دولة الإمارات من أوائل الدول التي مدّت يد العون لمساعدة الدول الأخرى في التصدي لأزمة فيروس كورونا المستجد
فيما تكثف الحكومات في مختلف أنحاء العالم جهودها للتصدي لفيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19)، ومحاولة الحد من آثاره السلبية على شعوبها واقتصاداتها، فإن الحاجة إلى التعاون الدولي باتت اليوم أكثر إلحاحاً وأشد ضرورة من أي وقت مضى. وهنا تبرز أهمية دور مجموعة العشرين، وهي المحفل الوحيد الذي يجمع بين بعض المنظمات الدولية الرئيسية، مثل منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة، والقوى الاقتصادية الكبرى وأكثرها تقدماً في العالم، مع تضافر جهودها المالية والتكنولوجية والاستراتيجية لمساعدة العالم على تخطي هذه الأزمة العصيبة.
تطورت مجموعة العشرين في أعقاب أزمة 2008 المالية العالمية، من تجمع لوزراء مالية الدول الأعضاء إلى قمة رفيعة المستوى لرؤساء الحكومات، وهي تواجه الآن بلا شك التحدي الأكبر منذ إنشائها لإثبات مدى فاعليتها. وهي لا تجمع قادة العالم فحسب، بل أيضاً محافظي البنوك المركزية والوزراء الذين يمثلون الشؤون الخارجية والمالية والتعليم والصحة والزراعة والعمالة والبيئة والطاقة والسياحة ومكافحة الفساد والتجارة والاقتصاد الرقمي. وباعتبارها تجمعاً يضم أكثر من 75% من التجارة العالمية وثلثي سكان العالم، ينبغي الآن استخدام مواردها في مكافحة جائحة "كوفيد – 19" والحد من آثارها علينا جميعاً.
وفي ضوء ذلك، عقدت المملكة العربية السعودية، التي تتولى رئاسة مجموعة العشرين لعام 2020، أول قمة استثنائية افتراضية لقادة مجموعة العشرين، في نهاية شهر مارس/آذار. وقد أظهر انعقاد هذه القمة غير العادية أن رؤساء الدول مستعدون للتكيف مع هذه التحديات وضمان استمرار عملها الحيوي. يأتي ذلك إلى جانب تعهدهم بالاجتماع مرة أخرى بحسب ما يقتضيه الوضع، وهو شهادة للعالم على أن أعضاء مجموعة العشرين يدركون مدى خطورة الأزمة، ويقفون على أهبة الاستعداد للمساعدة.
وقد أعلن قادة مجموعة العشرين عقب القمة الافتراضية ضرورة اتخاذ إجراءات منسقة للتغلب على عواقب جائحة "كوفيد - 19"، واتفقوا على اتخاذ عدد من المبادرات المشتركة على صعيد الصحة والسياسة والاقتصاد والتجارة الدولية. كما التزموا العمل معاً لتوفير الموارد والدعم لصندوق التضامن الذي أنشأته منظمة الصحة العالمية، ولتحالف التأهب لمواجهة هذا الوباء، وللتحالف العالمي للقاحات والتحصين. كما دعوا منظمة الصحة العالمية إلى إنشاء مبادرة عالمية لمواجهة الجائحة والتصدي لها. وفي ضوء اضطلاع المملكة العربية السعودية بمسؤوليات رئاسة مجموعة العشرين، تعهدت المملكة خلال الأيام القليلة الماضية بتقديم دعم بقيمة 500 مليون دولار لهذه المؤسسات، وغيرها من المنظمات الإقليمية والدولية، وذلك في سبيل دعم الجهود الخاصة بمكافحة جائحة "كوفيد - 19".
وكانت بلادي، الإمارات العربية المتحدة، من بين الحاضرين في مؤتمر القمة الافتراضي الاستثنائي لقادة مجموعة العشرين. وقد حالفنا الحظ للمشاركة في المجموعة هذا العام بدعوة من المملكة العربية السعودية، وبصفتنا ممثلاً لمجلس التعاون الخليجي. وهذا يتيح لنا فرصة للمشاركة في المداولات على أعلى مستوى والمساعدة في التصدي العالمي لجائحة "كوفيد - 19".
وكما أشار الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، فإن كثيراً من الدول النامية لا تتمتع بنفس مستوى الرعاية الصحية أو التدابير الوقائية التي تتمتع بها الدول الصناعية الغنية للمساعدة في حمايتها من الفيروس. وتحتاج الدول الجزرية الأفريقية والصغيرة على وجه الخصوص إلى اهتمامنا، وأن يصبح الازدهار الاقتصادي مسألة ثانوية، مقارنة بمسؤوليتنا في حماية البشرية وإنقاذ الأرواح عندما تقع أي أزمة.
كانت دولة الإمارات من أوائل الدول التي مدّت يد العون لمساعدة الدول الأخرى في التصدي لأزمة فيروس كورونا المستجد؛ حيث قدمت أكثر من 270 طناً من المساعدات إلى 25 دولة، وأسهمت في دعم أكثر من 270 ألفاً من العاملين في المجال الطبي. وشملت هذه الدول إيطاليا وأفغانستان وإيران والصين وصربيا وكرواتيا وماليزيا واليونان وإثيوبيا وكولومبيا وقبرص وسيشل. كما التقيت شخصياً مع إميل كارانيكولوف، وزير الاقتصاد البلغاري، لمناقشة التعاون الثنائي بين البلدين في ضوء التحديات التي تطرحها جائحة "كوفيد - 19".
وفي 19 أبريل/نيسان، نجحت دولة الإمارات في تنفيذ 86 عملية إجلاء بري وجوي لإعادة 2286 مواطناً إماراتياً ومرافقيهم إلى ربوع الوطن و22900 من المقيمين إلى بلادهم. كما قامت الدولة بإجلاء رعايا دول شقيقة وصديقة تقطعت بهم السبل من مقاطعة هوبي الصينية، وتم استقبالهم في مدينة أبوظبي الإنسانية. كما أسهمت في إجلاء عدد من مواطني كوريا الجنوبية ومرافقيهم من إيران؛ ورحبت بطائرتين من المملكة المتحدة تحملان نحو 400 طالب من جنسيات مختلفة.
أعلن قادة مجموعة العشرين عقب القمة الافتراضية ضرورة اتخاذ إجراءات منسقة للتغلب على عواقب جائحة "كوفيد - 19"، واتفقوا على اتخاذ عدد من المبادرات المشتركة على صعيد الصحة والسياسة والاقتصاد والتجارة الدولية
كل هذه الجهود لم تمنع الدولة من التحرك بفاعلية على الصعيد الداخلي أيضاً. ففي الأيام الأولى للأزمة، تم تكليف فريق استجابة سريع للتعامل مع أي حالات مشتبه بها، كما تم إغلاق جميع المدارس والجامعات ودور الحضانة، وتفعيل التعليم عن بُعد لجميع الطلاب.
كما قمنا بتطبيق قيود السفر المؤقتة لجميع مواطني دولة الإمارات، وقمنا بتعليق إصدار جميع التأشيرات الجديدة، والتي سرعان ما تصاعدت إلى تعليق كامل لجميع رحلات الركاب الواردة والصادرة.
كما شملت التدابير المبتكرة الحديثة عمليات تطهير صحي ليلاً على نطاق البلاد، وإجراء اختبارات للكشف عن الإصابة بفيروس "كوفيد - 19"، وتصدرت دولة الإمارات عالمياً في إجراء الفحوص المختبرية للكشف عن فيروس كورونا المستجد؛ حيث تم إجراء أكثر من 765 ألف اختبار. وأصبحت شركة طيران الإمارات في دبي مؤخراً أول شركة طيران تجري اختبارات سريعة في الموقع للركاب، مع إمكانية الحصول على نتائج الاختبارات في غضون 10 دقائق.
على صعيد آخر، وبصفتها ضيفاً مشاركاً في مجموعة العشرين لهذا العام، تسهم دولة الإمارات أيضاً في الاستجابة للأزمات من خلال إجراءاتها المحلية. فعلى سبيل المثال، قدمت الدولة حزمة تحفيز بقيمة 70 مليار دولار في 5 أبريل، لضمان توافر السيولة في النظام المصرفي لمواجهة تفشي فيروس "كورونا المستجد"، ويتسق ذلك مع تعهد قادة مجموعة العشرين بضخّ أكثر من 5 تريليونات دولار في الاقتصاد العالمي.
وعلى نحو مماثل، وتماشياً مع اتفاق القادة في قمتهم الافتراضية الاستثنائية، استمر الوزراء المعنيون في مجموعة العشرين في عقد اجتماعاتهم بالتوازي مع اجتماعات فرق العمل التابعة للمجموعة، وذلك بهدف بحث سبل مكافحة هذه الأزمة. يشار إلى أن النشاطات الأخيرة للمجموعة شملت اجتماعات وزراء المالية والصحة والزراعة، إضافة إلى الفريق المعني بالبنية التحتية، والفريق الدولي المعني بالهيكل المالي.
وأخيراً، حافظت دولة الإمارات - وهي واحدة من المراكز اللوجستية الرئيسية في العالم - على عمليات ناقلاتها الوطنية من الشحن الجوي والبحري من أجل الحفاظ على نقل الواردات والصادرات وإمدادات الإغاثة الإنسانية الدولية. ويتماشى ذلك مع التعهد الذي قطعه مؤخراً وزراء التجارة والاستثمار في مجموعة العشرين بضمان التشغيل السلس والمستمر للشبكات اللوجستية، فضلاً عن الحركة الأساسية للمهنيين الصحيين والتجاريين عبر الحدود حيثما أمكن ذلك. لطالما كانت دولة الإمارات تؤمن بتضافر الجهود، وتدعو إلى اتباع نهج متعدد الأطراف لمعالجة القضايا العالمية. ونعتقد أن قوة هذا النهج أصبحت الآن أقوى من أي وقت مضى؛ حيث يواجه العالم ما وصفه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس بأنه الأزمة الأكثر تحدياً منذ الحرب العالمية الثانية.
ويجب أن نعمل معاً لتثقيف مواطنينا بشأن الأخطار التي يشكلها هذا المرض، مع توفير الأمل في التوصل إلى حل إيجابي في أقرب وقت ممكن. وفي حين أننا لا نعرف بعد متى سيكون ذلك، فإننا نعلم أنه كلما كانت استجابتنا أكثر تنسيقاً وحزماً، كانت النتيجة أفضل بالنسبة للعالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة