ما سر حب الألمان الشرقيين لبوتين؟
لعقود من الزمن، شعر الكثيرون في ألمانيا الشرقية السابقة بأنهم أقرب إلى روسيا من مواطنيهم الغربيين.
تتساءل مجلة "فورين بولسي" الأمريكية عن سر حب ألمانيا الشرقية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لتجد الإجابة مع فيرنر الذي كان واقفا يلوح بحماس بالعلم الروسي في مدينة كيمنتس شرق ألمانيا.
يرى فيرنر وهو عامل بناء متقاعد في السبعينيات من عمره، أن " الدولة الألمانية الحالية أسوأ مما كانت عليه خلال العصور الشيوعية، وأمريكا أيضا، إنهما الشر الحقيقي لهذا العالم، وليس (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين".
يتذكر فيرنر والده، وهو جندي نازي سابق، عاد أشعثا من السجن السوفياتي في الخمسينيات، لكنه رغم ذلك لم ينجح في إيقاف تعاطفه الواضح مع روسيا ولا غضبه تجاه الغرب.
وقال إن "إعادة توحيد ألمانيا لم تفد سوى الألمان الغربيين، ويجب على ألمانيا أن تتركنا نحن الساكسونيين (ساكسونيا هي ولاية كانت جزءا من ألمانيا الشرقية)وشأننا".
"يجب على ألمانيا أيضا أن تترك بوتين وشأنه، حيث كان الوضع أسوأ بكثير بالنسبة لروسيا في الحرب العالمية الثانية مما كان عليه بوتين بالنسبة لأوكرانيا الآن"، يضيف الرجل السبعيني.
كان فيرنر يحضر كل يوم اثنين تجمعا للحركة الملكية اليمينية الانفصالية التي تسعى إلى استعادة مملكة ساكسونيا، التي لم يكن لها تاريخيا، أي ثقل كبير خارج حدودها خلال وجودها الذي دام 112 عاما وانتهى بالحرب العالمية الأولى.
وتذكر "فورين بوليسي" أن بوتين مارس نفوذه على مواقف ألمانيا الشرقية تجاه روسيا منذ وصوله إلى دريسدن، عاصمة ولاية ساكسونيا الإقليمية، في أول منصب له كعميل شاب لـ"كي جي بي" في منتصف الثمانينيات.
وانتهت مهمة بوتين الخارجية في ألمانيا الشرقية بشكل مفاجئ في 5 ديسمبر/كانون الأول 1989، عندما احتل المتظاهرون مقر الشرطة السرية المعروفة باسم "ستاسي".
حينها قوبلت نداءاته اللاحقة للجيش الأحمر بطلب الحماية والتعزيزات بالصمت، وهو أمر لم يغفره أو ينساه بوتين قط.
لكن بعد مرور ما يقرب من 40 عاما، لا يزال بوتين يجد آذانا صاغية في الدولة السوفييتية السابقة، حيث أعرب تحالف غريب من عناصر من مختلف الأطياف السياسية عن تعاطفه أو دعمه للحرب التي شنتها روسيا ضد أوكرانيا.
تعاطف مع روسيا
وتشير دراسة استقصائية أجريت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى أن 40% من الألمان يعتقدون بشكل كامل أو جزئي أن الناتو استفز روسيا ودفعها إلى غزو أوكرانيا.
ويرتفع هذا العدد إلى 59% في المقاطعات التي كانت ذات يوم جزءا من ألمانيا الشرقية الشيوعية.
وتقع ساكسونيا، الولاية الفيدرالية الأكثر اكتظاظا بالسكان في ألمانيا الشرقية، في وسط تلك المنطقة المناهضة لحلف شمال الأطلسي.
على طاولة التخييم التي أقيمت بجوار فيرنر، دعت الكتيبات والملصقات السياسية إلى التحالف بين ساكسونيا وروسيا.
وإلى جانب تلك الكتيبات كانت هناك أعلام لمملكة ساكسونيا التاريخية ودعوات إلى حكم ذاتي بعيد المدى عن ألمانيا أو حتى انفصال الولاية.
وعلى الرغم من أن الساكسونيين الأحرار منشغلون اسميا بالانفصال الإقليمي، إلا أنهم يقدمون دفعة واسعة من المشاعر المؤيدة لروسيا التي وحدت بشكل مختلف المتطرفين اليمينيين، والحنين إلى الاتحاد السوفييتي، والمهووسين المهمشين المناهضين للحكومة الذين يتحدثون عن كل شيء بدءا من اللقاحات وحتى الجيل الخامس.
