النظام التركي استغل تمسك "تنظيم الحمدين" بسياسات خاطئة داعمة للإرهاب وراعية للفوضى تحت مزاعم الحرية
إعادة قراءة الأحداث والظروف التي أحاطت بأزمتي قطر ٢٠١٤ و٢٠١٧ تظهر بشكل جلي كيف استغلت أنقرة فقدان البوصلة لدى الدوحة لاحتلالها عسكرياً واستنزافها اقتصادياً.
استغل النظام التركي تمسك "تنظيم الحمدين" الحاكم في الدوحة بسياسات خاطئة داعمة للإرهاب وراعية للفوضى تحت مزاعم الحرية ومكابرتها في الاستماع لنصائح الدول الداعية لمكافحة الإرهاب (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) منذ أزمة الدوحة الأولى في 2014 وحتى اليوم.
تحالف رعاة الفوضى
بدأت أزمة قطر الأولى في 5 مارس/آذار 2014 بإعلان السعودية والإمارات والبحرين سحب سفرائها من الدوحة، وذلك لعدم التزام قطر باتفاق مبرم في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، بالعاصمة السعودية الرياض، ووقّعه أميرها تميم بن حمد آل ثاني، بحضور العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وأيده بقية قادة دول مجلس التعاون الخليجي.
وانتهت الأزمة في الـ 16 من نوفمبر/تشرين الثاني 2014، بتوقيع قطر اتفاقاً جديداً في اليوم نفسه، وتعهدها بالالتزام بكلا الاتفاقين (اتفاق الرياض 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 واتفاق الرياض التكميلي 16 نوفمبر ٢٠١٤).
وأبرز بنود الاتفاقين التي وقع أمير قطر تميم على الالتزام بها: وقف دعم تنظيم الإخوان الإرهابي، وطرد العناصر التابعة له من غير المواطنين من قطر، وعدم إيواء عناصر من دول مجلس التعاون تعكر صفو العلاقات الخليجية، وعدم تقديم الدعم لأي تنظيم أو فئة في اليمن يخرب العلاقات الداخلية أو مع الدول المحيطة.
ومن أبرز البنود أيضاً الالتزام بالتوجه السياسي الخارجي العام الذي تتفق عليه دول الخليج، وإغلاق المؤسسات التي تُدرِّب مواطنين خليجيين على تخريب دولهم.
كما وقّع تميم على بند يمنح دول الخليج الحرية في اتخاذ إجراءات ضد قطر في حال عدم التزامها.
وبعد شهر واحد من الاتفاق تم الإعلان عن التوقيع على اتفاقية تعاون عسكري بين قطر وتركيا في الـ من 19 ديسمبر/ كانون الأول 2014، وهو ما يعني أن المباحثات حول الاتفاق جرت خلال فترة أزمة الدوحة الأولى.
استغلت تركيا الأزمة لعقد اتفاق مع قطر ينص على إنشاء أول قاعدة عسكرية لها في الخليج، تحقيقاً لحلمها بالتغلغل العسكري في الشرق الأوسط، ومن جهة أخرى كانت الإمارة الصغيرة تدرك جيداً أن مقاطعتها من قبل الدول الداعية لمكافحة الإرهاب أمر قادم لا محالة، لأنها لن تلتزم بما تعهدت به وفق اتفاق الرياض 2013 واتفاق الرياض التكميلي 2014، فتلاقت مصالح الطرفين في التوصل لهذا الاتفاق، خاصة في ظل التوافق الأيديولوجي والفكري بين الدولتين في رعاية الفوضى ودعم جماعة الإخوان الإرهابية.
الاتفاق السري.. واللعب بالنار
وافت المنية العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز في ٢٣ يناير ٢٠١٥، وانقلبت قطر كلياً على تعهداتها وأطلقت الحبل على الغارب لدعم جماعة الإخوان الإرهابية وتنفيذ أجندات مشبوهة تضر بالأمن القومي الخليجي والعربي بالتعاون مع حليفها التركي.
