل قواعد الأمن العالمي على مدار عقود مقبلة، حتى وإن انهزم داعش"، فالصراع السوري سيمد بمآسيه وذكرياته المؤلمة الجماعات الإرهابية بالوقود الدائم للاستمرار.