مودي في ضيافة «شاي» القيصر.. بوتين يختبر حرير الهند
في شرفة خارجية بمقر إقامة القيصر، كان الرئيس الروسي ورئيس وزراء الهند يحتسيان شاي العلاقة الصامدة رغم أمواج الغرب العاتية.
وبينما يقوم رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، بزيارة لروسيا، تشير الصور القادمة من موسكو إلى أن عملاق جنوب آسيا، يرغب في الحفاظ على علاقته مع القيصر.
وأمس الإثنين، بدأ رئيس الوزراء الهندي زيارة إلى روسيا لأول مرة منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.
وفور وصوله عقد مودي الذي باشر في يونيو/حزيران الماضي ولايته الثالثة على رأس حكومة ائتلافية، لقاء "غير رسمي" مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ،على أن يجتمع الرجلان أيضا اليوم الثلاثاء لإجراء محادثات موسعة، قبل أن يواصل رحلته إلى فيينا.
وعرض التلفزيون الروسي صورا لهما وهما يتناولان الشاي على شرفة خارجية في مقر إقامة بوتين في نوفو أوغاريوفو، بالقرب من موسكو.
وقال مودي، وفقا لمقاطع نشرتها وسائل الإعلام الرسمية الروسية: “إنه لشرف عظيم أن أزور منزل أحد الأصدقاء”.
أما بوتين فردّ "سنجري محادثات رسمية الثلاثاء، لكن اليوم (الإثنين) يمكننا التحدث في بيئة منزلية، في مقر إقامتي".
مضيفا “أود أن أهنئك على إعادة انتخابك كرئيس للوزراء، وهذا ليس من قبيل الصدفة بل نتيجة لعملك على مدى سنوات عديدة. لديك أفكارك الخاصة، وأنت نشيط للغاية وتنجح في تحقيق النتائج باسم الشعب الهندي”.
وشوهد بوتين وهو يقود سيارة كهربائية وإلى جانبه مودي، حول الحدائق. ولاحقا حضرا عرضا للخيول.
وتتمتع روسيا بعلاقات قوية مع الهند منذ الحرب الباردة، وتزايدت أهمية نيودلهي كشريك تجاري رئيسي لموسكو منذ أن أرسل الكرملين قوات إلى أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
إذ أصبحت الصين والهند من المشترين الرئيسيين للنفط الروسي بعد العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على موسكو، مما أدى إلى إغلاق معظم الأسواق الغربية أمام الصادرات الروسية.
وتحت قيادة مودي تجنبت الهند إدانة الحرب الروسية في أوكرانيا مع التأكيد على الحاجة إلى تسوية سلمية.
ومع ذلك، يرى مراقبون أن الشراكة بين موسكو ونيودلهي أصبحت مشحونة بالتوتر، منذ أن بدأت روسيا في تطوير علاقات أوثق مع الصين، المنافس الرئيسي للهند، بسبب الحرب في أوكرانيا، بحسب ما طالعته "العين الإخبارية" في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
الهند "لم تنزلق" للمعسكر الغربي
لكن تظل روسيا بالنسبة لمودي مصدرا حاسما للأسلحة والطاقة وتكنولوجيا الفضاء التي ترى الهند أنها لا غنى عنها لكي تصبح قوة عظمى.
واعتبرت صحيفة "واشنطن بوست" أن الزيارة التي تأتي بعد أقل من شهر من أداء مودي اليمين لولاية ثالثة، تمنحه فرصة ليُظهر لبوتين أن الهند لم تنزلق بعيدا إلى المعسكر الغربي، حتى مع وصول التعاون بين الولايات المتحدة ونيودلهي إلى أعلى مستوياته منذ عقود.
وقال بانكاج ساران، سفير الهند السابق لدى روسيا ونائب الحزب الوطني للصحيفة، إن "القرار بالبدء مبكرا في هذه الولاية هو إشارة إلى أن الهند لا تزال مستثمرة في العلاقة مع روسيا، وهذا جزء لا يتجزأ من سياسة الهند الخارجية".
وأضاف ساران أن "المؤسسة الهندية أعطت الأولوية لتنمية العلاقات مع واشنطن بينما كانت تسعى إلى تهدئة المخاوف الأمريكية من خلال تقديم الهند كمحاور محتمل بين روسيا والغرب".
وعلى الرغم من أن العلاقات الهندية الروسية تعود إلى حقبة الحرب الباردة، فإن علاقات الطاقة والدفاع بين موسكو ونيودلهي -أكبر مشتر للأسلحة في العالم والمستورد رقم 3 للنفط- تعمقت في نواح كثيرة.
وارتفعت واردات الهند من الخام الروسي من 2.5 مليار دولار في 2021، قبل اندلاع الحرب الأوكرانية، إلى 46.5 مليار دولار في 2023، بحسب بيانات وزارة التجارة الهندية.
وبينما حث المسؤولون الأمريكيون الهند سرا وعلنا على الابتعاد عن الأسلحة الروسية، أعلنت شركة روستيك العملاقة لتصنيع الأسلحة المملوكة للدولة الروسية الأسبوع الماضي أنها ستنتج ذخيرة دبابات خارقة للدروع في الهند لتزويد الجيش الهندي.
وفي مقابل تقديم الدعم، يأمل مسؤولون ومراقبون هنود أن يُظهر بوتين لمودي بأنه حافظ على درجة من الاستقلال عن الصين.
وقال ساران إن الهند تأمل في "إشراك روسيا وتقديم خيارات لها وتذكيرها بأن عليها أن تكون على دراية بكيفية إدارة علاقاتها مع الصين".
وتابع "ستراقب الهند عن كثب العلاقات العسكرية أو الاستخباراتية بين روسيا والصين ومدى الضرر الذي ستلحقه بالهند".
ماذا يريد بوتين من الزيارة؟
وبالنسبة لبوتين، فإن زيارة مودي، التي تنتهي اليوم الثلاثاء، توفر فرصة أخرى لإثبات أنه ليس معزولا تمامًا بسبب حربه في أوكرانيا.
وفي هذا الصدد، قال مسؤول روسي للصحيفة الأمريكية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالحديث: “إنه اعتراف دولي”.
واعتبر أن الترويج لعلاقة روسيا مع الهند يسمح أيضًا لبوتين بتعزيز موقف روسيا فيما يتعلق بالصين.
ويرى مسؤولون ومحللون الروس أنه على الرغم من الصداقة الودية والصداقة "بلا حدود" بين بوتين والزعيم الصيني شي جين بينغ، فقد أثبت الرئيس الروسي أنه حافظ على مسافة معينة من بكين.
من جهته، قال مسؤول روسي مقرب من كبار الدبلوماسيين الروس، "عندما أصبحنا معتمدين بشكل كامل على الصين، قمنا فجأة بزيارة إلى كوريا الشمالية (الشهر الماضي)، والآن هذا التوازن مع الهند".
واعتبر أنه "مع هذه الأنواع من المثلثات يستطيع (بوتين) موازنة الوضع لإظهار أنه ليس خاضعا تماما".
وبالنسبة لتيريزا فالون، المحللة في مركز دراسات روسيا وأوروبا وآسيا، فترى أن بوتين بزياراته الخارجية واستقباله اليوم مودي "يحاول إثبات أن لديه خيارات، وأن روسيا لا تزال قوة عظمى".
وهو الاعتقاد ذاته لدى ألكسندر غابويف، رئيس مركز كارنيغي روسيا أوراسيا، متحدثا لمجلة "التايم" الأمريكية.
واعتبر غابويف أن "تفاعلات بوتين على المسرح العالمي تظهر أنه أبعد ما يكون عن العزلة وأن روسيا ليست دولة يمكن الاستهانة بها".
تعاون دفاعي
وتعتمد الهند أيضا بقوة على روسيا للحصول على الإمدادات العسكرية، ولكن مع تضرر خط إمداد موسكو بسبب القتال في أوكرانيا، قامت الهند بتنويع مشترياتها الدفاعية، حيث اشترت المزيد من الولايات المتحدة وإسرائيل وفرنسا وإيطاليا.
وقال شيتيج باجباي، زميل أبحاث كبير في جنوب آسيا في تشاتام هاوس ومقره المملكة المتحدة لمجلة "التايم" الأمريكية: "من الواضح أن التعاون الدفاعي سيكون من المجالات ذات الأولوية".
مضيفًا أن 60% من المعدات والأنظمة العسكرية الهندية "لا تزال من أصل روسي".
وأعرب عن اعتقاده أنه من المقرر أن "يبرم البلدان اتفاقية لوجستية عسكرية، مما سيمهد الطريق لمزيد من التبادلات الدفاعية".
aXA6IDEzLjU4LjE4LjEzNSA= جزيرة ام اند امز