امبراطورية قطر بات مصيرها كما تقول المقولة الصينية المأثورة مجرد "نمر من ورق"،
في علم الإدارة، تعدُّ الأزمات من أفضل الفرص التي يستطيع من خلالها متخذ القرار أن يقيّم فريق العمل الذي يحيط به، وذلك من خلال قياس قدراتهم وإمكاناتهم وخبراتهم وحنكتهم في التعامل مع هذه الأزمات.
وفي الأزمة القطرية فإن الفرصة كانت متاحة بشكل كبير للنظام القطري أن يقيّم عمل فريق المستشارين المحيطين به، وتحديداً مستشاري الإعلام، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار أن هؤلاء توفرت لهم كل مقوّمات النجاح من ميزانيات مالية ضخمة، وكوادر إعلامية تمتلك الخبرة ناهيك عن قناة الجزيرة تلك الإمبراطورية الإعلامية التي عمل على تكوينها هذا النظام منذ إطلاقها في 1996 أغدق عليها عشرات المليارات أو يزيد.
آخر ما أبدعته عقول مستشاري تنظيم الحمدين هي توصيتهم بإطلاق الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات، لكن المضحك والمثير للسخرية أن هذه الحملة منحتنا بارقة أمل بأن المستشارين الجهابذة قد فهموا أخيراً الفرق بين المقاطعة والحصار لذلك اختاروا عنوان الحملة مقاطعة الإمارات بدلاً عن حصارها.
ومع بداية الأزمة القطرية وجدنا أن نظام الدوحة قد اختار الإعلام - طوعاً لا كرهاً - ليكون السلاح الأمثل والأقوى لكي يعتمد عليه في مواجهة الحقائق التي بدأت تكشف عن خبث وخداع تنظيم الحمدين، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار بأن عزمي بشارة المستشار الأول لأمير قطر يعتبره حلفاء الدوحة من "إخوان ويساريين وثوّار وقومجيين" عرّابا للثورات والمنظّر الإعلامي الذي لا نظير له في صياغة الخطط والاستراتيجيات الإعلامية، وبالتالي ووفقاً لجميع هذه المعطيات تنبّأ الكثير من المتابعين بالصعوبة التي ستواجهها الدول الداعية لمكافحة الإرهاب في تفنيد الادعاءات، ومواجهة المعلومات التي ستنشرها هذه الإمبراطورية الإعلامية وتوابعها المنتشرة في إسطنبول ولندن وأمريكا وقبرص وغيرها.لكن ما حصل هو أن الدول الأربع كانت قادرة وبالدلائل على إظهار دور قطر الداعم للإرهاب أمام العالم.
ولعل آخر ما أبدعته عقول مستشاري تنظيم الحمدين هي توصيتهم بإطلاق الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات، لكن المضحك والمثير للسخرية أن هذه الحملة منحتنا بارقة أمل بأن المستشارين الجهابذة قد فهموا أخيراً الفرق بين المقاطعة والحصار؛ لذلك اختاروا عنوان الحملة مقاطعة الإمارات بدلا عن حصارها، ومن خلال هذه الحملة يبدو أن المستشارين إياهم وجدوا سيناريو جديداً يستطيعون من خلاله خداع تنظيم الحمدين وتميم، بحملة أوهموهم بأنها ستؤدي إلى انهيار الاقتصاد الإماراتي، وبالتالي وجدوا فيها فرصة جديدة لنهب أموال الشعب القطري، من خلال إنشاء حساب للحملة باللغة الإنجليزية على شبكات التواصل الاجتماعي لم يكلفهم دولاراً واحداً، لكنهم أوهموا تميم المغلوب على أمره بأن هذه الحملة ستستهدف الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وبلجيكا وعدداً من دول العالم، وستعاني منها الإمارات واقتصادها، وقدَّروا ميزانيتها بعشرات الملايين التي بلا شك سيدفعها تميم دون أي اعتبار لمقدّرات وثروات الشعب القطري التي باتت تُستَنزف كل دقيقة، وما عليك أخي القطري إلا بالنظر إلى أرقام الأصول والممتلكات التي تم تسييلها من صندوق بلدك السيادي منذ بدء الأزمة، لتعلم مدى سوداوية المستقبل الغامض الذي ينتظر اقتصاد وطنك، ولتعلم مدى دهاء مستشاري تميم والحمدين الذين نهبوا أموال أجيال قطر بسبب سذاجة ومكابرة الحمدين وتميمهم.
لنعد إلى الوراء قليلاً، ونراجع مسار هذه الأزمة لنقيّم سوياً مدى نجاح مستشاري الحمدين، ونثبت بالحقائق أن امبراطورية قطر بات مصيرها، كما تقول المقولة الصينية المأثورة، مجرد "نمر من ورق"، فتهاوت إمبراطورية قطر الإعلامية، وسقطت في الاختبار الأول باختلاقها موضوع اختراق وكالة الأنباء القطرية بـ"الآيفون"، وذلك بناءً على توصية صادرة من المستشار الذي لا يشق له غبار، وهذه القضية المزعومة التي، حتى الآن، لم يتم الكشف عن المتسبب بها على الرغم من إعلان النائب العام القطري بتاريخ 25 أغسطس عن توقيف تركيا لخمسة متورطين في اختراق موقع "قنا"، وادعاء صحيفة الشرق القطرية قبل ذلك وبالتحديد في عددها الصادر بتاريخ 17 يوليو، بأن المخابرات الأمريكية أشارت إلى أن الإمارات تقف خلف عملية القرصنة المزعومة تلك، والسؤال الموجه إلى مستشاري تنظيم الحمدين الإعلاميين، ما هي آخر تطورات هذه القضية؟ وهل تناسيتم بأن الإعلام قد تطوّر وهناك من يرصد ويتابع وينتظر كشف الحقائق التي وعدتم الجميع بعرضها؟
ومع حلول موسم الحج الذي تتفاعل معه وسائل الإعلام العالمية قبل الإسلامية، اعتقد مستشارو تنظيم الحمدين أن الفرصة باتت مواتية للنَيْل من المملكة العربية السعودية عبر تسييس فريضة الحج؛ للضغط عليها في محاولة لاستغلال الحدث في فتح الأجواء أمام الخطوط الجوية القطرية التي باتت تغدو وتعود خماصاً بسبب تأثير المقاطعة، لكن يبدو أن المستشارين إياهم لم يتوقعوا ردة فعل الدول الإسلامية التي رفضت الزج بهذه الشعيرة المقدسة في غياهب المراهقات السياسية لتنظيم الحمدين، فكان الرد السعودي الحازم بأن محاولة الخوض في هذا الموضوع هي بمثابة "إعلان حرب"، ليخرج وزير خارجية قطر عبر "قناة الجزيرة" في محاولة منه لتفادي تلك الورطة التي أوقعهم بها المستشارون من جديد قائلاً: "لم يصدر أي تصريح من أي مسؤول قطري بشأن تدويل الحج"، ليكذّب بعلم أو دون علم رئيس لجنة حقوق الإنسان القطرية الذي أشار إلى مخاطبة لجنته للمفوض السامي لحقوق الإنسان، وعدد من المنظمات الدولية لتدويل الحج من خلال البيان الصادر باسم رئيسها علي بن صميخ بتاريخ 31 يوليو.
لكن في المقابل علينا ألا ننسى دور هؤلاء المستشارين في زيادة أرباح شركات الإعلان في نيويورك، عبر نشر الملصقات وشراء الصفحات الإعلانية التي تعلن تبرؤ النظام القطري من الإرهاب، حيث تحوّلت شوارع نيويورك وميادينها إلى اللون العنابي الذي أوحى لسكان نيويورك وزوارها أنها إعلانات لأحد أنواع النبيذ بلونه الأحمر القاني، إلا أن هذه الملصقات وغيرها ذهبت هباء منثوراً بسبب الخطاب الركيك والظهور المرتبك لتميم من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، ناهيك عن تلك المصافحة الوهمية مع ترامب، والتي أثارت المزيد من السخرية وحظيت بانتشار واسع لدى الرأي العام الأمريكي بشكل يفوق انتشار الملصقات ذات اللون الأحمر القاني والطلاسم التي كُتبت عليها.
واصل مستشارو تنظيم الحمدين الكشف عن إبداعاتهم، فكان اقتراحهم بتنظيم استقبال الفاتحين للأمير العائد إلى الدوحة، وطبعا هنا لابد من الإشارة إلى أن غياب أمير قطر وعودته دون حدوث انقلاب يعدُّ حدثاً تاريخياً يستحق الاحتفال، لكن المستشارين الجهابذة لم تسعفهم خبرتهم وحنكتهم الإعلامية حين سمحوا للمخرج وطاقم النقل بتصوير هذا الاستقبال من الجو لتظهر الفضيحة التي صدم منها تميم قبل غيره، حيث بيّنت للمشاهد أن عدد من استقبله في كورنيش الدوحة لا يتعدى العشرات جلهم من رجال الأمن والحرس الخاص بتميم، وكان حريّ بالمسؤولين عن الإعلام أن يفتحوا تحقيقاً فورياً مع الذي اقترح عليهم بتنظيم هذا الاستقبال، ومع من تعمّد إظهار العدد البسيط من المستقبلين لتميم على شاشات التلفاز، وهذه الخطوة بلا شك كانت تستهدف الداخل القطري لتوحي له بأن شعبية تميم بين شعبه مثار جدل.
تخبطات عانى منها الإعلام المحسوب على قطر، وربما لا يتسع المجال لسرد كل هذه السقطات، لكن المهم في الأمر أن هذه الأزمة كشفت لنا أن ما بناه تنظيم الحمدين من إمبراطورية إعلامية في قطر وخارجها قد انهارت في مواجهة عدد من الشباب الخليجي الواعي، الذي سيطّر من خلال الأسلوب الرصين والحقائق الدامغة وسرعة البديهة، وقبل ذلك الإخلاص للوطن على ميدان الإعلام خلال هذه الأزمة، وهو ما دفع الجزيرة إلى بثها تقريراً اعترفت فيه بفقدانها للسيطرة والتحكم بالرأي العام خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحاولت تزييف الحقائق من جديد بزعمها أن شراء الأمير الوليد بن طلال لحصة من أسهم شركة "تويتر" كان سبباً في محاباة موقع التواصل الاجتماعي لما يطرحه المغرّدون السعوديون، وأنه أتاح لهم السيطرة على فضاء التواصل الاجتماعي، ليواصل السادة المستشارون خداعهم لمتخذ القرار القطري الذي يبدو للأسف وكأنه قد سلّم مصيره إلى حفنة من المستشارين من على شاكلة بشارة والعذبة والخليفي والسليطي وريان وغيرهم، من عاثوا فساداً وخراباً في تشويه سمعة قطر والقطريين على الوجه الأسوأ.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة