الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب تحرص منذ بداية الأزمة على التأكيد أنه لا يوجد حل عسكري للأزمة.
منذ بدايات الأزمة القطرية تحرص الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب على التأكيد أنه لا يوجد حل عسكري للأزمة بكل تداعياتها والتماسها الحل بطريقة ودية، ووفقا للمعطيات الخليجية العربية، وارتكانا لنمط العلاقات العربية العربية، وبالتالي لم يكن هناك حديث عن حل عسكري أو التفكير في القيام بعمل استراتيجي يطول قطر، بل على العكس ظل الخطاب السياسي للدول المقاطعة رصينا وبصورة دبلوماسية، وهو ما اتضح في لقاء المنامة مؤخرا مع الدعوة المباشرة لاستمرار الحوار الدبلوماسي.
ولكن على الجانب الآخر ظلت قطر، ومنذ اللحظة الأولى، تتحدث عن الخيار العسكري واحتمالات تعرض أراضيها لعمل عسكري مفاجئ، وهو ما جعلها تتحرك من منطق استباقي ومباشر في ظل مخاوف من عمل عسكري كبير ينهي الأزمة الحالية ويحسم الأمر، فقامت قطر وبصورة عاجلة بالاستقواء بالطرف الإقليمي ممثلا في إيران وتركيا، وعجلت بالحصول على صفقة السلاح الأمريكية، والدخول في اتصالات مع دول أوروبية للحصول على صفقات جديدة، وهو ما يكشف عن عمق الأزمة في فشل التقييمات السياسية والاستراتيجية لإدارة الأزمة، ومن يديرها من خبراء التفاوض الأمريكي من الخبراء والاستشاريين في إدارات سابقة واستشاريين إيرانيين وشخصيات استراتيجية كبيرة سابقة لديها خبرات متراكمة في العمل العسكري فكان قرارها المباشر بضرورة دفع قطر لتوقع الخيارات العسكرية، واحتمالات التدخل المباشر لحسم الأمر.
قطعت قطر مشوارها في الإعلان عن تنسيق استراتيجي استباقي مع الجانب التركي وتفعيل القاعدة التركية في الأراضي القطرية، وبدء تنسيق تركي قطري لم تكن إيران بمنأى عنه، وهو ما دفعها للتعجيل بالدخول في مناورات مشتركة مع الجانب التركي رغم أن الجيش القطري لم يختبر في أية مواجهة عسكرية من قبل، ولا يحتل -بطبيعة الحال- أي موقع استراتيجي وفقا لتقديرات تقارير السلاح رغم تكالبه على شراء صفقات سلاح آخر 5 أعوام بصورة غير مسبوقة، ومن ثم كانت المناورات الأولى مع تركيا استعدادا لمناورات قد تجرى مع دول أخرى، بما فيها إيران وربما أيضا دول في النطاق الأوروبي لا تزال تسعي قطر للتواصل معها، ومن ثم فإن الجانب القطري لن يسقط من تقييماته السياسية والعسكرية احتمالات حدوث عمل عسكري في نهاية المطاف.
وفي حال استمرار المشهد الراهن وانفتاحه على مصراعيه حيث تدفع قطر جهات دولية وشركات وشخصيات عسكرية سابقة في الولايات المتحدة وأوروبا للتسويق بأن الهدف الاستراتيجي إسقاط قطر، وليس إسقاط نظام أو حاكم، وأن قطر ستظل مستهدفة، ومن ثم فإن الخيار العسكري قادم -وفقا للمنطق القطري- ولعل الرهان القطري على المواجهة وارد في ظل حالة من التخبط القطري في التوصل لتقييمات سياسية أو استراتيجية صحيحة لإدارة الأزمة التي ستستمر ما لم يتم تدوير زوايا الرؤية والاتجاهات خاصة مع تماسك الموقف العربي المقاطع، وحيث فشلت الإدارة الأمريكية في الحصول على أية تنازلات من الجانب العربي، كما استمرت المجهودات الدبلوماسية على موقعها لم تبارحها رغم وجود مبعوثين أمريكيين لإدارة الأزمة، واستمرار التحركات الكويتية المخلصة في إدارة ملف الوساطة بين الجانبين.
ورغم هذا التحرك السياسي والدبلوماسي الذي تقوده الكويت بصورة مباشرة والولايات المتحدة من وراء الكواليس؛ إلا أن قطر تؤكد من جانبها أن كل الخيارات مطروحة، حيث لا يوجد في قراءة المشهد بأكمله من يسقط الخيار العسكري والاستراتيجي المستبعد حتى الآن، إلا أن النماذج المشابهة لإدارة ملفات محددة في الإقليم وخارجه قد تؤدي لمثل هذا السيناريو البعيد الاحتمال سواء تحت مظلة الجامعة العربية أو خارجها.
لم تتحدث الدول الأربع المقاطعة عن ضرورة تغيير نظام أو حكومة أو كيان، بل طالبت بتعهدات ساقتها في 13 مبدأ حاكما لإدارة الأزمة من أساسها، واستكملت في بيان القاهرة بـ6 عناصر مكملة، وهو ما يجب التأكيد عليه من منطق خليجي عربي بالأساس، وبالتالي فإن الحديث القطري عن خيارات عسكرية مجرد تكهنات وسياقات تحليلية لما يمكن أن تؤدي إليه الأزمة بكل تطوراتها السياسية والاقتصادية.
تدرك قطر تبعات ما يجري على أرض الواقع وتعرف أن مآلات الأزمة ستنتهي إلى سيناريو قد لا يكون صفريا، وإنما هو أشبه بمعضلة السجين في إدارة الأزمة على كل المستويات، وقد قبلت قطر الدخول في دائرة محددة، ومن ثم فإن عليها أن تحدد نمط علاقاتها وتفاعلاتها المحتملة سواء استمرت في إدارة الأزمة من منطق انفرادي والاتجاه إلى الخيارات الصفرية العاجزة، التي ستقود قطر للاصطدام المباشر ليس مع الدول الأربع المقاطعة، وإنما أيضا مع الدول العربية والمجتمع الدولي الذي سيرفض من الآن فصاعدا حضور قطر التدخلي في أزمات إقليمية أو دولية، بل بالعكس سيكون الموقف حاسما من داخل مجلس الأمن ودوله بصرف النظر عن التحركات القطرية النشطة لتطويق أية تحركات مصرية وعربية في هذا السياق، وهو ما سيمتد إلى عديد من الوكالات والمنظمات المتخصصة التي توجد فيها قطر، ومن ثم فإن عليها أن تحدد خياراتها السياسية القادمة جنبا إلى جنب مع الخيارات العسكرية التي تضعها الآن ضمن أولويات حركتها الفعالة لإدارة الأزمة من منظورها؛ استقواءً بدور إقليمي يتبع مبدأ الانتهازية السياسية والنفعية عن أي اعتبار آخر، وهو ما تفعله تركيا وإيران في الوقت الحالي.
ليبقي السؤال المطروح: هل تأمن قطر من تبعات مشروعين تركي وإيراني لإدارة العلاقات وفقا لمنهج المصالح على أمنها أولا، وأمن شعبها الذي سيظل خليجيا عربيا في المقام الأول والأخير، رغم كل الممارسات التي يقوم بها النظام الحاكم في الدوحة؟.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة