من قلب غرفة العمليات.. ماكنزي يكشف كواليس اغتيال قاسم سليماني
كواليس مثيرة أحاطت باغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني يكشفها الجنرال كينيث ماكنزي القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية في كتابه الجديد.
الكتاب الجديد المعنون "نقطة الانصهار: القيادة العليا والحرب في القرن الحادي والعشرين"، يكشف كواليس اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في العراق عام 2020.
وتحمل ماكنزي المسؤولية عن الضربة التي قتلت سليماني باعتباره رئيس القيادة المركزية الأمريكية منذ مارس/آذار 2019، إذ كان أول سؤال تعرض له بعد توليه منصبه: هل هناك خطة لضرب سليماني وهل يجب فعل ذلك؟ وفقا لما نقلته مجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية.
وكشف ماكنزي عن أنه وجه قائد فرقة العمل الخاصة بالعمليات الخاصة المشتركة (JSOTF)، لإيجاد إجابات عن هذه الأسئلة، مشيرا إلى مناقشة العديد من المخططات ووضعها جانبا لأنها غير مجدية تشغيليا أو تكلفتها السياسية باهظة.
لكن الدراسة تطورت في النهاية إلى خيارات مناسبة إذا قرر البيت الأبيض التحرك خاصة مع تعرض القواعد الأمريكية في العراق للقصف الذي بلغ ذروته في 27 ديسمبر/كانون الأول 2019.
وقال ماكنزي إنه في اليوم التالي على الهجمات، بدأت مراجعة خيارات الرد لتقديمها إلى الرئيس ووزير الدفاع آنذاك، دونالد ترامب، مارك إسبر.
وتضمنت الأهداف المحتملة للرد، قائد فيلق القدس وسفينة جمع المعلومات التابعة للحرس الثوري "سافيز"، بالإضافة إلى الدفاع الجوي والبنية التحتية النفطية في جنوب إيران.
وأضاف "أخبرت طاقمي بأننا نوصي بأهداف فقط داخل العراق وسوريا، إذ كنا نجري بالفعل عمليات عسكرية وذلك لتجنب توسيع نطاق الصراع".
وتابع "أرسلت توصياتي إلى وزير الدفاع عبر مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة وحصلنا على الموافقة لتنفيذ خياري المفضل: ضرب مجموعة متنوعة من الأهداف اللوجستية".
وذكر ماكنزي أن ميلي أخبره أن ترامب قد يعتقد أن الهجمات غير كافية، قبل أن يقول: "لأنني كنت أعرف أن الرئيس لا يزال مهتمًا جدًا بسليماني، وضعت تعديلاتي النهائية على ورقة حددت ما يمكن أن يحدث إذا اخترنا ضربه".
مضيفا "تجمدت لثانية أو اثنتين عندما أخبرني ميلي بأن ترامب أمر بضرب سليماني، وطلبت أن يكرر كلامه الذي تضمن موافقة الرئيس على استهداف قائد فيلق القدس والسفينة الإيرانية سافيز في البحر الأحمر".
الخطة
وأكد ماكنزي أن سليماني كان الهدف الأكثر صعوبة وأشار إلى أن الخطط الأولية فضلت استهدافه في سوريا بدلا من العراق حتى لا يؤدي ذلك إلى تأجيج الجماعات الشيعية المسلحة.
واعتبر أن العثور على الهدف هو علم، لكن ترجمة كل ما نعرفه عن تحركاته وعاداته إلى نافذة ضيقة من الزمان والمكان هو فن، كما أن إصابته مع تقليل الأضرار الجانبية إلى الحد الأدنى هو أيضا فن.
وقال "كنا نعلم أن سليماني عندما يصل للعراق، يهبط عادة في مطار بغداد الدولي ويتم نقله بسرعة بعيدًا، وأن حركة المرور تكون خفيفة على طريق الوصول إلى المطار المعروف بالطريق الإيرلندي قبل أن يخرج الرجل إلى شوارع بغداد المزدحمة".
وأضاف أن "ضربه في اللحظات التي تعقب نزوله من الطائرة سيقلل الأضرار الجانبية، وسنستخدم مسيرة MQ-9 مسلحة بصواريخ هيلفاير لمهاجمة سيارته وسيارة المرافقة الأمنية، وحددنا أفضل وقت للتنفيذ ليلا".
المحاولة الأولى
الجنرال الأمريكي ذكر أن المعلومات أشارت إلى أن سليماني سيسافر جوا من طهران إلى بغداد يوم الثلاثاء 31 ديسمبر/كانون الأول 2019، فكان القرار ضربه أولاً، وتأجيل استهداف السفينة "سافيز".
وفي اليوم المحدد، "غادر سليماني منزله واستقل الطائرة.. كنا مستعدين وطائراتنا تحلق في مواقع جيدة.. لكن طائرته اقتربت من بغداد ولم تهبط".
هنا ذكر ماكنزي "اتصلت بقائد القوة الجوية وسألته إذا أعطيتك أمرًا بإسقاط الطائرة، هل يمكنك التنفيذ؟".
وأضاف "استجابت القوات الجوية بسرعة، ونقلنا مقاتلتين إلى موقع خلف الطائرة، لكن سرعان ما تبين أن الطائرة مدنية متجهة إلى دمشق، وقد يكون على متنها 50 شخصا بريئا على الأقل، فاتفقنا على عدم التنفيذ في ذلك اليوم".
لكن عاد الجنرال الأمريكي وقال "الفرصة جاءت مرة أخرى في ضوء مؤشرات حول سفر سليماني من دمشق إلى بغداد"، مضيفا "ذهبت إلى مقر القيادة المركزية.. بدأ التوتر يتصاعد مع تأخر رحلة سليماني.. جلست بهدوء على رأس الطاولة وشربت كميات كبيرة من القهوة.. كنت أعلم أن أي انزعاج من جهتي سيشعر به الجميع".
وأضاف "أخيراً تحرك سليماني وأقلعت الطائرة وظهرت على أنظمة التتبع حتى بدأت في الهبوط في بغداد.. كان الجو غائما"، متابعا "حلقت المسيرة MQ-9 على ارتفاع منخفض للحفاظ على الرؤية، بعدما كان عليها في البداية البقاء على مسافة بعيدة لتجنب سماع صوتها أو رؤيتها".
وتابع "تأكدنا أنه سليماني واتصل بي قائد فرقة العمل المشتركة (JSOTF) وقلت له انتهز فرصتك عندما تحصل عليها".
وقال "زادت سرعة السيارتين.. عيون الجميع ملتصقة بالشاشات الكبيرة.. ثم، فجأة، ظهر وميض كبير من اللون الأبيض عبر الشاشة وتطايرت قطع من سيارة سليماني في الهواء. وبعد ثانية أو ثانيتين، تم ضرب سيارة الأمن".
ماكنزي قال أيضا "بدا أن العملية كانت ناجحة، لكن لم نتمكن من تأكيد ذلك".
مستطردا "تحول انتباهنا إلى اليمن، إذ نفذنا ضربة مماثلة لكننا اكتشفنا أننا فقدنا الهدف.. لكن توقيت الضربتين -بفارق 13 دقيقة- كان إنجازًا رائعًا".
نصيحة مستقبلية
وأعرب ماكنزي عن اعتقاده أن ترامب اتخذ القرار الصحيح "فلو لم يتم إيقاف سليماني، لكان من الممكن خسارة المزيد من أرواح القوات الأمريكية وقوات التحالف والعراقيين وحدوث المزيد من الهجمات".
وانتقل للحديث عن السلطات الإيرانية، وقال إن الأخيرة "شككت في قدرة الولايات المتحدة على إظهار مثل هذه القوة، وبالتالي أصبح عليها أن تعيد حساباتها.. وفي حين استمرت الهجمات إلا أنها كانت على نطاق صغير كما تغيرت التوجيهات العملياتية لكل من القوات الإيرانية ووكلائها من حيث تجنب الهجمات الكبرى على القوات الأمريكية".
واعتبر ماكنزي أن هذه اللحظة كانت "فاصلة" في العلاقات بين البلدين. وأضاف أن اغتيال سليماني أظهر لإيران "نوعًا من التصميم كان غائبًا منذ فترة طويلة عن السياسة الأمريكية".
ووجه نصيحة مستقبلية لبلاده، قائلا "إذا كانت واشنطن تخطط للبقاء في الشرق الأوسط، فعليها أن تكون مستعدة لإظهار نفس التصميم"، معتبرا أن خطر التصعيد "لا مفر منه لكن يمكن التحكم فيه.. الإيرانيون سيحترمون قوتنا وسيستغلون ضعفنا".
aXA6IDMuMTQ0LjkyLjE2NSA= جزيرة ام اند امز