قطر في عام على المقاطعة.. سيكولوجية تنهار وعُقَد تتفاقم
قرار المقاطعة، واستنادا لما رصدته "العين الإخبارية" طيلة العام، لم يرج النظام من الداخل فقط، وإنما أنهى عامه الأول بسقوط نظرية "القوة الناعمة"
علاوة على تكاليف الأزمة القطرية، هناك خسائر نوعية طالت النظام في هذا البلد، وقد تكون أشد كلفة ووطأة من مليارات الدولارات التي تكبدها في عام من المقاطعة.
جانب قد لا يخطر بأذهان الكثيرين غير أنه من الصعب أن يغيبه علماء الاجتماع، ويشمل بالأساس جانبين مهمين، أولهما سيكولوجية النظام القطري، وثانيهما عقده تجاه السعودية والإمارات.
سيكولوجية مهتزة
نظام الحمدين وجد نفسه فجأة معزولا ومنبوذا، جراء سياساته التخريبية، وهو الذي كان يصول ويجول، ويقارع هذا البلد، ويتبجح على الآخر، ولم يكن يعتقد أبدا أن نهاية صبر جيرانه عليه ستكون بهذا الحسم.
والدوحة التي كانت تصدر لشعبها وللعالم بأسره صورة واهمة عن «القوة الناعمة" القادرة على لعب دور الوسيط في فض النزاعات وتقريب وجهات النطر، استيقظت فجأة على دوي قرار زلزل الأرض تحت قدميها.
فقرار المقاطعة، واستنادا لما رصدته "العين الإخبارية" طيلة العام، لم يرج النظام من الداخل فقط، وإنما أنهى عامه الأول بسقوط نظرية «القوة الناعمة»، هذا الوهم الذي باعه للأمير السابق حمد بن خليفة آل ثاني مستشاروه الجدد عقب انقلابه على والده أواسط تسعينيات القرن الماضي.
وفي تلك الفترة أيضا، أنشئت قناة الجزيرة لتكون ذراعا سياسية مكلفة بتوجيه الرأي العام عبر فبركة الأخبار والتقارير، وتقود الجناح الإعلامي لاستراتيجية النظام القائمة على إعادة تقسيم المنطقة، بشكل يضمن لها نفوذا أكبر فيها، وهي الدولة الصغيرة التي لا ثقل لها في التوازنات الإقليمية.
لكن المقاطعة العربية لقطر قبل عام، كشفت عجز وهشاشة ما كانت تسميه الدوحة بـ«القوة الناعمة»، ليتضح أن الأخيرة لا تستند إلى أي شرعية أو ديمقراطية أو ثقافة داخلية، وإنما كانت مصطنعة ومموهة.
قوة واهمة استثمرتها قطر في الإرهاب والقوة الخشنة، مموّلة بفائض من أرصدة مشبوهة غير خاضعة لأي نوع من المراقبة، ولذلك، فإن سقوط كل ذلك «المجد» كان لابد وأن يحدث شرخا في سيكولوجية النظام.
عقدة النقص
عام بأكمله انقضى منذ أن قررت الإمارات والسعودية والبحرين ومصر مقاطعة قطر، وكان يمكن للأخيرة أن تستفيد من هذا الانسياب الزمني السريع للقيام بمراجعات داخلية من شأنها أن تفتح أمام أزمتها أبواب الانفراج.
غير أن مرور العام لم يغير شيئا في موقف الدوحة، بل زادها تعنتا وعنادا، في مسار لا يبدو غريبا بالنسبة لبلد تكبله منذ عقود، عقدة النقص والفقر السياسي تجاه السعودية والإمارات بشكل خاص.
فرغم أن العزلة أتت على جميع المؤشرات القطرية، وبانت على النظام علامات وهن يجاهد من أجل إخفائه، إلا أن المكابرة قادت الدوحة نحو الضفة الأخرى والخيار الأكثر تصادما مع محيطها وواقعها.
وبعكس جميع التوقعات، قفزت قطر على جميع المسلمات، وتجاهلت الترتيب الهرمي الذي تفرضه موازين القوى وغيرها من العوامل، مسكونة بوهم انتزاع الدور السعودي في قيادة الأمة العربية.
وهمٌ جعلها تتخلى عن خيارات شعبها، وتزج بنفسها في أزمة تغرق فيها حتى النخاع، ومع ذلك يصور لها الطابور الخامس من العلماء والمفكرين والإعلاميين، أنها صامدة وقادرة على زغزعة المملكة وبقية دول المقاطعة، حتى وإن اقتضى ذلك تشويه واقع الأمة العربية والإساءة لرموزها ومقدساتها.
الرؤية الخليجية: باب المراجعة مفتوح
مقابل كل تلك الضوضاء التي تهز الإمارة الصغيرة، تتراءى الرؤية الخليجية للعام الأول من المقاطعة، هادئة رصينة وخالية من التصعيد المجاني.
رؤية متوازنة عبّر عنها وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، بالقول عبر «تويتر»: "لعل مرور سنة على المقاطعة سينتج فكرًا جديدًا ومقاربة أكثر حكمة في الدوحة".
واعتبر قرقاش أن "المخرج لن يكون عبر شركات العلاقات العامة والمناكفات الإقليمية والتدخل الخارجي لحل الأزمة، بل مراجعة وتراجع عن سياسات سببت الضرر وساهمت في دعم التطرف والإرهاب".
كما لفت إلى أن "قطر لم تتعامل بحكمة مع إجراءات مقاطعتها وسعت إلى تحركات أججت أزمتها ولَم تفكّها، عدم الإقرار بإضرارها لجيرانها وإدعاء المظلومية وشراء الدعم وانتظار المخلّص استراتيجية أثبتت فشلها، ودروس السنة الماضية لعلها تنفع في تغيير التوجه.".
قرقاش وصف تعامل الدوحة مع أزمتها في العام الذي مضى بأنه "محيّر ومتناقض، فهو مكابر ومستجد، ورافع شعار السيادة ومستسلم، يتعامل مع الأزمة ليحمي إرثا سياسيا ورّطه وعزله بدلا من أَن يسعى بكل واقعية إلى تفكيك أزمته".
aXA6IDE4LjExNy4xNjYuNTIg جزيرة ام اند امز