زمن فضح قطر بدأ فعلياً في الخامس من يونيو 2017، بعد أن زاد الكيل عن حدّه، ولم يعد أحد يتحمل نظام قطر بأكاذيبه.
لم يكن يوم الخامس من يونيو 2017 يوماً لمقاطعة قطر بقدر ما كان يوم مقاطعة مرحلة رمادية من العلاقة الملتبسة معها امتدت طويلاً، وفضيلة هذا اليوم الكبرى أنه أزاح ذلك الاحتقان الذي تراكم عبر عقدين من الزمان حتى غدا جرحاً موجعاً، خصوصاً وهو ينبع من الخاصرة أو الكبد، وخصوصاً أنه يأتي من الأخ الشقيق المفترض، وكان في تلك الإزاحة بدء مرحلة جديدة مؤداها الصراحة والمكاشفة وكشف الأوراق، فيما تمثلت سمات المرحلة الملتبسة في سياسة المجاملات والتأجيل، ما جعل الوميض تحت الرماد يكاد ينفجر كل يوم، بين الحلول المؤقتة والمواعيد التي لا تأتي أبداً وكأنها مواعيد عرقوب.
عرف الجميع كيف انحسر نفوذ هذه التنظيمات بتأثير مقاطعة قطر وكشف أدوارها المشبوهة، كما عرفوا كيف احتضنت قطر وآوت الإرهابيين بمن فيهم المطلوبون في قوائم الإرهاب العربية والأمريكية، بل بمن فيهم الواردة أسماؤهم في قوائم الإرهاب القطرية
وكان ذروة مواعيد عرقوب القطري الكاذبة توقيع أمير قطر على مخرجات اتفاقي الرياض والرياض التكميلي ثم قمة الدوحة نهاية العام 2014، وفيها كلها مواد خاصة بالعلاقة بين النظام في قطر وجماعة الحوثي، حيث ظن الخليجيون والعرب والعالم يومها أن المنطقة اجتازت امتحاناً عسيراً، وكان الأمر بالضبط كذلك لولا أن في وسط المشهد نظام قطر وألاعيب قطر.
زمن فضح قطر بدأ فعلياً في الخامس من يونيو 2017، بعد أن زاد الكيل عن حدّه، ولم يعد أحد يتحمل نظام قطر، بأكاذيبه وحربه السياسية والإعلامية القذرة، لا دول الخليج المتضررة، ولا مصر العربية التي لم تسلم من الأذى القطري الممنهج، بدءاً من دعم محاولة تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي السيطرة على مقدرات الشعب المصري للأبد، وصولاً إلى مخالفة العالم كله، ولا يستثنى من العالم كله إلاّ نظام الباب العالي أردوغان، وذلك بوصف خروج أكبر حشد بشري في التاريخ إلى الواقع، ثم إجراء انتخابات حقيقية منظمة بمعرفة العالم، ومنصوص عليها في الدستور الذي اشتغل عليه ممثلون لكل فئات وقطاعات الشعب المصري بـ"الانقلاب".
واستمرت محاولات إثارة الفتنة الطائفية في مصر بعد ذلك، كما شنت قطر حرباً سياسية واقتصادية وإعلامية وثقافية أقل ما يمكن أن توصف به أنها قذرة. من هنا فإن موقف الدول الأربع الداعية إلى مكافحة الإرهاب موقف قيمي وأخلاقي أولاً، لكن قطر، وبدلاً من الاحتكام إلى الأخلاق والمواثيق والقانون والأعراف السياسية اختارت الطريق الآخر، الطريق المظلم المسدود.
لماذا حرب قطر قذرة ولماذا طريقها مسدود؟
أولاً- تلجأ قطر إلى شيطنة الدول الأربع ورموزها وقادتها بل وشعوبها، خصوصاً عبر قناة "الجزيرة" الإخوانية الإرهابية، وتلفزيون قطر الرسمي، والمحطات والصحف المتعددة التي أطلقت على شرف عزمي بشارة وسماها باسم "العربي الجديد" هادفاً إلى خلق عربي جديد على قدر الحلم "الإسرائيلي"، وقد أدت هذه الشيطنة الخبيثة، بفعل منهجها وتكرارها، إلى اقتناع فئات عريضة من الشعب القطري المغلوب على أمره بها، ويتكلم زائرو لندن وباريس وجنيف هذا الصيف عن أجواء من الكراهية في أوساط القطريين، وصلت، للأسف الشديد، إلى دعاء معلن، حتى من "العجائز"، على قادة ورموز الدول الأربع. المشكلة التي أوجدتها قطر عبر تربية سياسية موجهة تفرقت على العشرين سنة الماضية، وتركزت في خلال العام الماضي، بهذا الأسلوب، خطرة جداً، وتمس النسيج الاجتماعي الخليجي والعربي في صميمه. لذلك وأكثر منه، فإن الموقف من قطر اليوم معيار لأخلاق الناس والمؤسسات، ولا حياد مع الذي يشن هذه الحرب القذرة ضد دولة الإمارات الغالية. كل حياد تعاطف، وكل تعاطف خيانة. نعم هكذا ولا مبالغة.
ثانياً - ذهبت وسائل الإعلام القطرية إلى اللاعقل واللامنطق، فكل خبر كاذب، وكل تقرير ملفّق، وكل حوار موجّه ومتفق عليه، وعندما دارت على باغي الإعلام القطري الدوائر، لجأ إلى حيلة تعد ظاهرة إعلامية سيئة مسيئة وغير مسبوقة، لجهة فسادها، على مستوى العالم، حيث أنشأت في لندن وإسطنبول وواشنطن وغيرها، منصات إعلامية مأجورة تعتمد عليها "الجزيرة" باعتبارها مصادر غربية وعالمية موثوقة! ولا تنام قطر وتستيقظ إلاّ على شيطنة الإمارات، حتى استقر في الألباب والأفئدة أن قطر لا ترى إلاّ الإمارات تملأ عليها أضغاث أحلامها وكوابيسها.
ثالثاً - ترجمت قطر، خصوصاً منذ يوم المقاطعة، مخاوف واتهامات دول المقاطعة لها بدعم التطرّف والإرهاب إلى واقع يشهده ويشهد عليه الجميع، والتعاطف مع تنظيمات "داعش" و"القاعدة" و"النصرة" تحت اسمها الجديد "تحرير الشام"، واضح ومعلن، ويتردد اسم "تنظيم الدولة" في وسائل الإعلام القطرية أو الممولة من قطر على مدى اليوم والشهر والعام أكثر بكثير مما يتردد اسم القدس أو فلسطين.
وعرف الجميع كيف انحسر نفوذ هذه التنظيمات بتأثير مقاطعة قطر وكشف أدوارها المشبوهة، كما عرفوا كيف احتضنت قطر وآوت الإرهابيين بمن فيهم المطلوبون في قوائم الإرهاب العربية والأمريكية، بل بمن فيهم الواردة أسماؤهم في قوائم الإرهاب القطرية، وعرفوا كم أن قطر طائفية وتروج للطائفية كحليفتها إيران، فالطائفية ليست أن تكون سنيّاً أو شيعيّاً. الطائفية أن تكون طائفيّاً.
رابعاً - شاركت قطر مع التحالف العربي في حرب اليمن ضد مليشيات الحوثي الإيرانية، ولقد صدق الدكتور أنور بن محمد قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، وهو يصف سلوك قطر الحالي تجاه الحرب التي كانت فيها شريكة بالسلوك الانتهازي، مستنداً في هذه المرة إلى كلام لكل من وزير الخارجية القطري وسفير الدوحة في واشنطن تناول وقائع حرب تحرير اليمن من براثن الحوثي إيران وما سمي "حزب الله". الوصف دقيق، والإضافة اللازمة أن قطر التي تدافع اليوم بهذه الحماسة عن الحوثي وأفعاله، والتي تفرح فرحاً من كل فيها يغمر وجهها ولا تستطيع إخفاءه كلما ادّعى الحوثي وصول طائراته المسيّرة إلى أرض إماراتية،
لا يمكن أنه حارب الحوثي بالأمس ضمن التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة، وفتش عن وجود قطر في التحالف قبل طردها المخزي بدافع غدرها وخيانتها ليس غير.
خامساً - من فضائل يوم الخامس من يونيو أن المرحلة التي تلته جذرت أنموذج التعاون الاستراتيجي بين الإمارات والسعودية، ما يعد مثالاً يحتذى للتعاون الخليجي والعربي المطلوب، سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي، وما يبشر بمراجعة تجربة مجلس التعاون نحو التصحيح والتعميق، ويطوق ذلك أو يندرج ضمنه، بروز وتأثير محور الخير في المنطقة وقوامه السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وهو، بسبب من طبيعته، إلى اتساع أكيد.
هنا، بين هذا وذاك، لا بد من الإشارة إلى الموقف المشرّف الذي اتخذه القائد الملهم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، تجاه اليمن الشقيق، وتجاه الأحداث المتسارعة قبل أزمة قطر وبعدها، وكذلك الموقف المكمل المشرّف لأخيه وعضده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي قدم الأنموذج الأجمل والأروع للصبر وطول البال، وراهن على أمير قطر الشاب، وقدم خيار الخير نحو أشقاء لم يكن منهم إلاّ الغدر والخذلان، فما كان من سموه، وهو عنوان الحسم والقرار، إلاّ اتخاذ الخطوة المناسبة للإمارات والمنطقة.
وليس إلاّ النصر، النصر على الحوثي والقطري، في حرب وهمهما، حرب عزتنا وإيماننا واليقين.
نقلا عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة