دبلوماسية «الخطوة خطوة» في حرب أوكرانيا.. بين المناورة والحل

في عالم الدبلوماسية، خاصة في الملفات المعقدة، تصبح استراتيجية "خطوة خطوة" وسيلة "ناجعة" للحل في بعض الأحيان.
لكن هذه الوسيلة التي تتضمن تجزئة الملفات والقضايا العالقة بين أطراف الصراع، قد تكون أيضا مناورة لكسب الوقت بالنسبة للطرف الذي يملك اليد الطولى، أو الطرف الذي يتعرض لنزيف ميداني.
وما حدث في ملف الحرب بأوكرانيا، بعد محادثات هاتفية بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب، والروسي فلاديمير بوتين، مساء أمس، يحمل ملامح من السيناريوهين، ويسيل كثيرا من الحبر حول مستقبل الصراع، وفق محللين أوروبي وروسي تحدثا لـ"العين الإخبارية".
وظهرت دبلوماسية "خطوة خطوة" في سبعينيات القرن الماضي، على يد وزير الخارجية الأمريكي الراحل هنري كيسنجر، الذي رأى أن الحل الشامل للصراع في الشرق الأوسط، "رؤية ساذجة"، وفضل تجزئة الصراع، وتفكيك العقد بين طرفيه.
وبعد أكثر من 50 عاما، تظهر ملامح هذه الدبلوماسية مرة أخرى في جهود طرفها الولايات المتحدة، ولكن في صراع يدور بالقارة الأوروبية هذه المرة؛ الحرب الروسية الأوكرانية.
ماذا حدث بين ترامب وبوتين؟
بالنسبة لوسائل الإعلام الأوروبية، فشل ترامب في إقناع بوتين، في محادثات هاتفية استمرت ساعتين، أمس، بهدنة لمدة 30 يوما في أوكرانيا.
فيما قال الكرملين في بيان عقب المباحثات، إن بوتين حدد شروطا لقبول المبادرة الخاصة بتطبيق وقف إطلاق النار الشامل لمدة 30 يوما، بينها ضمان "السيطرة على وقف إطلاق النار المحتمل على طول خط التماس القتالي بأكمله، والحاجة إلى وقف التعبئة القسرية في أوكرانيا ومنع إعادة تسليح القوات المسلحة الأوكرانية".
كما تمت الإشارة إلى "المخاطر المرتبطة بعدم قدرة كييف على التفاوض، والتي قامت بالفعل مرارا وتكرارا بتخريب وانتهاك الاتفاقات التي تم التوصل إليها"، وفقا للكرملين.
وأضاف بوتين: "الشرط الأساسي للعمل على حل الصراع يجب أن يكون الوقف الكامل للمساعدات العسكرية الأجنبية ومنع تزويد كييف بالمعلومات الاستخباراتية".
لكن في ثنايا هذا "الفشل"، وفق تقارير غربية، كانت هناك خطوة للأمام، إذ قال البيت الأبيض، إن ترامب وبوتين توافقا على هدنة في أوكرانيا لثلاثين يوما فيما يتعلق باستهداف "الطاقة والبنى التحتية"، وعلى وجوب "البدء فورا بمحادثات هدفها التوصل إلى هدنة أوسع نطاقا".
فيما ذكر الكرملين، أن ترامب طرح خلال المحادثات اقتراحا لأطراف الصراع بالامتناع المتبادل عن مهاجمة منشآت البنية التحتية للطاقة لمدة 30 يوما.
وردا على ذلك، "تفاعل فلاديمير بوتين بشكل إيجابي مع هذه المبادرة وأعطى الجيش الروسي على الفور الأمر المقابل".
تأتي هذه المحادثات فيما تملك روسيا اليد الطولى في الميدان، حيث تسيطر على خمس أراضي أوكرانيا، ونجحت خلال الأسابيع الماضية في عكس مناورة كييف في كورسك.
كما نجحت في استعادة 100 كيلومتر مربع منها، بل تقترب من فرض حصار على قوات كييف في الأراضي المتبقية.
هل هدنة الطاقة خطوة للأمام؟
مخرجات محادثات بوتين وترامب، تفتح الباب أمام سيناريوهين؛ الأول هو أن تكون هدنة الطاقة والبنى التحتية مجرد خطوة لشراء الوقت في ظل رغبة البيت الأبيض الكبيرة في فرض سلام في أوكرانيا.
أما السيناريو الثاني، فيتمثل في أن تتحول هذه الهدنة إلى خطوة يمكن البناء عليها، في إطار خطوات متدرجة لاحقة، تشمل الاتفاق على هدنة مرحلية شاملة ثم ما يليها من خطوات في طريق الحل.
في هذا السياق، قال غوستاف غريسل، أهم خبير عسكري أوروبي في الشؤون الروسية، لـ"العين الإخبارية"، “لا يزال مسار الحرب إيجابيا بالنسبة لروسيا. فهي تتكبد خسائر فادحة، ولكن من السهل تحملها بالنسبة إليها مقارنة بأوكرانيا."
وتابع غريسل الخبير في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، "لذلك، يستخدم بوتين المفاوضات كوسيلة إلهاء لإبعاد انتباه الولايات المتحدة عن الدعم العسكري لكييف الذي يمكن أن يقلب المسار الميداني مرة أخرى".
فيما رأى رامي القليوبي الأستاذ الزائر بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، أن بوتين وترامب "لم يفشلا".
وقال "الرئيسان اتفقا على عدم استهداف البنية التحتية في مجال الطاقة فقط"، مضيفا "أما مقترح الهدنة الشاملة لمدة ٣٠ يوما، رفضته روسيا لأنها ترى أنه لن يؤدي إلى سلام مستدام، وستكون فرصة للقوات الأوكرانية لإعادة التموضع والراحة قبل استئناف القتال بشراسة".
سير متدرج نحو الحل؟
غريسل لا يرى فرصة في أن تمهد خطوة الطاقة لخطوات لاحقة على طريق هدنة شاملة، وقال "لا أعتقد أن هناك فرصة لإحراز تقدم جوهري ما لم ينقلب الوضع في ساحة المعركة مرة أخرى".
واعتبر أن "رغبة ترامب الجامحة للتوصل لصفقة وتجاهله للتفاصيل، يجعلان التقدم الحقيقي نحو السلام أقل احتمالًا".
وفي الأعوام الثلاثة الماضية، انقلب مسار الحرب على الأرض أكثر من مرة، من تقدم روسي في البداية إلى جمود ثم هجوم مضاد أوكراني حقق تقدما ضئيلا، ثم عودة المبادرة للروس، قبل أن تلجأ كييف لمهاجمة كورسك الروسية، وعودة موسكو لقلب المعادلة مجددا خلال الأسابيع الماضية.
وخلال الفترات التي امتلكت فيها كييف المبادرة، كان الدعم العسكري الأمريكي والأوروبي محور الزخم، ما يجعل من الوضع الحالي، الذي تتلكأ فيه واشنطن في تقديم الدعم، خاصة بعد المشاحنة الكلامية بين ترامب ونظيره الأوكراني فولودومير زيلينسكي في المكتب البيضاوي قبل أسابيع، فرصة لروسيا.
ورغم هذا السياق المعقد، يفتح القليوبي نافذة تفاؤل محدودة بشأن فرص الهدنة الشاملة، ثم السلام.
وقال القليوبي: "بالتأكيد هناك فرصة لوقف إطلاق النار، لكن روسيا تبدو حتى الآن غير مستعجلة في التوصل لمثل هذا الاتفاق".
وبرر الخبير ذلك بأن روسيا تحقق تقدما على الأرض، ولذلك من الأفضل لها أن "تماطل حتى تسيطر على مزيد من الأراضي قبل انعقاد المفاوضات".
المحلل السياسي المقيم في ألمانيا عبد المسيح الشامي حرّك نافذة التفاؤل بصورة أكبر، وقال لـ"العين الإخبارية" إن الهدنة الشاملة "ممكنة جدا" في المستقبل، "لأن بوتين سيمنح هذه الورقة لترامب كون الأخير تبنى سياسات تتوافق مع سياسات روسيا".
aXA6IDE4LjExNi44Mi4xNzkg جزيرة ام اند امز