مسؤول سابق بالبيت الأبيض لـ"العين": سيناريوهان فقط أمام قطر
ترامب لن يسمح للدوحة بتهديد مشروع الناتو العربي
مسؤول سابق بالبيت الأبيض وعضو مجلس الأمن القومي الأمريكي في حوار خاص لـ"العين" عن تداعيات الأزمة القطرية ومستقبل الحل.. ماذا قال؟
أعتبر الدكتور جاري سيك، المساعد الرئيسي السابق للشؤون الإيرانية في البيت الأبيض، قطع العلاقات بين الدول العربية المعتدلة (الإمارات والسعودية ومصر والبحرين) مع قطر، إشارة على أن الأمور بلغت مداها لدي عواصم الدول الأربع بسبب السياسات القطرية في المنطقة، مؤكدا على أن الرد القوي بقطع العلاقات إما أن يعيد الدوحة لمعسكر الاعتدال أو أن يلقيها في أحضان المتطرفين مثل النظام الإيراني أو التنظيمات الإسلامية المتطرفة.
وأكد جاري، الذي يصنف في بعض الدوريات العلمية المتخصصة بانه واحد من أهم 10 خبراء في شؤون الخليج العربي في الولايات المتحدة، في حوار خاص مع "العين"، على أن تقارب قطر مع إيران سيخرجها من قائمة الاعتدال للدول السنية العربية، ويدخلها إلى قائمة الدول المتطرفة التي لها علاقات خاصة مع الجماعة الإسلامية ونظام الملالي في طهران، مشيرا إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لن يسمح لقطر بعرقلة مشروعه (الناتو العربي) من الدول العربية المعتدلة لمواجهة الإرهاب والتطرف.
وكان جاري عضوا بمجلس الأمن القومي، في إدارات الرؤساء فورد، كارتر وريجان، أستاذ العلاقات الدولية وشؤون الخليج العربي في جامعة كولومبيا بنيويورك.
• بداية كيف تنظر لقطع الدول العربية المعتدلة علاقاتها مع قطر؟
الرسالة كانت واضحة، فالدول العربية طفح كيلها من سياسات قطر في المنطقة، وإذا كان يمكن غض النظر في مجلس التعاون الخليجي وعدم معاقبة الدوحة على فتح أبوابها للمتطرفين والإرهابيين، فمن الخطأ الاعتقاد بأن تصريحات أمير قطر حول إيران مؤخرا يمكن أن تمر مرور الكرام في المجلس، الذي أنشئ أساسا لإحداث توازن إقليمي مهم مع إيران والدول الكبرى بالمنطقة.
ويعلم الجميع أن قطر في كل المواقف الخليجية أو حتى العربية تحاول أن تجد لها موقفا خاصا حتى وإن تعارض هذا مع الثوابت في الدول الأخرى، ولذلك فهي تهدد بعزل نفسها تماما عن محيطها الخليجي والعربي، بل لن أكون مبالغا إذا قلت أن غلق المنافذ الحدودية بينها وبين المملكة العربية السعودية وحدها كفيل بعزلها، لا سيما أن قطر دولة ساحلية ليس لها أي حدود برية مع دول أخرى باستثناء السعودية.
• كيف تنظر لمواقف الدوحة الأخيرة التي تسببت في إغضاب الدول العربية إلى هذا الحد؟
كما قلت لك كان واضحا أن القادة القطريين عازمون إلى آخر مدى في انتهاج سياساتهم الخاصة تجاه الأزمات في المنطقة، فأثاروا غضب شركائهم في مجلس التعاون الخليجي بدعمهم جماعة الإخوان في مصر وحركة حماس في فلسطين والجماعات المتطرفة في سوريا، وكان الأمر يراوح بين الشد والجذب بين العواصم الخليجية من حين لآخر، لكن أن يتطور الأمر إلى علاقة خاصة مع إيران، التي تعد أكبر تهديد للأمن والاستقرار الإقليمي في منطقة الخليج والشرق الأوسط، بل والتصريح بمثل تلك المواقف بشكل علني، فهذا دليل على أن قطر كسرت كل الخطوط الحمراء في السياسة الخليجية تجاه إيران. ولعل هذا السبب في رد الفعل القوي من جانب الدول العربية حيث لم تتدرج الرياض وأبوظبي والقاهرة والمنامة في تصعيد رد الفعل، بل قطعت العلاقات الدبلوماسية دفعة واحدة، وأمهلت القطريين 14 يوما قبل مغادرة أي من تلك البلدان، والقرار يعكس حجم الغضب الذي ينتاب تلك العواصم بسبب التصريحات الأخيرة المنسوبة لأمير قطر والتي مثلت أكبر انفتاح على نظام الملالي في طهران.
ودعني أكون صريحا معك، كانت الدوحة تمتلك علاقات جيدة مع إيران سواء اقتصاديا أو سياسيا، وكانت المملكة العربية السعودية والعواصم الخليجية الأخرى لا تجد غضاضة في مثل تلك العلاقات، طالما لم تمس الأمن القومي الخليجي.
• ما رد الفعل الأمريكي المتوقع؟
الولايات المتحدة الأمريكية تحتفظ بعلاقات خاصة جدا مع الدوحة، فقطر تستضيف قاعدة العديد أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، والتي تتمركز فيها قيادة الأسطول البحري الأمريكي الخامس، فضلا عن العديد من المصالح السياسية والاقتصادية المشتركة، لكن لن تستطيع واشنطن أن تحتفظ بعلاقات جيدة مع قطر على حساب أهم حلفاء أمريكا في المنطقة وهي المملكة العربية السعودية.
ولذلك فالأرجح أن تنتهج الإدارة الأمريكية نهجا متوازنا تجاه الأزمة، حيث ستدعو إلى عودة العلاقات الدبلوماسية مع قطر لكن مع وجود ضمانات بمسافة معقولة بين قطر وإيران، والولايات المتحدة كذلك ينتابها كثير من المخاوف بسبب التقارب القطري الإيراني، وتشارك بعض الآراء مع القاهرة وأبوظبي والرياض والمنامة حول قطر، ففي النهاية النظام الإيراني مصدر التهديد الرئيسي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط ومصالح حلفاء الولايات المتحدة، ومن غير المعقول أن تكون هناك علاقات جيدة بين واشنطن وأي دولة تحتفظ بعلاقات حميمية مع نظام الملالي في طهران.
وإذا استمرت قطر في سياستها المتقاربة مع إيران فلعل أول ما سيتبادر إلى ذهن صناع القرار في الإدارة الأمريكية البحث عن بدائل لقاعدة العديد في قطر.
وفي النهاية يبدو الرئيس ترامب عازما على إنجاح مشروعه الخاص بإنشاء "الناتو العربي" وهو التحالف الأمني والعسكري بين الدول العربية السنية المعتدلة لمواجهة الإرهاب والتطرف وتطويق إيران من جهة أخرى، وفي الغالب لن يسمح ترامب لقطر بإثارة الخلافات أو تهديد مشروع "الناتو العربي".
• كيف تنظر لفرص الخروج من الأزمة؟
من الوهلة الأولى يبدو أن قطر لا تملك خيارات كثيرة، فإما العودة إلى معسكر الاعتدال وتقديم ضمانات بعدم الانفتاح على إيران وعدم دعم المتطرفين، أو تهديد نفسها بعزلة ليست خليجية أو عربية فقط بل ودولية كذلك، والمضي قدما في انتهاج سياسة لا عقلانية تهدد بالانتحار السياسي للقادة القطريين، وتلقي بالدوحة في أحضان المتطرفين والإيرانيين.
وقطر دولة صغيرة جغرافيا وسكانيا ولا تستطيع ضمان أمنها بمفردها في منطقة تموج بالاضطرابات والتغيرات، ومن الخطأ تخيل أن إيران ستكون حليفة لقطر في أي وقت من الأوقات أو أنها ستسرع لنجدتها عند الحاجة، لان كل الشواهد تشير إلى أن إيران لديها مقاربة خاصة جدا لدعم حلفائها فهم إما أن يكونوا موالين لها بالكامل أو عملاء كما يمكن أن يطلق عليهم مثل نظام الأسد في دمشق أو لديهم نفس الأجندة الطائفية وتدربوا في معسكرات الحرس الثوري مثل الحشد الشعبي في العراق أو حتى حزب الله في لبنان أو جماعة الحوثي في اليمن.
ولعل مواقف الدوحة وطهران المتناقضة في سوريا تشير بالدليل القاطع إلى عدم إمكانية حدوث توافق بين الجانبين، فالطرفان على طرفي النقيض في الأزمة السورية فطهران تدعم الأسد بكل قوة بينما قطر تدعم كل الأطراف المناهضة للأسد بكل قوة لإسقاطه حتى أن بعض المراكز البحثية والأجهزة الاستخباراتية تتهم الدوحة بدعم بعض الجماعات المتطرفة مثل جبهة النصرة وداعش.