بوتين يتعلم من الأخطاء وينصب فخًا لبايدن
بعد مرور أكثر من عام على "فشل" طرفي الأزمة الأوكرانية في تحقيق "انتصار خاطف" أو إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل فبراير/شباط 2022، باتت لكييف وروسيا، أهداف أخرى تسعيان لتحقيقها.
فأوكرانيا تحاول الصمود لأطول فترة ممكنة، مستعينة بالأسلحة التي يضخها الغرب في شرايينها، ومعولة على الضربات الخاطفة لإنهاك القوات الروسية وتحقيق اختراقات تساعدها في هجومها المضاد "المتعثر".
بينما روسيا تكيفت بشكل مطرد في ساحة المعركة، وتحولت إلى استراتيجية إنهاك أوكرانيا والغرب، بعد أن تعلمت "من أخطائها"، مما جعل من الصعب على أوكرانيا طرد القوات الروسية من أراضيها.
وبعد أن "اجتاحت" أوكرانيا الخطوط الروسية في منطقة خاركيف في الخريف الماضي، أمضت موسكو أشهراً في إعداد دفاعات هائلة قبل الهجوم الأوكراني المضاد الحالي في الجنوب، إضافة إلى نشرها طائرات بدون طيار لاستهداف المواقع الأوكرانية ومهاجمتها بطريقة كافحت كييف للرد عليها.
استراتيجية روسية، أدت إلى تقدم بطيء للقوات الأوكرانية في الأشهر القليلة الماضية، بعد أن واجهت الأخيرة حقول ألغام كثيفة، بينما كانت المروحيات الروسية والصواريخ المضادة للدبابات والمدفعية تهاجمها.
وتقول صحيفة "وول ستريت جورنال"، إن المؤسسة العسكرية الروسية، ربما تحتاج إلى إجراء تغييرات أعمق لإدامة حرب قد تستمر لسنوات، مشيرة إلى أن موسكو أصبحت الآن في "موقف دفاعي" إلى حد كبير في حين تحاول صد التقدم الأوكراني.
كيف تعلمت روسيا من "أخطائها"؟
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن الجيش الروسي يظهر بعض القدرة على التعلم من الأخطاء المبكرة؛ فهو قد أضاف قدرات توجيهية إلى القنابل القديمة التي يطلقونها من الطائرات التي تحلق خارج نطاق الدفاع الجوي الأوكراني، بما في ذلك الطائرات التي تحلق فوق الأراضي الروسية، مشيرة إلى أن أوكرانيا تكافح لاكتشافهم وإسقاطهم بطائراتهم التي تعود إلى الحقبة السوفيتية.
وأوضحت "وول ستريت"، أن روسيا نقلت مواقع القيادة والعديد من مستودعات الذخيرة بعيدًا عن الخطوط الأمامية بعد أن ضربتها أوكرانيا باستخدام قاذفات هيمار المقدمة من الغرب، والتي تطلق صواريخ موجهة يصل مداها إلى 50 ميلًا تقريبًا.
وأشارت إلى أنه بعد أن بدأ الأوكرانيون في استخدام قنابل JDAM طويلة المدى الموجهة بالأقمار الصناعية، نقل الروس مراكز قيادتهم إلى مسافة أبعد، بعد أن أجبرتهم تلك الضربات على الحفاظ على استخدام المدفعية، وتوسيع خطوط الإمداد المتوترة بالفعل، وزيادة الدقة في استهدافهم.
وتقول الولايات المتحدة الآن إنها ستقدم عددًا صغيرًا من صواريخ ATACMS إلى أوكرانيا في الأسابيع المقبلة، وقد يتم توفير المزيد لاحقًا. ويتراوح مدى هذه الصواريخ أرض-أرض بين 100 و190 ميلاً اعتماداً على النموذج المتوفر، ويمكن أن تستهدف بالمثل الخطوط اللوجستية الروسية.
وفي وقت مبكر من الحرب، نشرت موسكو طوابير غير محمية من المدرعات الروسية في أوكرانيا، متوقعة الحد الأدنى من المقاومة من كييف، وأرسلت وحدات تعاني من نقص العدد والتجهيز إلى القتال، مما أدى إلى مقتل العديد من قواتها، بحسب الصحيفة الأمريكية.
إلا أن الروس "أصبحوا الآن أفضل في حماية جنودهم من خلال بناء خنادق عميقة شديدة التحصين، وإخفاء دباباتهم وناقلات الجند المدرعة في خطوط الأشجار وتحت شبكات التمويه، والقيام بطلعات جوية لإطلاق النار على المواقع الأوكرانية قبل الانسحاب بسرعة"، تقول الصحيفة الأمريكية.
استراتيجية فعالة
ونقلت "وول ستريت جورنال"، عن أولكسندر سولونكو، وهو جندي في كتيبة استطلاع جوي أوكرانية بالقرب من روبوتين، التي تقع أمام الخطوط الدفاعية الرئيسية لروسيا في الجنوب: "إذا قارنا هذا مع بداية العملية العسكرية الروسية، فإن الفرق هائل. لقد أمطروا الحقول بالألغام ونصبوا كل أنواع الفخاخ. لقد فعلوا ذلك بشكل جيد".
وفي الجنوب، زاد الروس من استخدام الطائرات بدون طيار والقنابل الموجهة لصد الهجوم الأوكراني، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن الطائرات بدون طيار المتفجرة تصطدم بالمركبات المدرعة الأوكرانية وعربات الإخلاء الطبي والمشاة، مما يؤدي إلى تعطيل المركبات وقتل القوات.
وقال يوري بيريزا، قائد فوج دنيبرو-1 الذي يقاتل حول كريمينا في الشرق، إنه شهد زيادة ملحوظة في استخدام الروس للطائرات بدون طيار، مشيرًا إلى أن هناك أسرابًا كاملة باتت تحلق الآن في السماء.
وتقول القوات الأوكرانية المتمركزة على الخطوط الأمامية حول باخموت إنها تفقد العشرات من الطائرات بدون طيار يوميا لأن معدات التشويش الروسية تنجح في إسقاطها.
يقول المسؤولون الأوكرانيون إن الروس اشتروا آلاف الطائرات بدون طيار الرخيصة التي تنتجها الشركة المصنعة DJI في السوق الصينية. كما قامت روسيا أيضًا بتسريع إنتاج طائرات بدون طيار من طراز Geran-3 بالتعاون مع إيران، مما يهدد المدن الأوكرانية، في محاولة لتقويض الروح المعنوية أثناء قصفها للقوات الأوكرانية على الخطوط الأمامية.
وتوسعت صناعة الطائرات بدون طيار في أوكرانيا بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، لكن الخسائر لا تزال كبيرة. وفي تقرير حديث صادر عن المعهد الملكي للخدمات المتحدة، قدر مركز الأبحاث الذي يتخذ من لندن مقراً له أن أوكرانيا تخسر حوالي 10 آلاف طائرة بدون طيار شهرياً، بسبب الحرب الإلكترونية الروسية.
ويتكيف الجيش الروسي بدوره مع هجمات الطائرات بدون طيار الأوكرانية على الأراضي الروسية. وبعد أن بدأ الأوكرانيون في استخدام الطائرات بدون طيار لضرب الطائرات المقاتلة الروسية في عمق روسيا، بدأ الروس في توزيع طائراتهم على المزيد من المطارات، كما وضعوا الإطارات على أجنحة وجسم قاذفات القنابل في بعض قواعدهم.
هذه الممارسة، التي ليست فائدتها واضحة تماما لبعض الخبراء الغربيين، جرى توثيقها في صور الأقمار الصناعية التجارية التي التقطتها شركة ماكسار تكنولوجيز والتي تظهر الإطارات مكدسة على قاذفات تو-95 في قاعدة إنجلز الجوية بالقرب من ساراتوف، جنوب غرب روسيا.
إرباك الطرف الآخر
وقال ستيفن وود، كبير المديرين في شركة ماكسار: "إن وضع الإطارات والصناديق وغيرها من المواد فوق الأجنحة وجسم الطائرة يمكن أن يكون محاولة لإرباك أو تغيير الأنماط البصرية التي تستخدمها الطائرات بدون طيار التي تستهدف الطائرات".
فيما قال هيكر، قائد القوات الجوية الأمريكية، إن هذه الخطوة قد تكون بمثابة جهد روسي لحماية الطائرات من انفجار طائرة بدون طيار، مشيرًا إلى أن "هذه هي أكياس الرمل الخاصة بهم. شيء ما يضرب الطائرة. فبدلاً من إحداث انبعاج في الطائرة، مما قد يجعلها غير قادرة على الطيران لفترة قصيرة من الوقت، تصطدم بإطار".
وتتكيف روسيا في الداخل أيضًا، فموسكو تمكنت من الحفاظ على الإنتاج الدفاعي لبعض العناصر وحتى زيادته على الرغم من العقوبات، بحسب مسؤول دفاعي غربي قال إن المسؤولين الغربيين يعتقدون أن روسيا يمكن أن تنتج نحو 100 دبابة سنويا، لكن الإنتاج الفعلي للدبابات يقترب من 200 سنويا الآن.
وقال مسؤول دفاعي غربي إن الغرب يعتقد أن روسيا قد تكون قادرة على إنتاج نحو مليون قذيفة مدفعية سنويا، لكنها تعتقد الآن أن روسيا في طريقها خلال العامين المقبلين إلى إنتاج مليوني قذيفة مدفعية سنويا.
تحالفات جديدة
وبالتوازي مع الجانب العسكري، تمكنت روسيا من إقامة تحالفات جديدة، وتوسيع نطاق نفوذها الخارجي؛ والتي كان آخرها التقارب الواسع والسريع بين روسيا والصين وكوريا الشمالية، مما كشف عن احتمال تشكيل تحالف عسكري واقتصادي، في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها.
تحالفات أضيفت إلى الدور الروسي المتزايد في أفريقيا، مكن موسكو من تجاوز العقوبات الغربية، وحولها من دولة "معاقبة" إلى مبادرة وصاحبة دور كبير على الساحة الدولية.