تناقض "الحمدين".. قطر تهاجم ورشة المنامة وتتصدر المشاركين
قطر التي جاهرت عبر إعلامها بمعارضتها للمؤتمر، لم تكشف بشكل رسمي عن مشاركتها في المؤتمر، قبل أن تلتقط الكاميرات صورة وزير المالية القطري
في حلقة جديدة من مسلسل التناقضات القطرية، التي أضحت سمة تميز السياسة الخارجية والداخلية للدوحة تحت حكم تنظيم "الحمدين"، شاركت قطر في ورشة " السلام من أجل الازدهار" بالعاصمة البحرينية المنامة، بعد هجوم شديد من قبل إعلام "الحمدين" على الورشة، واصفا المشاركين فيها بأنهم يسيرون في "الاتجاه الخاطئ".
قطر التي جاهرت عبر إعلامها وعلى رأسها قناة "الجزيرة" بمعارضتها للمؤتمر، لم تكشف بشكل رسمي عن مشاركتها في المؤتمر، قبل أن تلتقط الكاميرات صورة وزير المالية القطري علي شريف العمادي في الصفوف الأولى للمشاركين في المؤتمر لدى انطلاقه أمس الثلاثاء، فيما كان لافتا أن وسائل إعلام إسرائيلية أكدت قبل شهر أن قطر ستشارك في الورشة، غداة إصدار الدوحة بيانا ضد المشاركة بالورشة عقب الإعلان عن تنظيمها.
الفضيحة القطرية في المنامة تأتي بعد 10 أيام من الكشف عن قيام قطر بالتجارة بالقضية الفلسطينية، بزعم دعم غزة تحت ستار تقديم أموال وإقامة مشاريع بالاتفاق مع إسرائيل، هدفها شراء التهدئة في غزة وتكريس الانقسام الفلسطيني.
** فرص نوعية
واختتمت في البحرين، الأربعاء، ورشة عمل اقتصادية تحت عنوان "السلام من أجل الازدهار" استضافتها المنامة بالشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية على مدار يومين.
وأعرب الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد البحريني نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، عن تطلعه بأن تسهم مخرجات ورشة السلام من أجل الازدهار في تحقيق فرص اقتصادية نوعية جديدة متنوعة ومستدامة خلال المرحلة المقبلة بما يحقق تطلعات كافة دول وشعوب المنطقة لتحقيق النماء والازدهار.
جاء ذلك لدى حضوره الجلسة الختامية والتي شارك فيها قادة حكومات والمجتمع المدني وقطاع الأعمال لتبادل الأفكار والرؤى ومناقشة الاستراتيجيات وتحفيز الاستثمارات والمبادرات الاقتصادية في المنطقة.
ونوه ولي العهد البحريني بأهمية تكاتف الجهود وتوحيد المساعي من أجل تحقيق مستقبلٍ اقتصادي مزدهر للمنطقة.
وورشة "السلام من أجل الازدهار" هي بمثابة منتدى لمناقشة كيف يمكن للقطاعين العام والخاص العمل معًا لوضع الأساس للنمو الاقتصادي المستدام الذي يحركه القطاع الخاص في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وأتاحت ورشة "السلام من أجل الازدهار" الفرصة لتبادل الآراء والأفكار من خلال طرح مستفيض لرؤى طموحة وأطر عمل تنفيذية من أجل مستقبل مزدهر للشعب الفلسطيني وللمنطقة، وشمل ذلك نقاشات حول تحسين الحوكمة الاقتصادية، وتطوير رأس المال البشري وإفساح المجال أمام نمو القطاع الخاص بشكل متسارع. وبحثت الورشة الانعكاسات والنتائج الإيجابية لتنفيذ مثل هذه الرؤى والتطلعات لتأمين مستقبل أكثر إشراقًا للمنطقة.
** الاتجاه الخاطئ
وكعادتها في السير في "الاتجاه الخاطئ"، كما اعترف إعلامها، قامت قطر منذ الإعلان عن تنظيم تلك الورشة قبل أكثر من شهر وحتى اليوم، بشن هجوم ضار على المؤتمر والمشاركين به، وترويج أنه مؤتمر لبيع القضية الفلسطينية وأنه المرحلة الأولى في تنفيذ صفقة القرن، واتخذت الأمر فرصة للتجارة بالقضية الفلسطينية والمزايدة على مواقف الدول المشاركة من تلك القضية.
وفيما وجهت قطر إعلامها وعلى رأسه قناة الفتنة "الجزيرة" لشيطنة وتشويه الحاضرين شاركت هي في النهاية بتمثيل رفيع بحجم وزير المالية دون إعلان رسمي في إعلامها عن مشاركته.
أيضا وفي إطار سعيها المتواصل لانتهاز أي فرصة لشن حملات تشويه في إعلامها ضد الدول الداعية لمكافحة الإرهاب المقطاعة لها، لم يتوان إعلان الحمدين في الهجوم على سياسة الدول المقاطعة له، التي أعلنت صراحة -على خلاف الدوحة- المشاركة في المؤتمر مع التأكيد على تمسكها بثوابت القضية، متجاهلا تماما مشاركة قطر التي تهاجمه علنا، لدغدغة مشاعر الشعوب العربية، وتشارك به سرا، في إطار سياستها المتواصلة للاتجار بالقضية الفلسطينية لتحقيق مصالح الحمدين.
جريدة "الشرق" القطرية شنت في افتتاحيتها التي نشرتها اليوم هجوما على الورشة تحت عنوان "ورشة في الاتجاه الخاطئ"، متجاهلة تماما أن أول من يسير في هذا الاتجاه الخاطئ على حد تعبيرها هي قطر نفسها.
الجريدة نفسها نشرت موضوعا تحت عنوان تعرف على "الدول المشاركة والغائبة عن مؤتمر البحرين"، وأسقطت اسم الدوحة من الدول المشاركة التي لم تتوان في الهجوم عليهم.
اللافت أن أول من كشف عن نية قطر المشاركة في الورشة، كانت وسائل إعلام إسرائيلية.
وفيما أصدرت وزارة الخارجية القطرية بيانًا في 24 مايو/أيار الماضي، تداولته وسائل الإعلام القطرية والمحللون والمغردون المقربون من النظام القطري بأنه ضد المؤتمر ورفض لحضور قطر له، كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أن قطر كانت ثالث دولة تؤكد حضورها الورشة الاقتصادية الدولية، المقرر عقدها في البحرين، لبحث سبل ضخ استثمارات في المنطقة، وخاصة فلسطين.
** التجارة بالقضية الفلسطينية
مشاركة قطر في مؤتمر المنامة جاءت بعد 10 أيام، من اجتماع مسؤولين إسرائيليين وقطريين سرا في القدس الغربية، للاتفاق على تنفيذ مشروع جديد في قطاع غزة، دون علم السلطة الفلسطينية.
ويقضي المشروع بتنفيذ خط كهرباء يحمل اسم "خط كهرباء 61" يربط إسرائيل مع قطاع غزة.
وعلق ظافر ملحم، رئيس سلطة الطاقة الفلسطينية، على الأمر بالقول: إن "دولة قطر تعدت على السيادة الفلسطينية، من خلال التواصل مع الجانب الإسرائيلي، بخصوص مشروع خط كهرباء 161، ودون الرجوع لسلطة الطاقة الفلسطينية، التي تعتبر المخول الأول والأخير بتنفيذ المشروع".
الاجتماع تزامن مع وجود السفير لدى وزارة الخارجية القطرية محمد العمادي في إسرائيل، والذي انتقل منها إلى غزة لنقل أموال قطرية لشراء التهدئة.
وكشف موقع "إسرائيل إنفو" عن تنسيق قطري مع حكومة الاحتلال للسماح بدخول 25 مليون دولار من أموال تنظيم الحمدين، عبر معبر إيريز الفاصل، إلى حركة حماس في قطاع غزة، من أجل دفع رواتب أعضاء الحركة التي انقلبت على مؤسسات السلطة الشرعية، بقوة السلاح، منتصف عام ٢٠٠٧.
ووفق الموقع، أرسلت إسرائيل رسالة إلى الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، عبر الدوحة، تعهدت فيها بالسماح بدخول الأموال القطرية إلى القطاع، مقابل التهدئة على الحدود، ووضع حد لفعاليات "مسيرات العودة".
ومنذ أن بدأ الفلسطينيون مسيرات أسبوعية في 30 مارس/آذار العام الماضي، للمطالبة بحق العودة إلى أراضيهم التي قامت عليها إسرائيل عام 1948، تندلع أسبوعيا، مواجهات بين الفلسطينيين وجيش الاحتلال، عند الحدود الفاصلة مع قطاع غزة.
ويواصل العمادي تنسيقه مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، في محاولة للتخفيف من الاحتجاجات الفلسطينية على استمرار الاحتلال الإسرائيلي بحصاره قطاع غزة.
وسبق للفلسطينيين أن احتجوا مراراً على قيام قطر بالتنسيق مع إسرائيل بشأن مشاريع في قطاع غزة، دون علم أو موافقة السلطة الفلسطينية.
ولكن قطر تواصل التنسيق مع الاحتلال، ما دفع الفلسطينيين إلى وصف العمادي بـ"المندوب السامي القطري" في إشارة إلى حقبة الاحتلال البريطاني لفلسطين.
وهذه ليست المرة الأولى التي تصل فيها أموال قطرية إلى حركة حماس، عبر إسرائيل، دون التنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية.
ففي 8 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، دخل العمادي إلى غزة بـ3 حقائب تحمل 15 مليون دولار عبر معبر بيت حانون، ما رأته القناة الإسرائيلية الرسمية في حينه الثمن الذي توصل إليه الثلاثي "قطر وحماس وإسرائيل"؛ لشراء الهدوء في قطاع غزة".
** تاريخ مخز.. وتناقض متواصل
وتعيش قطر حالة تخبط مستمرة منذ إعلان الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب (السعودية والإمارات ومصر والبحرين)، في 5 يونيو/حزيران 2017، قطع العلاقات الدبلوماسية وخطوط النقل مع قطر بسبب إصرارها على دعم التنظيمات الإرهابية في المنطقة والعالم.
ولا يعد تعامل قطر وإعلامها مع ورشة المنامة الواقعة الأولى التي تعكس تناقضها، الذي أصبح سمة في سياسة الحمدين الداخلية والخارجية، فسبق أن قام إعلام الحمدين بمهاجمة مؤتمر وارسو الذي عقد فبراير/شباط الماضي لبحث إرهاب إيران ثم شاركت هي فيه.
أيضا سبق أن قام إعلام قطر بمهاجمة قمم مكة (القمة العربية والخليجية الطارئتين) في 30 مايو/أيار الماضي، وشاركت فيها، ثم عاد إعلامها واحتفى بالمشاركة القطرية، قبل أن تقوم الدوحة نفسها بالتحفظ على البيانين الختاميين للقمتين الخليجية والعربية الطارئتين، رغم عدم إبدائها أي معارضة آنذاك، وذلك بعد 3 أيام من إقرارهما، في سابقة مخزية في الأعراف الدبلوماسية.
وكعادتها في تبديل المواقف وتزييف الحقائق، وإدمان الأكاذيب، أرجع محمد بن عبدالرحمن وزير خارجية نظام "الحمدين" تحفظ قطر على بياني القمتين بأنها كانت تدرس تلك البيانات، زاعمة أنهما أعدا دون استشارة الدول المشاركة.
أيضا يبرز هذا التناقض في دعمها للإرهاب، حيث تنشط قطر في تمويل الإرهاب وتسن قوانين لمحاربته.
وأصدرت الدوحة في مارس/آذار 2018 قائمة للتصنيفات الإرهابية وتشتمل على تصنيف وإدراج 20 شخصا و8 كيانات، ثم فوجئ العالم بعدها بقطر تكرم أحد الإرهابيين المدرجين على قائمتها، لفوزه في ماراثون رياضي، ثم يحضر رئيس وزراء نظام الحمدين حفل عرس نجل إرهابي آخر مدرج على القائمة نفسها.
في وقت تنتهك فيه حقوق الإنسان في قطر وتنعدم حرية التعبير ويسجن المعارضون ويتم تخوينهم وتغلق أبواب العدالة في وجوههم، أصدرت قطر في مايو/أيار الماضي قرارا جديدا بشأن اللجوء السياسي؛ لتقنين إقامة الإرهابيين المقيمين على أراضيها، وطمأنة عملائها والمتآمرين على أوطانهم لصالح قطر بأن بلاد "الحمدين" مفتوحة لهم.
أيضا يكشف التناقض الذي تضمنه قرار اللجوء السياسي الجديد، والذي يزعم أنه يتيح حق اللجوء السياسي للمدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين الملاحقين في بلدانهم، ممارسات تنظيم الحمدين، الذي يعاقب قبيلة بأكملها على خلفية موقف سياسي لأجدادهم.
وتمارس السلطات القطرية انتهاكات ممنهجة ضد أبناء قبيلة "الغفران" منذ عام 1996 وحتى الوقت الحاضر، تضمنت التهجير وإسقاط الجنسية والاعتقال والتعذيب وطرد أطفالهم من المدارس وحرمانهم من التعليم ومنعهم من ممارسة حقوقهم المدنية والترحيل القسري، على خلفية رفضهم انقلاب حمد أمير قطر السابق ووالد الأمير الحالي على أبيه للاستيلاء على الحكم عام ١٩٩٥.
وفي وقت تتشدق فيه قطر بأنها تدعم الحرية الإعلامية، لم تترك دولة عربية أو أجنبية إلا وتدخلت في شؤونها، وتتيح اللجوء السياسي للعاملين في وسائل إعلام مؤيدة لسياساتها أو ضمن ترسانتها الإعلامية، لم يتسع صدر الحكومة القطرية لصحفيين أجانب حاولوا نقل الحقيقة بعيدا عن الجولات المعدة من قبل الحكومة، فقامت باعتقالهم، ولم تمنحهم الحرية الصحفية في ممارسة عملهم.
وفي محاولة منها لتبييض صورتها أمام الرأي العام العالمي، دعت قطر صحفيين غربيين ليروا بأنفسهم كيف حسّنت الحكومة ظروف عيش العمالة المختصة بأعمال الإنشاءات الخاصة بـ"مونديال 2022"، في مايو/أيار 2015.
لكن عندما حاول مراسل "بي بي سي" مارك لوبيل الابتعاد عن رجال الأمن القطريين ليتحقق بنفسه من صحة هذه الادعاءات، تمّ اعتقاله مع فريق العمل، وأمضوا جميعهم يومين في السجن.
aXA6IDE4LjExNi4xNC4xMiA= جزيرة ام اند امز