"ناغورني قره باغ" في ربع قرن.. أزيز السلاح وصمت السياسة
في قلب العلاقات المتنافِرة بين أذربيجان وأرمينيا، يقف إقليم "ناغورني قره باغ" شاهدا على ربع قرن من القتال والنزاع.
فالحضور العسكري المكثف بات جزءا من الحياة اليومية في الإقليم، المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان منذ ما يقرب من 25 عاما.
ويعود النزاع على الإقليم الذي بات مسرحا للعمليات العسكرية بين القوات الأذرية والأرمينية، إلى فترة انهيار الاتحاد السوفياتي، وتحديدا في العام 1988 حين سيطر متمردون أرمن على الأقليم بقوة السلاح، قاصدين الاستقلال بأراضيهم تحت اسم جمهورية أرتساخ.
ما هو "ناغورني قره باغ"؟
إنه قطعة أرض جبلية تقع جنوب غربي أذربيجان، يتخذ من سيتباناكيرت عاصمة له، نسبة للزعيم الأرمني البلشفي ستيبان شوماهان.
لكن الأرمن الذين يشكلون الغالبية العظمى من السكان الذين يقدر عددهم بنحو 150 ألف نسمة يرفضون الحكم الأذربيجاني.
وكانوا يديرون شؤونهم الخاصة، بدعم من أرمينيا، منذ طرد القوات الأذربيجانية في حرب التسعينيات التي خلفت عشرات القتلى.
بداية الأزمة
بدأت بوادر الصراع في بدايات الحقبة السوفيتية، وتحديدا في عشرينات القرن الماضي، حين عمدت السلطات السوفيتية إلى التفريق بين الإثنيات وإشعال نار العداء بينها وتفتيت قواها.
ففي عام 1923 قررت موسكو ضم الأقلية الأرمينية إلى الحدود الإدارية لأرمينيا، مع منح الإقليم حكما ذاتيا داخل جمهورية أذربيجان، وهو ما وصفه المراقبون بـ"القنبلة الموقوتة" التي انفجرت حين تراخت القبضة السوفيتية في عهد آخر رؤساء الاتحاد السوفيتي ميخائيل جورباتشوف.
واندلعت الاشتباكات المسلحة في عام 1988 لتتحول بسرعة فائقة إلى حرب أهلية تركت قتلى وجرحى ولاجئين على كلا الجانبين.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 1989 ازداد الموقف تعقيداً بإعلان المجلس السوفيتي الأرمني توحيد إقليم "ناغورني قره باغ" مع جمهورية أرمينيا.
وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي رسميا في 25 ديسمبر/ كانون الأول 1991، أعلن الانفصاليون مطلع 1992 الاستقلال عن أذربيجان، ورفض الانضمام إلى أرمينيا.
وفي حين مدت أرمينيا الانفصاليين بالسلاح والمقاتلين بدعم من موسكو، دعمت أنقرة على الجانب الآخر حليفتها أذربيجان خوفا من تأثيرات الحرب عليها.
واستمرت المواجهات المسلحة باحتلال أرمينيا للشريط الحدودي مع "ناغورني قره باغ" المعروف بـ"رواق لاجين" في 1993، وكذلك أراضي 6 مقاطعات أخرى تعادل في مجموعها حوالي 20% من إجمالي مساحة الإقليم.
فكانت النتيجة أن فر مئات الآلاف من السكان الأذريين هرباً من القوات الأرمينية الغازية، وانتقل اللاجئون إلى معسكرات، كثير منها حول العاصمة الأذربيجانية باكو.
وفي مايو/أيار 1994 قبلت جميع الأطراف اتفاقاً لوقف إطلاق النار، والاحتكام إلى المفاوضات السلمية؛ حقناً للدماء.وكان الوسيط الرئيسي في المفاوضات هو الاتحاد الأوروبي الذي فوض مجموعة من الدول برئاسة فرنسا والولايات المتحدة وروسيا للاجتماع في العاصمة البيلاروسية مينسك لبدء التفاوض.
غير أن الأرمن أعلنوا استقلال الإقليم كدولة قائمة بذاتها تحت اسم جمهورية أرتساخ، لكنها لم تحظ باعتراف أي دولة أخرى.
محاولات التهدئة
الكثير من الأطراف الفاعلة على المستوى الدولي حاولت التدخل لإنهاء الصراع بين الجارتين، فأصدر مجلس الأمن 4 قرارات لفض الاشتباك وانسحاب القوات الأرمينية في 1993.
أعقب ذلك توقيع بروتوكول "بيشكيك" ، وهو اتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار، وقع عليه ممثلو كل من أرمينيا وجمهورية ناغورني قره باغ غير المعترف بها، وأذربيجان وممثل روسيا في مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في 5 مايو/أيار 1994 في عاصمة قيرغيزستان.
ولم تتوقف المحاولات عند هذا الحد، بل ظهرت وساطة دولية طويلة الأمد لإنشاء عملية سلام في 1994 عرفت باسم مباديء مدريد.
وفي سنة 2008 اعتمدت الجمعية العامة قرارًا طالب بالانسحاب الفوري لقوات الاحتلال الأرمينية من الإقليم حتى تجددت الاشتباكات مرة أخرى عام 2016 لمدة 4 أيام، بسبب استطلاعات رأي أظهرت رغبة سكان الإقليم في الانفصال عن أذربيجان.
الصراع المكتوم
ومنذ ذلك التاريخ توقفت المواجهات المسلحة، لكن الصراع المكتوم لم ينتهي، حتى تجددت الاشتباكات في سبتمبر/أيلول 2020 على طول خط التماس مع الإقليم بهجوم أذربيجاني، بهدف استعادة مناطق قليلة الوعورة جنوب قره باغ، والتي كان الاستيلاء عليها أسهل من المناطق الداخلية المحصنة جيدًا.
الحرب الأخيرة تميزت باستخدام أسلحة جديدة من نوعها نظرا للتطور الهائل في التكنولوجيا العسكرية، كالطائرات بدون طيار وأجهزة الاستشعار عن بعد والمدفعية الموجهة بعيدة المدى والصواريخ الموجهة بالليزر، فضلاً عن استخدام حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الرسمية في حرب المعلومات على الإنترنت بين الأطراف المتحاربة.
وأدانت الأمم المتحدة ودول عديدة القتال بشدة ودعت كلا الجانبين إلى تهدئة التوتر واستئناف مفاوضات ذات مغزى دون تأخير، وبوساطة تركية-روسية توقفت أعمال القتال مرة أخرى بعد توقيع كل من أرمينيا وأذربيجان في 10 نوفمبر 2020 على اتفاق تحت رعاية الأمم المتحدة يقضي بوقف الاشتباكات، إلى أن تجددت مؤخرا بسبب الاستفزازات المتبادلة، وأسفرت عن مقتل عشرات الجنود من الجانبين.
aXA6IDMuMTQ1LjEwMi4xOCA=
جزيرة ام اند امز