"لطالما كان لساكسونيا رأي عام مختلف عن البقية. نريد علاقات جيدة مع روسيا. يقول مايكل بروك، المتحدث باسم الساكسونيين الأحرار، الذي يرى الحرب في أوكرانيا باعتبارها حربا بين “الشعوب السلافية” وأخرى لا دخل لألمانيا فيها.
ويضيف “الناس هنا يفكرون في (الرئيس الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي كممثل ودمية في يد الولايات المتحدة. بوتين هو نظيره. إنه يقف في وجه الإمبريالية الأمريكية. معظم الناس هنا مناهضون للولايات المتحدة. هنا في ساكسونيا، يتذكر الناس إلقاء القنابل الحارقة في مدينة دريسدن (في أوائل عام 1945، وهي عملية مشتركة بين القوات الجوية الملكية والقوات الجوية للجيش الأمريكي). بالنسبة للناس هنا، الأمريكيون هم دعاة حرب".
وتابع “لا أحد يصدق وسائل الإعلام (التيار الرئيسي) هنا. إذا قالت وسائل الإعلام الألمانية إن الطقس سيكون مشمسا غدا، فسوف نرتدي نحن الساكسونيين معاطفنا الواقية من المطر، لهذا السبب يلجأ الناس إلى تيلغرام" وهي منصة تواصل اجتماعي تستخدم على نطاق واسع في روسيا وأوكرانيا.
مناهضة الغرب
ومنذ أن فرضت الحكومة الألمانية إغلاقا على قناة روسيا اليوم (RT) في البلاد، تابع المتعاطفون مع الكرملين وسائل الإعلام المستقلة وأصحاب النفوذ المرتبطين بروسيا.
كما تتم ترجمة تقارير وسائل الإعلام الروسية ونشرها للجمهور الألماني، إلى جانب مدونة ألمانية أخرى تُدعى ألينا ليب، وهي مراسلة سابقة باللغة الألمانية لقناة روسيا اليوم، دورا مهما في الدعاية الروسية لمشتركيها البالغ عددهم 196000 مشترك في تيلغرام.
ويقال إن منشوراتها هي الأوسع نطاقا، حيث تحصل على أكثر من 2 مليون مشاهدة.
في المقابل، يريد "حزب البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتشدد، والذي تزور وفوده موسكو من حين لآخر، حل الاتحاد الأوروبي، وتعزيز الموقف العسكري الوطني الفردي لألمانيا على حساب مشاركة برلين في حلف شمال الأطلسي، وإنهاء جميع العقوبات ضد روسيا.
وأظهرت استطلاعات الرأي الوطنية الأخيرة أن حزب البديل من أجل ألمانيا حصل على 22%، متقدما على الحزب الديمقراطي الاشتراكي الحاكم، ولا يتخلف عنه سوى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ، الذي حصل على 27%.
وفي العديد من الولايات الشرقية، تجاوزت نسبة تأييد حزب البديل من أجل ألمانيا 30 في المائة، وحصل على منصب عمدة ومنصب إداري لمنطقة واحدة.
وأسس المشرع الإقليمي، هانز توماس تيلشنايدر، جمعية تسمى رياح الشرق، سعيا إلى إقامة علاقات أوثق مع روسيا. حيث حاول زيارة الأراضي التي تحتلها روسيا في شرق أوكرانيا، أواخر العام الماضي، حتى قبل أن ترفض قيادة حزب البديل من أجل ألمانيا هذه الرؤية.
وكان تيلشنايدر قد قال من قبل إن روسيا كانت محررة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، على عكس الولايات المتحدة.
وأضاف "لا يزال هناك عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين يحتلون بلادنا"، في إشارة إلى القوات الأمريكية التي أمضت عقودا هناك كجزء من دفاع الناتو ضد روسيا نفسها.
وتابع “تريد الولايات المتحدة أن تجعلنا بيادق في ساحة المعركة الأوكرانية".
ويحب اليمين المتطرف الألماني هذا النوع من الحديث. ولكن اليسار الألماني يشاركه الرأي أيضا، حيث يرى أن عدو عدوي هو صديقي.
وينظم التحالف من أجل السلام في براندنبورغ وقفات احتجاجية بشأن موضوعات الغضب اليساري، مثل قصف هيروشيما في عام 1945، أو التدريبات النووية لحلف شمال الأطلسي، ويمارس ضغوطا ضد شحنات الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا.
ويرى دومينيك ميخالكيفيتش، المتحدث باسم الحلف المولود في بيلاروسيا، أن تدريبات الناتو تصعيدية وإن التفويض الدفاعي لألمانيا يجب أن يقتصر على حماية أراضيها.