منذ أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وعملت على تغطية المظاهرات الشعبية الداعية لوقف الحرب في غزة، لا سيما التجمعات التي تشهدها مدينتها مالمو جنوبي السويد.
لكن إيناس انتقدت بشدة ظاهرةً غريبة تلازم المظاهرات، فحين يشرع الناس بالهُتافات باللغة السويدية، تكون الكلمات إنسانية ومعبرة وغير مخالفة للقانون، لكن بمجرد شروع المتظاهرين بالهُتاف باللغة العربية، ينتقل البعض لتمجيد المليشيات والثناء على أفعالها، وهذه ازدواجية معايير ملحوظة.
وبمجرد انتشار كلام الصحفية في وسائل التواصل الاجتماعي، تجمهر مجموعة من المتظاهرين قرب منزلها، وطفقوا يشتمون ويهددون ويحرضون، في مشهد مرعب ومقلق على الحريات وإبداء الرأي في السويد، هذه الدولة الأوروبية الإسكندنافية المعروفة بتقديس الآراء والتوجهات.
ولعل هذا المشهد الذي أود رصده لكم، يلخص الحالة الشعبوية الغوغائية المنتشرة هذه الأيام على أرض الواقع وفي العالم الافتراضي، وهذا نموذج فاضح لطبيعة تغلغل خطاب المليشيات في نفوس بعض العرب وغير العرب من المقيمين في الغرب، واستسهال التعدي على الآخر بمجرد مخالفته لهم بالموقف أو الكلمة.
ومن المنطقي القول هنا: إن مثل هذه الأساليب لا تخدم أبداً، بل تهدم كل ما له علاقة بتعاطف الشعوب والحكومات الغربية مع القضية الفلسطينية إذا صح التعبير، والتعميم من المؤكد مرفوض، لكن هذه الحالات تتزايد في الأشهر الأخيرة وتأخذ أشكالاً متعددة في البروز والتغطية.
ويحضرني هنا موقف لاجئ عربي في بلد أوروبي، تعرض للضرب من قبل لاجئين آخرين يشاطرونه السكن، لأنه كان يحمل {علبة كولا}، وتلك بنظرهم جريمة، لأن المقاطعة بحسب كلامهم واجبة، وهنا أتوقف عند كلمة بروفيسور جامعي ألماني، طلبت منه قناة تلفزيونية التعليق على ذلك فقال: هؤلاء الأشخاص في طور النظر بملفات قبول لجوئهم ويتصرفون مع زميل لهم بهذا العنف، كيف لو تم منحهم حق الإقامة في أوروبا، هل تتخيلون ماذا سيصنعون؟
ومن الطبيعي التذكير بأن المقاطعة الشعبوية الحاصلة غير مبنية على أساس المعلومة الصحيحة، أو الخبر الموثق من مصدر معروف، بل هي مجرد إشاعات في الغالب، وأكاذيب يروج لها بعض الجاهلين، ولا أنسى عبارة عاقلة، سمعتها من برلماني إماراتي بارز ضمن حديث بودكاست قال فيه: المقاطعة قرار دولة، وقرار سيادي، لا يمارسه كل من هب ودب، لأن ذلك يضر باقتصاد الأوطان في نهاية المطاف.
وتعبيراً عن ازدواجية المعايير لدى شعبويي المليشيات والميليشيات نفسها، لن يفوتنا التحدث عن تعويل زعامات المليشيات على ديمقراطية إسرائيل والولايات المتحدة، وهم يصرخون صباح مساء ضد هذين البلدين، فهذا قياديٌ لحماس يقول لوسيلة إعلامية: إن الشعب الإسرائيلي سيسقط بنيامين نتنياهو وستنتصر -ما يسميها- المقاومة، وهذا ناطقٌ باسم مليشيات الحوثي، يدعى علي البخيتي يقول: من الطبيعي أن محورنا يرى الأفضل فوز كامالا هاريس بالرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية.
ولا يمكن لنا أن نغفل حقيقة مفادها، أن حماس كما الحوثي، مليشيات انقلابية، الأولى انقلبت على السلطة الفلسطينية في غزة قبل سنوات، والثانية لاحقت رئيس البلاد في صنعاء وكادت تقتله، ثم قتلت سلفه، وأحكمت سيطرتها على العاصمة صنعاء، بحكم كونها سلطة أمر واقع، ومليشيات مسلحة خارجة عن القانون المدني المحلي والدولي.
وبالعودة أخيراً للهتافات واللغات والوجوه، لا بد أن يدرك المرء مخاطر هذه الجرائم - ودعوني أسميها كذلك بالجرائم - لأنها استفزاز للإنسان، وتحطيم لكل ما هو جميل في عالمنا، فالعدوانية سلوك بغيض، وتأطير هذا السلوك في سياق الدفاع المزعوم عن الآخرين، دعاية رخيصة، تبرع المليشيات وأدواتها في التسويق لها دوماً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة