تهديدات بوتين النووية.. لماذا أفزعت الغرب وما إمكانية تنفيذها؟
منذ أن أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تهديداته باستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا، والقلق يسود الأوساط السياسية الغربية.
واعتبر المراقبون أن تهديد بوتين باستخدام الأسلحة النووية للدفاع عن روسيا مجرد مناورة لدرء شبح الهزيمة إذا فشلت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، مرجحين أنه قد يستخدم أسلحة نووية تكتيكية أصغر لتخويف الغرب ودفعهم للاستسلام لرغباته.
غير أن بوتين أكد أن تهديداته ليست خدعة، ما يعني أن الكرملين يدرس التصعيد بعد ضم روسيا لأربع مناطق شرق أوكرانيا، والتي من المتوقع أن يعلنها البرلمان الروسي جزءا من أراضي روسيا في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وبمجرد إعلان تبعية تلك المناطق رسميا إلى روسيا، ستعتبر موسكو، أي هجوم على شرق أوكرانيا بمثابة اعتداء على أراضيها يستلزم الدفاع بشتى الطرق بما ذلك استخدام السلاح النووي.
ويرى محللون أن بوتين لن يتجاوز حاجز المحرمات النووية إلا إذا شعر باليأس.
ويسيطر بوتين على أكبر ترسانة نووية في العالم، بما في ذلك جيل جديد من الأسلحة الفرط صوتية وأسلحة نووية تكتيكية أكثر بعشرة أضعاف من الغرب، وتتعامل معه الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي "الناتو" بجدية.
وخلال آخر تعليقاته، حذر بوتين الغرب صراحة من أن روسيا ستستخدم جميع الوسائل المتاحة للدفاع عن أراضيها، متهما الغرب بمناقشة هجوم نووي محتمل على روسيا.
ويختلف خطاب الكرملين هذه المرة اختلافا كبيرا عن الإشارات النووية الأكثر دقة التي فضلها القادة السوفيات الراحلون بعدما دفع نيكيتا خروتشوف العالم إلى حافة الحرب النووية في أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.
وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان للشبكات التلفزيونية الأمريكية، الأحد، إن إدارة الرئيس جو بايدن تتعامل مع تعليقات بوتين "بمنتهى الجدية"، وحذرت موسكو من "عواقب كارثية" إذا استخدمت الأسلحة النووية.
ولم تحدد واشنطن طبيعة ردها المحتمل، لكن ربما يؤدي استخدام السلاح النووي التكتيكي تصعيدا خطيرا وصولا إلى النووي الاستراتيجي واسع الدمار، ولهذا يعتقد معظم الخبراء أن هجوما تقليديا هائلا على الأصول العسكرية الروسية قد يكون مرجحا أكثر لدى قادة الغرب.
وبسؤاله عن اتجاه بوتين للهجوم النووي، قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وليام بيرنز لشبكة "سي بي إس"، أمس الثلاثاء: "علينا التعامل بجدية شديدة مع نوع التهديدات التي يقدمها بوتين بالنظر إلى كل ما هو على المحك".
وأوضح بيرنز أن الاستخبارات الأمريكية ليس لديها أدلة عملية على أن بوتين يتجه نحو استخدام الأسلحة النووية التكتيكية بشكل وشيك.
تهديدات جدية
وإذا أمر بوتين بضربة نووية داخل أوكرانيا، سيكون ذلك أول استخدام لسلاح نووي في المعركة منذ شنت الولايات المتحدة هجمات بالقنابل الذرية على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين في أغسطس/آب عام 1945.ورأى التحليل الذي نشرته "رويترز" أنه يمكن نظريا استخدام الأسلحة قصيرة المدى منخفضة القوة التي يتم إطلاقها بحرا أو جوا أو برا، ضد الأهداف العسكرية الأوكرانية، غير أن فاعليتها في مثل هذا السيناريو محل نقاش بين الخبراء العسكريين.
وبحسب التقرير، فإن الخيار الآخر المتاح أمام بوتين يتمثل في إلقاء قنبلة نووية على منطقة بعيدة غير مأهولة أو منطقة مائية، مثل البحر الأسود، كدليل على جدية التهديدات، معتبرا أن التداعيات الإشعاعية من سلاح تكتيكي صغير لن تتجاوز مساحة كيلومتر مربع واحد، لكن التأثير النفسي والجيوسياسي سيكون محسوسا في شتى أنحاء العالم.
وقال جوزيف سيرينسيون، مؤلف كتاب "الكوابيس النووية: تأمين العالم قبل فوات الأوان"، خلال مقال بصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، إنه من الصعب تحديد نسبة مئوية للخطر، وهذا لا يهم حقا؛ بالنظر إلى ما هو على المحك. وإذا كانت الاحتمالات 10% أو 40%، سيكون الرد هو نفسه: تقليص احتمال استخدام النووي.
وأوضح سيرينسيون أن هذا ما يفعله قادة الجيش والاستخبارات بالولايات المتحدة – وكانوا يفعلونه منذ الأيام الأولى للحرب الروسية في أوكرانيا، لافتا إلى أنهم يدرسون جميع السيناريوهات المحتملة، كما تراقب الاستخبارات الأمريكية عن كثب أي مؤشر على تجهيز أي سلاح نووي.
ودعا الكاتب إلى تصديق بوتين عندما قال "إن هذه ليست خدعة"، مشيرًا إلى أن الاستخدام الأول لسلاح نووي في أي نزاع هو جزء لا يتجزأ من العقيدة العسكرية الروسية، وكذلك في الخطط الحربية الأمريكية.
وتعتمد الأدبيات العسكرية الروسية، على استخدام الأسلحة النووية في الحروب من أجل إجبار العدو على التقهقر، فيما يعرف باستراتيجية "التصعيد من أجل خفض التصعيد"، أو التصعيد لحسم الحرب.
ترقب حذر
في إشارة على أن واشنطن تراقب عن كثب الترسانة النووية الروسية، أظهرت بيانات تتبع حركة الطيران، أن الولايات المتحدة نشرت ما لا يقل عن طائرتي تجسس من طراز "كوبرا بال آر إس-135"، التي تستخدم في رصد نشاط الصواريخ الباليستية، قرب الحدود الروسية.ورأى لورانس فريدمان، الأستاذ الفخري لدراسات الحرب في كينجز كوليدج لندن، أنه لا أدلة على أن موسكو تستعد لمثل هذه الضربة النووية بالوقت الراهن، وأن واشنطن ستعرف "بسرعة كبيرة" حال كان الوضع كذلك.
وأشار إلى أنه سيكون من الخطأ الاستهانة بتحذيرات بوتين النووية، مستبعدا أن يتجه بوتين للخيار النووي للدفاع عن الأراضي التي ضمها حديثا.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA==
جزيرة ام اند امز