قطر واللجوء السياسي.. صياغة خبيثة لتقنين إيواء الإرهابيين
القرار لتقنين إقامة الإرهابيين المقيمين على أراضيها، وطمأنة عملائها والمتآمرين على أوطانهم لصالح قطر بأن بلاد "الحمدين" مفتوحة لهم.
في وقت تنتهك فيه حقوق الإنسان في قطر وتنعدم حرية التعبير ويسجن المعارضون ويتم تخوينهم وتغلق أبواب العدالة في وجوههم، تصدر قطر قرارا جديدا بشأن اللجوء السياسي؛ لتقنين إقامة الإرهابيين المقيمين على أراضيها، وطمأنة عملائها والمتآمرين على أوطانهم لصالح قطر بأن بلاد "الحمدين" مفتوحة لهم.
القرار الجديد بشأن الفئات التي يحق لها اللجوء السياسي إلى قطر، أعاد التذكير بملف وثائق "آبوت آباد" التي كتبها أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة السابق، حينما نصح نجله حمزة في تلك الوثائق بالتوجه إلى قطر كطرف موثوق.
كما أعاد القرار الجديد التذكير بالواقع الأسود للوضع الحقوقي في قطر الذي كشفته العديد من التقارير الدولية، والتي يتم فيها تلفيق التهم وسجن المعارضين، بل وسحب الجنسيات من قبائل بأكملها على خلفية مواقف سياسية معارضة لتنظيم "الحمدين".
وحول التناقض القطري الغريب، يتساءل مراقبون أيهما أولى: فتح حرية التعبير للقطريين وإتاحة المعارضة لهم من الداخل وإعادة الجنسية لقبائلهم، أم سن قوانين وإصدار قرارات لتقنين إقامة الإرهابيين في قطر وتقديم الدعم لهم وتشجيع المتآمرين على بلدانهم؟
ولفتوا إلى أن هذا التناقض ليس بغريب على قطر، فهي من سبق أن صنفت أشخاصا بأنهم إرهابيون، ثم قامت بالاحتفاء بهم علنا على مرأى ومسمع من العالم بل وتكريمهم.
فئات اللجوء السياسي
وصادق أمير قطر تميم بن حمد على قرار أصدره مجلس الوزراء قبل أيام بتحديد الفئات التي لها الحق في طلب اللجوء السياسي لديها، وذلك استنادا لقانون رقم 11 لسنة 2018 الذي أصدره تميم بن حمد في سبتمبر/أيلول الماضي والذي يحدد إجراءات وشروط طلب اللجوء في البلاد.
والمدقق في الفئات التي يشملها القرار يلاحظ أكثر من أمر، استخدام تعبيرات فضفاضة في بعض الفئات، الأمر الذي ييسر على تنظيم "الحمدين" استخدامها متي شاء وكيف شاء.
والأمر الثاني تفصيل بعض الفئات على حالات بعينها، مثل حركة الإخوان الإرهابية أو العاملين في قناة "الجزيرة" وترسانة إعلام الظل التي يوظفها "تنظيم "الحمدين" لتحقيق أهدافها بعيدا عن القيام بأي دور إعلامي حقيقي، كما يمتد ليشمل العملاء والمتآمرين على أوطانهم لصالح التنظيم.
صياغة خبيثة
كل تلك الأهداف الشريرة، حاولت إخفاءها عبر صياغة خبيثة، ظاهرها دعم حقوق الإنسان، وباطنها دعم الإرهاب.
وبحسب القرار الجديد فإن الفئات التي لها الحق في طلب اللجوء السياسي لدى قطر هي: المدافعون عن حقوق الإنسان الذين يتعرضون للملاحقة والتهديد بالاعتقال أو السجن أو التعذيب بسبب مواقفهم ضد انتهاكات حقوق الإنسان أو الذين فروا بسبب أحكام صدرت بحقهم جراء هذا الموقف.
وكذلك "مراسلو ومندوبو وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة الذين يعملون على توثيق وتصوير الوقائع والأفعال التي تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ويتعرضون للملاحقة والتهديد بسبب عملهم".
أيضا من هذه الفئات الأشخاص الذين ينتمون لأحزاب سياسية أو طوائف دينية أو أقليات إثنية ويكونون عرضة للملاحقة أو الاضطهاد بسبب هذا الانتماء.
ومنهم أيضا: الكتاب والباحثون الذين يعبرون عن آرائهم في الصحف والمجلات أو المدونات الإلكترونية ويتعرضون للملاحقة والتهديد بسبب ذلك.
وكذلك يندرج ضمن هذه الفئات: المسؤولون الحكوميون السابقون أو الحاليون المعارضون لحكوماتهم أو المنشقون عنها ويخشون التعرض للملاحقة والتهديد بسبب ذلك.
تناقض واضح تفضح التقارير الدولية
في وقت يحاول فيه القرار إظهار قطر بمظهر المدافع عن حقوق الإنسان، وحرية التعبير، فإن التقارير الدولية تكشف واقعا أسود للوضع الحقوقي في قطر على مختلف الأصعدة، آخرها تقرير "مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان" الصادر قبل أيام عن بعض ممارسات النظام القطري المشينة في مجال حقوق الإنسان، والسجل الأسود لنظام "الحمدين" في مجال حقوق الإنسان عامة.
ولفت التقرير الأممي الذي تم الكشف عنه خلال أعمال الدورة الثالثة الثلاثين للمفوضية، خلال الفترة من 7 إلى 17 مايو/أيار الحالي بجنيف أن السلطات القطرية استمرت في فرض قيود على الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات والانضمام إليها، ولا تتماشى هذه القيود مع القوانين والمعايير الدولية، فلم تسمح السلطات بوجود أحزاب سياسية مستقلة، كما لم تسمح بتشكيل جمعيات عمالية إلا للمواطنين القطريين في حالة الإيفاء بمعايير صارمة.
ولفت إلى استمرار العمل بالقوانين التي تجرِّم حرية التعبير الذي تعده السلطات "مسيئاً لأمير البلاد".
بدورها، كشفت وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها السنوي لحقوق الإنسان الصادر في مارس/آذار الماضي، عن واقع أسود لوضع الصحافة وحرية التعبير في قطر.
ورصد التقرير تجاوزات عديدة أبرزها غياب الديمقراطية وحرية التعبير، حيث ذكر أن الحكومة القطرية تراقب وتراجع المطبوعات الأجنبية والأفلام والكتب.
وحسب التقرير، يتجنب الصحفيون القطريون التطرق إلى الضغوط السياسية والاقتصادية عندما يتحدثون عن السياسات الحكومية.
كما أشار التقرير إلى وجود قيود على حرية التجمع السلمي ومنع إنشاء الأحزاب السياسية والاتحادات العمالية في الإمارة الصغيرة.
يأتي هذا في وقت تحرض فيه قطر عملاءها على الإساءة للأوطان والرموز وخصوصا في الدول المعارضة لسياستها الداعمة للإرهاب، وترحب بمنحهم حق اللجوء السياسي.
أيضا، في ظل سيطرة "الحمدين" على الصحافة، يغيب الصوت المعارض والمخالف لآرائه، ويتم تخوين المعارضين، والهجوم على المخالفين له في الرأي.
وفي وقت تتشدق فيه قطر بأنها تدعم الحرية الإعلامية، لم تترك دولة عربية أو أجنبية إلا وتدخلت في شؤونها، وتتيح اللجوء السياسي للعاملين في وسائل إعلام مؤيدة لسياساتها أو ضمن ترسانتها الإعلامية، لم يتسع صدر الحكومة القطرية لصحفيين أجانب حاولوا نقل الحقيقة بعيدا عن الجولات المعدة من قبل الحكومة، فقامت باعتقالهم، ولم تمنحهم الحرية الصحفية في ممارسة عملهم.
وفي محاولة منها لتبييض صورتها أمام الرأي العام العالمي، دعت قطر صحفيين غربيين ليروا بأنفسهم كيف حسّنت الحكومة ظروف عيش العمالة المختصة بأعمال الإنشاءات الخاصة بـ"مونديال 2022"، في مايو/أيار 2015.
لكن عندما حاول مراسل "بي بي سي" مارك لوبيل الابتعاد عن رجال الأمن القطريين ليتحقق بنفسه من صحة هذه الادعاءات، تمّ اعتقاله مع فريق العمل، وأمضوا جميعهم يومين في السجن.
ولا يعتبر اعتقال فريق "بي بي سي" البريطانية هو المرة الأولى التي تحدث في الدوحة، فقد سبق أن اعتقلت السلطات القطرية الصحفي الألماني فلوريان باور وفريق عمله لمدة 5 أيام، في مارس/آذار من العام نفسه؛ بسبب تغطيته لمساكن العمالة الأجنبية، ونقده للحالة المأساوية التي تعيشها العمالة في الدوحة.
تناقض متواصل
أيضا يكشف التناقض الذي تضمنه قرار اللجوء السياسي الجديد، والذي يزعم أنه يتيح حق اللجوء السياسي للمدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين الملاحقين في بلدانهم، ممارسات تنظيم الحمدين، الذي يعاقب قبيلة بأكلمها على خلفية موقف سياسي لأجدادهم.
وأدانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قبل أيام قرار قطر سحب الجنسية تعسفا من مواطنيها، وعدته عقابا جماعيا ترك بعض أفراد عشيرة الغفران من دون جنسية طوال 20 سنة، وحرمهم من حقوق أساسية.
وتمارس السلطات القطرية انتهاكات ممنهجة ضد أبناء قبيلة "الغفران" منذ عام 1996 وحتى الوقت الحاضر، تضمنت التهجير وإسقاط الجنسية والاعتقال والتعذيب وطرد أطفالهم من المدارس وحرمانهم من التعليم ومنعهم من ممارسة حقوقهم المدنية والترحيل القسري، على خلفية رفضهم انقلاب حمد أمير قطر السابق ووالد الأمير الحالي على أبيه للاستيلاء على الحكم عام ١٩٩٥.
أيضا سبق أن تقدمت أسماء أريان، زوجة الشيخ طلال بن عبدالعزيز بن أحمد بن علي آل ثاني حفيد مؤسس قطر، بشكوى إلى الأمم المتحدة ضد تنظيم "الحمدين" الإرهابي في الدوحة جراء تنكيلها بزوجها وسجنه وانتهاك حقوقها وأبنائها الأربعة.
وأكدت زوجة حفيد مؤسس قطر أن الحكومة والنظام في الدوحة ارتكبا انتهاكات جسيمة بحق زوجها، حيث قاما باستدراجه من الخارج ليتم تلفيق التهم له بالتوقيع على شيكات بدون رصيد ويلقى به في السجن بعد ذلك بدعوى عدم تسديده لديونه.
أوضحت أن النظام القطري أصدر حكماً بالسجن على زوجها لمدة 25 عاماً لمجرد مطالباته السلمية بحقه في الميراث، ثم حاول إجبار زوجها المحتجز في سجون الدوحة منذ 6 أعوام على توقيع إقرار بأنه "مختل عقلياً" مقابل إطلاق سراحه، لإبعاده عن دائرة الفعل السياسي في مستقبل قطر كونه حفيد مؤسس الدولة.
وانتقد تقرير الخارجية الأمريكية منظومة العدالة في قطر والحكومة على حد سواء، مشيرا إلى أن السلطات لم تأخذ إجراءات كافية لمحاكمة المشتبه بهم في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان.
هذا الانتقاد سبق أن وجهته أيضا منظمة العفو الدولية، في تقريرها الصادر قبل فبراير / شباط الماضي، مشككة في منظومة العدالة القطرية التي لا تنصف العمال، مشيرة إلى أن "المئات منهم عادوا إلى ديارهم بدون تحقيق الإنصاف أو تلقي تعويض"، في حين أن المحاكم العمالية الجديدة التي تعتزم معالجة قضايا الانتهاكات، بما في ذلك عدم دفع الأجور، مثقلة بالقضايا.
تقنين إقامة الإرهابيين
ويرى مراقبون أن قانون اللجوء السياسي الصادر سبتمبر/أيلول الماضي ثم القرار الذي تبعه الخاص بفئات اللجوء السياسي يوفر الغطاء القانوني لحماية العشرات من الإرهابيين الهاربين من بلدانهم والمقيمين على أراضيها.
ودللوا على هذا بسوابق قطر في مخالفة قوانين الإرهاب التي تصدرها هي بنفسها وعلانية وداخل الدولة نفسها، مشيرين إلى أن الدوحة أصدرت في مارس/آذار 2018 قائمة للتصنيفات الإرهابية وتشتمل على تصنيف وإدراج 20 شخصا و8 كيانات، ثم فوجئ العالم بعدها بقطر تكرم أحد الإرهابيين المدرجين على قائمتها، لفوزه في ماراثون رياضي، ثم يحضر رئيس وزراء نظام الحمدين حفل عرس نجل إرهابي آخر مدرج على القائمة نفسها.
وعقب إصدار القائمة، شهدت مسابقة رياضية في قطر تكريم مبارك العجي المدرج على قائمة الإرهاب القطرية.
وفي الشهر التالي، صدم العالم بحضور رئيس وزراء قطر حفل زواج نجل عبدالرحمن النعيمي المطلوب رقم واحد على قائمة الإرهاب القطرية والمدرج كذلك ضمن قائمة الإرهاب التابعة للخزانة الأمريكية منذ 2014، والمدرج على قوائم الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، الأمر الذي اعتبره مراقبون يكشف عن حجم التحالف بين نظام الحمدين وهذه الجماعات الإرهابية.
ورأى مراقبون أن القرار الجديد ليس سوى محاولة جديدة من "تنظيم الحمدين" لمنح الحماية لقيادات تنظيم الإخوان الإرهابي المقيمين على أراضيها.
وكانت الدوحة قد أعلنت تغاضيها عن الجرائم الإرهابية التي ارتكبتها عناصر جماعة الإخوان الإرهابية، بزعم أن هذه الجرائم "مُسيسة"، وذلك للتحايل، وتقنين حماية الإرهابيين داخل الإمارة.
بن لادن يفضح قطر
ما ذهب إليه المراقبون، سبق أن فضحته وثائق "آبوت آباد" التي تمت مصادرتها عقب اقتحام القوات الأمريكية مخبأ بن لادن في باكستان في مايو/أيار 2011، في عملية أسفرت عن مقتله، والتي تؤكد اعتبار تنظيم القاعدة الإرهابي قطر مكانا آمنا لإقامتهم.
ومن بين ما تتضمنه تلك الوثائق مفكرة شخصية ورسائل بخط يد أسامة بن لادن، تكشف الكثير عن هذا التنظيم وعلاقاته، وأفرجت وكالة الاستخبارات الأمريكية عن تلك الوثائق على دفعات، كان أحدثها في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017.
وأظهرت تلك الوثائق اهتمام ورغبة حقيقية من بن لادن والتنظيم الإرهابي بجعل ابنه حمزة الوريث الشرعي لقيادة التنظيم.
وتكشف أيضاً تلك الوثائق علاقة التنظيم القوية بتنظيم الحمدين في قطر وثقته فيهم، إذ حذر بن لادن نجله حمزة الذي كان يقيم في إيران من الوثوق في النظام الإيراني، ونصح في رسالة كتبها إلى أبنائه وإحدى زوجاته المقيمين في إيران بترك ممتلكاتهم والتوجه إلى قطر كطرف موثوق، مشيراً إلى أنها "الجهة الأسلم لتلافي الأزمات المقبلة".
وكشفت رسائل بن لادن أيضاً عن رغبته في أن ينتقل نجله حمزة إلى قطر لدراسة العلوم الشرعية، حتى يتمكن من مقاومة التشكيك في الجهاد وترسيخ قناعته، حسب تعبيره.
ورصدت الخارجية الأمريكية مطلع مارس/آذار الماضي مكافأة مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عن القيادي بتنظيم القاعدة "حمزة بن لادن"، لتتخذ وزارة الداخلية السعودية هي الأخرى إجراء ضد القيادي في تنظيم القاعدة وتجرده من الجنسية السعودية.
كل تلك الوقائع وما ذكرته التقارير الدولية حول الوضع الحقوقي في قطر تثبت أن قانون اللجوء السياسي في قطر والقرار الذي تلاه قبل أيام ما هو إلا محاولة قطرية لتجميل صورتها من جانب إزاء الانتقادات الدولية المستمرة للأوضاع الحقوقية بها، وتحقيق هدفها الأساسي في تقنين إيواء الإرهابيين وتقديم الدعم للمتآمرين على أوطانهم، في وقت تغلق فيه كل أبواب العدالة وتفتح أبواب السجون لكل من يجرؤ على أن يعارض تنظيم "الحمدين" أو يكشف جرائمه.
باختصار.. إن تعامل تنظيم الحمدين مع حق اللجوء السياسي هو تعامل من لا يملك مع من لا يستحق.