النقطة الملفتة في حالة روسيا حالياً أنها أزالت الصورة النمطية التي كانت موجودة لدى الرأي العام العالمي عنها
التحرك السياسي الذي يقوم به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتفاعله بحماسة مع كثير من الملفات السياسية جعلت منه حديث الساعة في وسائل الإعلام العالمية، كما أن تحليلات المراقبين أعطتنا انطباعاً أننا أمام مرحلة سياسية جديدة في السياسة الدولية هي: مرحلة بوتين.
حيث أعلن، قبل أسبوع، عن تغييرات سياسية داخلية كبرى في بلاده وبان أول مؤشراتها في تقديم رئيس وزرائه، ديمتري مدفيديف، الذي كان يمثل ثنائيا سياسيا معه في مواجهة حملات الغرب على بلاده، استقالت حكومته ولكن الرئيس بوتين لم يتخلَّ عنه، وإنما استحدث له منصباً في مجلس الأمن القومي ما يعني أنه ما زال موجودا ضمن حساباته لحالات الضرورة، وهي تبدو أنها كثيرة بالنسبة لبوتين في مواجهة خصومه ومنافسيه السياسيين. أما على مستوى التفاعل الخارجي، وهو الأهم بالنسبة لنا، فقد تدخل في كثير من ملفات منطقة الشرق الأوسط من أجل ممارسة دور الوسيط، مع أنه لم يعرف عنه أنه رجل المفاوضات بأكثر من كونه يجيد سياسة الضغط على الدول التي تهدد مصالح بلاده.
وإذا كان قد قبل الدخول في هذه الملفات فإنه يدرك أنه لا يمكن التنبؤ بنتائجها لكثرة تشعبها وتشتتها وأنها تهدد الاستقرار الدولي ولا يمكن الاطمئنان بالكامل إلى حالة التراجع الأمريكي الحالي في كثير من الأزمات الدولية التي أعطت انطباعاً لدى المراقبين أن تسير نحو التراجع للداخل.
النقطة الملفتة في حالة روسيا حالياً أنها أزالت الصورة النمطية التي كانت موجودة لدى الرأي العام العالمي عنها، وهي أنها دولة لا تجيد العمل الدبلوماسي الناعم رغم إمكاناتها السياسية والاقتصادية الكبيرة، فالجانب العسكري والقوة الصلبة هي أبرز ما فيها، وهو أمر غير مرغوب فيه على المستوى العالمي في الوقت الحالي، فكانت دولة غير مؤثرة على الشعوب بل غير مرغوبة بالتعامل معها، ولكن في ظل حالة التشدد الأمريكي والانحياز إلى عنصر القوة في التعامل مع ملفات المنطقة والإصرار على فتح "ملفات أزمات" جديدة في المنطقة، نجد أن الرئيس بوتين بدأ يبرز أنه رجل إطفاء لأزمات المنطقة وبرغبة الجميع وقبولهم؛ الأوروبيين ودول المنطقة.
ربما تكون هذه أزهى مراحل روسيا في منطقة الشرق الأوسط التي طالما حلم كل قادتها على مر التاريخ أن يكون لهم موطئ قدم فيها، وفي كل مرة كانت محاولاتها تفشل، آخرها في السبعينيات من خلال الحرب في أفغانستان.
بوتين في هذه اللحظات يعيش حالة من الانتشاء السياسي لأن في يده أوراقا سياسية تساعده في إيجاد حلول لأزمات المنطقة الأكثر سخونة في الوقت الحالي التي تهم المجتمعات الأوروبية التي اعتادت على الدور الأمريكي أو البريطاني في إدارة أزماتها الخارجية، خصوصا الشرق أوسطية وبشكل أدق الورقة التركية التي تمثل إزعاجا للغرب من خلال وجودها في أخطر أزمات المنطقة، سوريا وليبيا، لذا فهو يستطيع أن يغير المعادلات السياسية في المنطقة، بل ويستطيع أن ينهي الأزمات، بل إنه أثبت أنه لا يسمح لتركيا أو أي منافس إقليمي أن يعرقل ما يخطط له في المنطقة، أو أن تحاول أي قوة أن تشوش عليه حتى لو كانت الولايات المتحدة.
بصورة عامة هناك أكثر من قوى دولية موجودة في ملفات المنطقة، فإذا كانت الولايات المتحدة القوة التقليدية وصاحبة العلاقة الاستراتيجية مع أغلب دول المنطقة اختارت الابتعاد قليلاً عن ملفات المنطقة، فإن الصين تركز أكثر على التأثير الاقتصادي وعدم الاصطدام مع أحد وفق نظرية "صديق الجميع"، أما الاتحاد الأوروبي الذي يهتم كثيراً بما يحدث في المنطقة نتيجة لتداخل بعض القضايا معها مثل الهجرة غير الشرعية والإرهاب، فإنها خسرت لاعباً مهماً بإصرار بريطانيا بالخروج منه، وبالتالي أصبحت بدون تأثير، ما يعني الساحة باتت مفتوحة للدب الروسي الذي يمتلك بجانب القوة الدبلوماسية أنياباً عسكرية أثبت أنه يجيد استخدامها إن لزم الأمر كما في سوريا.
ربما تكون هذه أزهى مراحل روسيا في منطقة الشرق الأوسط التي طالما حلم كل قادتها على مر التاريخ أن يكون لهم موطئ قدم فيها وفي كل مرة كانت محاولاتها تفشل؛ آخرها في السبعينيات من خلال الحرب في أفغانستان، ويدرك الرئيس بوتين أن من ضمن الأخطاء السابقة لساستها في المنطقة أنها كانت تعتمد على الأشخاص وليس القضايا والملفات، ما جعلها تخسر استمرارها بسقوطهم مثل نظام صدام ونظام القذافي وبالتالي ضاع عليهم كثير من المكاسب السياسية والاقتصادية، فهل تكون المرحلة الحالية هي مرحلة روسيا بوتين؟!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة