ألم تعلم قناة الجزيرة أنها لن تصل إلا إلى كشف ذاتها وتأكيد ما ينسب إليها من تدخل في شؤون الدول التي كانت شقيقة!
لم يكن ذلك التقرير الذي تقيأت به قناة الجزيرة حقدا وكراهية وتدخلا في شؤون الدولة السعودية فحسب، وإنما بالكثير من المغالطات رغبة في إزاحة الدولة نفسها عبر مقولات مقصودة، وكأن المشاهد ساذج وغير قادر على اكتشاف منابع الكذب والتضليل. لا. لم يعد المشاهد بسذاجة الأمس، لأن الثقة انتهت بينه وبين تلك القناة المتزينة بأناميق الكذب البراق وبصوت المذيع السوداني الرخيم المتظاهر بالثقة فيما يقوله!
ألم تعلم قناة الجزيرة أنها أصبحت مكشوفة للجميع وأنها أصبحت كما يقال "تنفخ في قربة مقطوعة" فلا تستفيد سوى كشف ذاتها وتأكيد ما ينسب إليها من تدخل في شؤون الدول التي هي قبلها شقيقة!
بدون الحديث عن القناة سنتعرض للتقرير نفسه بالتحليل النقدي للنص المذاع بموضوعية وبعيدا عن الذاتية ، لأن ما يحكمنا كنقاد هو النص الذي بين أيدينا فقط وله الانتصار أو الانحسار كيفما توجبه الحقيقة النقدية.
بداية يفتتح التقرير بكلمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ابن عبدالعزيز بقوله: "هذه الدولة دولة دعوة منذ تأسيسها على يد الإمام محمد بن سعود عندما تبنى دعوة محمد بن عبدالوهاب على أساس أنها دولة التوحيد".
ومن هذه الافتتاحية التي تتصدر التقرير تأتي البنية النصية لهذا التقرير بوضع الهدف وتحديد التوجه إليه وهو عمق العقيدة، أي أن الرسالة متوجهة بحتمية نقدية واضحة إلى عمق الوجدان الذي لا يمكن الولوج إليه إلا عن طريق العقيدة كما تؤكده النظريات النفسية في علم التلقي، وخاصة أن المرسل في هذا النص يعلم تمام العلم أن المرسل إليه "المتلقي" هو مجتمع عقائدي ومتدين بطبعه، ولذا اختار الهدف للدفع بالحدث نحوه ويتم الانسجام بين مثير ومستجيب هذا أولاً؛ وخاصة أننا قد حددنا بحسب المفهوم المجتمعي أن المرسل عدو استبانت نواياه مما يتوجب إخضاعه للتحليل والتفسير إما لخطورة مايقول أو ربما يكون موضوعياً، المهم النتيجة بعد التحليل.
بعد هذه المقدمة كما يطلق عليها في علم البنية النصية تأتي نقطة ما يسمى "الهجوم على الوسط الساكن" وهي فيما يراه النقد الموضوعي أنه ما يحرك الحدث نحو التعامل النفسي إن كانت الرسالة تعتمد على التحليل النفسي. هذه النقطة تأتي في لغة الكاميرا "توتالة" أي منظر كلي على الحرم الشريف. وهي حركة صورية تعمل على تحريك مشاعر كل المسلمين نحو ما يحدث أو سيحدث على مستوى الوجدان والعقيدة.
والحقيقة أن تأثير الضغط على الوجدان عن طريق العقيدة في الخطاب تعمل على ما يسمى "التسرب الوجداني" في علم النفس لتحدث عملية ما يسمى بـ "الاستلاب" ويعمل على تبطين الصورة بكلمة "الله أكبر"! لما يسمى بالحقن تحت الجلد لجموع المسلمين الذين تربطهم رابطة الإيمان والعاطفة بهذا المكان المتموج بكلمات التكبير، ثم يتداخل معها صوت المذيع على الفور: "ربما يكون حديث مثل هذا، من التاريخ الغابر بعد عشر سنوات من الآن". وهنا يعتمل الخطاب على ما يسمى بـ"الإزاحة" أي الرغبة المحمومة لإزاحة "سلطة المركز" بكلمات ليست بعيدة عن المقدمة وهو ما يؤكد اللهاث المحموم نحو الإزاحة بالتوجه سريعا وبعد كلمات قليلة من المقدمة كالسهم السريع نحو "سلطة المركز" لإزاحة "سلطة المركز" في بنية النص!
ثم تأتي الكلمات عن العلمانية على الصورة المتحركة للحرم مع تكبيرات الحجيج مؤكدا على تناقض العلمانية مع الدين وهنا يعمل على تشبيح المشهد العقائدي للمشاهد المسلم !
أما عن تحديده للفترة "بعد عشر سنوات" فهذا ضرب في مشروع 30/20 مشروع الملكي الأمير محمد ابن سلمان وهذا يدل على أمرين الأول تحديد الهدف بالضرب في المشروع وثانيهما هو أن التشكيك فيه وبربطه بالعقيدة أمرا يساعد على تحريك ما يسمى نقدياً "القوة الصاعدة" أي تلك الأدوات التي تتجه نحو سلطة المركز فيقول : "حين تزول الدولة السعودية القائمة وتحل محلها العلمانية في الدول .." يذكر الدول الأربع فقط وبدون ذكر أي دولة أخرى مع الفارق في نظام الحكم في كل من هذه الدول ، وهذا الخطأ في دمج مفهوم الحكم وآلياته في هذه الدول بأنها دول دينية! فيقع التقرير في فخ الزيف لتوجيه رسالة محملة بمفهوم العقيدة مع العلم أن الحقيقة غير ذلك، وهنا يتجلى الهدف العدائي الموجه عنوة إلى وجدان العامة من مسلمي كل بقاع الأرض مع العلم أنه تناسى أن قطر دولة لا تقوم على نظام ديني فهي متوائمة تمام الوئام مع إسرائيل وأيضا مع الدولة العلمانية " تركيا" فيظهر التقرير مهلهلا لا يأتي بثمارة فيبدو خائفا من العلمانية وينبذها، في الوقت ذاته يتواءم معها، فيمسك بيد المحب للعلمانية وفي اليد الأخرى العداء لها وهذا ما أصاب التقرير في مقتل لأن معده غير محترف لكيفية البناء الدرامي للخطاب!
ثم يأتي الخطأ الأكبر وهو استشهاده بكلمات سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، بالرغم من أن حديثه عن السعودية وتصدير صورة الحرم الشريف وهي محور حديثه إذ أنه لم يجد ما يسعفه بكلمات صدرت من السعودية ذاتها سواء كانوا مفكرين أو ساسة. ثم يتصدر الحديث عن إزاحة الدولة السعودية ليعمل على تسرب كلماته للوجدان في خطابه عبر العقيدة والدين مستخدما الدين كما يفعل الداعشيون!
وإذا مضينا في تحليل هذا التقرير فلا يتسع المقال لهذا الكم الهائل من الحنق والكره والمؤامرة وتوظيف الدين لأغراض سياسية وهذا ما يتنافى مع استخدام الدين المنزه عن المؤامرات والدسائس في توظيف الأغراض الدنيئة والذي أصبح مكشوفا للخاصة والعامة أن هذا هو أسلوب الإرهاب والدواعش فلم يعد ينطلي على أحد بل تمهر القناة يتوقيعها هي دون سواها على أنها قناة محرضة على الإرهاب!
أخيرا نستطيع القول إن مشروع 30/20 وذلك التطور المحوري الذي بات واضحا ديناً ودولةً يقهر هؤلاء وهؤلاء من المغرضين الذي يتخذون من الدين تكئة لم تعد تنطلي؛ وعليهم أن يبحثوا عن سبل أخرى!
نقلا عن صحيفة الرياض
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة