الصلح الجزائي.. رهان "قيس سعيّد" لتعبئة موارد تونس
تبحث تونس عن حلول بديلة للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها ،خاصة في الوقت الذي لم تتوصل فيه لاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
ولعل قانون الصلح الجزائي الذي يُعد من بين الحلول التي راهن عليها الرئيس التونسي قيس سعيّد في مشروعه السياسي الذي وضعه بعد الإطاحة ببرلمان الإخوان في 25 يوليو/تموز 2021، لإيجاد تمويلات لتعبئة موارد الدولة التي تم إفلاسها من قبل المنظومة السابقة.
ووفقًا لآخر رقم رسمي مصرح به من مسؤولين من لجنة الصلح الجزائي قدّم 27 طالب صلح ملفاتهم من أجل الانتفاع بالآلية التي تمنحهم حق إنجاز صلح شامل مع الدولة، وإيقاف كل أشكال التتبع الجزائي في حقهم مقابل دفع مبالغ يتم تحديدها من قبل اللجنة.
وفي 22 مارس/ آذار 2022، أعلنت تونس إقرار صلح جزائي (تسوية) يتعلق بـ"الجرائم الاقتصادية والمالية" في قضايا فساد مقابل استرداد أموال، بحسب مرسوم رئاسي.
وكلّف سعيد، في 10 مايو/أيار الماضي، وزيرة العدل ليلى جفّال بتشكيل هيئة متعلقة بالتسوية والمصالحة مع رجال الأعمال المتورطين بقضايا فساد.
وفي 28 يوليو/تموز 2021، صرّح سعيد بأن الأموال المنهوبة من البلاد تبلغ 13.5 مليار دينار "ويجب إعادتها مقابل صلحٍ جزائي مع رجال الأعمال المتورطين في نهبها".
وأضاف -آنذاك- أن "عدد الذين نهبوا أموال البلاد 460 شخصًا، وفق تقرير صدر عن اللجنة الوطنية لتقصّي الحقائق حول الرشوة والفساد"، دون تسميتهم.
وفي 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، صدر في الجريدة الرسمية أمر رئاسي يتضمّن مقرّ اللجنة وتسمية أعضائها وهم 8 أعضاء.
- تونس الحائرة.. اقتصاد يقاوم الإفلاس و"رئيس" يتحدى ضغوط "الصندوق"
- بنزرت التونسية.. "جمال متجدد" يأسر محبي السياحة الداخلية
جني أولى الثمار
وبدأت السلطات التونسية جني أولى ثمار قانون الصلح الجزائي بعد الدخول في مفاوضات حول إبرام صلح جزائي مع عضو البرلمان السابق ورجل الأعمال لطفي علي المسجون في قضية تحقيق منافع من صفقات مشبوهة في قطاع نقل الفوسفات.
ومنذ أغسطس/آب 2021، أصدر القضاء التونسي قراراً بسجن النائب لطفي علي بعد تحقيقات أجراها القضاء المالي في قضايا تتعلق بصفقات نقل مادة الفوسفات، وعبّر علي أخيراً عن رغبته في الاستفادة من آلية الصلح الجزائي التي تمنحه الحرية مقابل دفع أموال لصالح الدولة، تعويضا عما حققه من مكاسب مالية بطرق غير قانونية.
وواجه لطفي علي، أول المرشحين من الانتفاع من الصلح الجزائي، تُهما في ثلاث قضايا منذ عام 2019 تعلقت بغسل الأموال وفساد مالي وإداري والإثراء غير المشروع وتضارب المصالح.
وكشف محامي لطفي علي فيصل الجدلاوي في تصريحات إعلامية أن القضاء طالب موكله بدفع 5 ملايين دينار مقابل عقد صلح نهائي، مرجحا أن يصل المبلغ النهائي إلى 11 مليون دينار، أي نحو 3,6 مليون دولار، باحتساب 10% كنسبة فائدة عن كل سنة.
وفي26 يونيو/حزيران الماضي، أصدر القضاء التونسي قرارا بإطلاق سراح رجل الأعمال ناجي قوادريّة الموقوف على ذمة إحدى القضايا المتعلقة بشركة فسفات قفصة وذلك بموجب المرسوم المتعلق بالصلح الجزائي.
وتجدر الإشارة إلى أن رجل الأعمال ناجي قوادرية تم إيداعه بالسجن على ذمة قضية تتعلق بصفقات تزويد شركة فسفاط قفصة بقطع الغيار.
وتقرر إطلاق سراح قوادرية إثر تقدمه بطلب لدى لجنة الصلح الجزائي في انتظار استكمال تنفيذه كامل بنود الصلح لاحقا دون الإفصاح عن قيمة الصلح.
وسبق أن قال الرئيس التونسي قيس سعيد "نبحث عن القروض من الخارج والأموال موجودة في تونس" في إشارة إلى المفاوضات التي تقوم بها الحكومة مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار.
وأضاف سعيّد أنه "في ما يتعلق بصندوق النقد الدولي، نحن نرفض الإملاءات التي تأتي من الخارج وتتسبب في المزيد من الفقر"، وتابع “البديل هو أننا يجب أن نعتمد على أنفسنا”.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي التونسي حسن عبد الرحمان أن الصلح الجزائي لا يمكن ان يكون بديلا على قرض صندوق النقد الدولي لكنه يمكن أن تجني منه البلاد أموالا طائلة لكن على مدى طويل.
وأكد في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن مسار الصلح الجزائي عرف تعثّرا في بداياته بسبب طول مدة الاختبارات القانونية على الملفات الثقيلة، لكن انطلق حاليا في العمل .
وأوضح أن المصالحة الاقتصادية التي تعرضها تونس على المتورطين في ملفات الفساد ،هي عملية لجأت إليها عدة بلدان في مراحل انتقالية وهو خيار يعوض فض النزاعات عبر مسار قضائي يدوم سنوات.
وأفاد بأن الصلح الجزائي يعتبر جزءاً من الحل لتستفيد الدولة من الأموال المنهوبة في معالجة أزمة المالية التي تعيشها عبر قيام المتورطين قضائيا بإنجاز مشاريع تنموية واستثمارات في الجهات الفقيرة.
وأشار إلى أن تونس تحتاج إلى العملة الصعبة في المرحلة الحالية مع ضرورة التقليص في الاستيراد.
ما هو الصلح الجزائي؟
تقوم فكرة الصلح الجزائي على إعداد قائمة برجال الأعمال المتورطين في اختلاس الأموال العامة وتكليفهم بإنجاز مشاريع تنموية في المناطق الفقيرة.
ويُكلَّف من تصنفهم السلطات بـ"الأكثر تورطا"، وفق ترتيب عمودي، بإنشاء مشاريع تنموية غير ربحية على غرار المدارس والمستشفيات والطرقات في المناطق الأكثر فقراً.
وشجع المرسوم نفسه الأشخاص المعنيين بالمبادرة على إرجاع أموالهم، ونص على إسقاط التتبع القضائي في حق المعنيين إذا ما تعهدوا بإنجاز مشاريع.
aXA6IDMuMTQ0Ljg5LjE1MiA=
جزيرة ام اند امز