أدركت الدوحة أن لعبها بالنار وعدم تنفيذها تعهداتها سيسبب لها أزمة قريبة، فيما كان الحليف التركي هو الآخر يود التعجيل بتنفيذ اتفاق التعاون العسكري "الإطار" الذي وقعه البلدان في 19 ديسمبر 2014، ومتابعة لهذا الاتفاق، قام البلدان في 28 أبريل/نيسان 2016 بتوقيع اتفاقية بشأن تمركز قوات تركية في قطر حملت اسم "اتفاقية التنفيذ" تتضمن تفاصيل حول ما يأمل البلدان تحقيقه في منطقة الخليج، وهي الاتفاقية التي كشف موقع "نورديك مونيتور" السويدي قبل أيام بنودها السرية.
الموقع السويدي أشار إلى الاستغلال التركي لقطر، مبيناً أن الاتفاقية العسكرية السرية بين قطر وتركيا تضمنت "شروطاً وأحكاماً غامضة تم إدراجها بشكل متعمد"، من أجل تحقيق بعض الأهداف والأغراض السياسية التي تخدم أنقرة أو الحزب الحاكم فيها بشكل خاص.
ومن بين الشروط والأحكام التي تتضمنها الاتفاقية العسكرية السرية بين الدوحة وأنقرة "تمكين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من استخدام الأجواء والأراضي والقطع البحرية القطرية في عملية الترويج لأيديولوجيته وأفكاره في منطقة الخليج، إضافة إلى تحقيق مصالحه وأهدافه الشخصية، بجانب استخدام جيشه في المنطقة".
وبحسب التقرير الذي نشره الموقع السويدي، فإن الاتفاقية العسكرية السرية "تنطوي على مخاطر كبيرة قد تؤدي إلى تصعيد مشاركة تركيا في صراعات محتملة قد لا تكون لها علاقة بحماية المصالح القومية التركية"، وهو ما يؤكد أن البنود الغامضة في الاتفاقية تم وضعها بشكل متعمد من أجل تمكين الرئيس أرودغان من الاستفادة منها وبشكل ممنهج.
مقاطعة قطر
وإزاء استمرار قطر في سياساتها الداعمة للإرهاب، أعلنت الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب (السعودية، والإمارات، ومصر، والبحرين)، قطع العلاقات الدبلوماسية وخطوط النقل مع قطر،في الـ5 من يونيو/حزيران 2017، بسبب إصرارها على المضي قدماً في تمويل التنظيمات الإرهابية وحماية قيادات الجماعات المتطرفة، وتوفير منابر إعلامية لنشر خطاب الكراهية.
وبعد يومين فقط من بدء المقاطعة صوّت البرلمان التركي في الـ 7 من يونيو/حزيران 2017 على مشروعي قرار، يتعلق الأول بتدريب وتأهيل قوات الدرك القطرية، والثاني بتطوير اتفاقية التعاون العسكري المبرمة مسبقاً بين البلدين، بما يعني تسريع إنشاء القاعدة التركية.
ويظهر تكالب أنقرة على الدوحة بعد يومين فقط من قرارا المقاطعة بشكل واضح نية تركيا المبيتة استغلال الأزمة مجدداً لصالحها.
ويشير الموقع السويدي في هذا الصدد إلى أن هناك تعديلات جرت على نص الاتفاقية عند تمريرها في البرلمان في يونيو/حزيران ٢٠١٧، من بينها عدم تحديد المدة الزمنية المتعلقة بمهمة القوات التركية في قطر، ولا كم من الوقت ستبقى هناك، حيث تنص المادة الأولى من الاتفاق على "الوجود طويل الأمد، والوجود المؤقت وأنشطة القوات المسلحة التركية"، دون أي تحديد للمدد الزمنية، ولا تعريف ما هو "المدى الطويل" ولا من يُحدد مدة الالتزام للقوات التركية.
ونشرت أنقرة في يونيو/حزيران الماضي مئات من جنودها في قطر بطلب من الدوحة، وسط غضب شعبي بسبب تجاوزات جنود أردوغان بحق القطريين.
حقل تجارب.. واستنزاف عسكري واقتصادي
عملياً، تركيا استغلت الأزمة وسارعت بتحقيق أهدافها، مساهمة في تعقيد الوضع والأزمة، بدلاً من أن تسهم في حلحلته كما تدعي، لأنها أحد أبرز المستفيدين من تغريد قطر خارج سرب أشقائها في مجلس التعاون الخليجي.
وهكذا استغلت تركيا كلا الأزمتين لاحتلال قطر عسكرياً بموجب اتفاقية معها، وبدأت في استنزاف ثروات الشعب القطري تحت غطاء تعاون عسكري واقتصادي حصلت فيه على عقود بمليارات الدولارات في وقت تعاني فيه البنية التحتية في قطر خصوصاً في الشمال من انعدام الخدمات كما شكا قطريون، ونشر في الصحف القطرية نفسها ورصدته "العين الإخبارية" في وقت سابق.
وأمثلة هذا الاستغلال وانتهاك السيادة القطرية كثيرة، فقد تحولت قطر إلى ساحة خلفية لنظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد أن سمح "تنظيم الحمدين" باستغلال أراضي البلاد لتجريب أنظمة تسليح تركية جديدة.
ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أجرت شركة “أسيلسان” التركية المتخصصة في الصناعات العسكرية والإلكترونية، تجربة على الأراضي القطرية، لاختبار أحدث أسلحتها محلية الصنع، سلاح “صرب – ظفر”.
وبعد أن أصبحت الأراضي القطرية مرتعاً للقوات التركية، لم يعد من الغريب أن تجري شركة "أسيلسان" تجاربها على الأراضي القطرية.
وأضحت عقود التسليح والمشاريع الاستراتيجية تذهب لأنقرة، ففي مارس/آذار الماضي، وقّعت قطر اتفاقية مع تركيا لشراء 556 آلية مدرعة، واتفاقية مع شركة تركية لإنشاء قاعدة عسكرية بحرية شمالي البلاد.
ابتزاز علني
في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها تركيا وانهيار سعر الليرة مقابل الدولار الأمريكي، ابتزت تركيا قطر لتدعمها.
وشنت صحف مقربة من الرئيس التركي هجوماً لاذعاً على قطر في أوائل أغسطس/آب الماضي، وقالت صحيفة "تقويم" التركية إن حالة من الإحباط سادت المجتمع التركي بسبب "الصمت القطري" تجاه الأزمة التي تعصف باقتصاد البلاد، مذكرة الدوحة بأن أنقرة وقفت معها في أزمتها التي لا تزال مستمرة، وبعد الهجوم الإعلامي سافر تميم إلى أنقرة 15 أغسطس/آب، وأعلن من هناك دعماً لتركيا بقيمة 15 مليار دولار في صورة استثمارات جديدة وودائع وضمانات.
استغلال طويل الأمد
أيضاً كشفت البنود السرية في الاتفاق العسكري بين قطر وتركيا الذي نشره الموقع السويدي "نورديك مونيتور" أن الاتفاق يُلزم قطر بتقديم قائمة طويلة جداً من الخدمات المجانية للجنود الأتراك مما لم يسبق أن وافقت عليه أي دولة.
وتنص الاتفاقية أنه على الجانب القطري أن يقدم "جميع الخدمات اللازمة التي يحتاجها الجيش التركي خلال وجوده على الأراضي القطرية، بما في ذلك أعمال الإنشاءات والنقل والإمدادات وعقود الصيانة".
وتشرح الفقرة ذاتها الخدمات التي يلتزم بها الجانب القطري بالقول إنها تشمل "صيانة وإصلاح المركبات، وتنظيف الأبنية، وتسييج المناطق المستخدمة، وعمليات التشجير والتعشيب، وتزويد الأتراك بالغاز الطبيعي والماء والكهرباء والتبريد وخدمات الإنارة، وجمع أكياس القمامة والتخلص منها، وجمع المخلفات الطبية، والتخلص من عوادم المنتجات النفطية ومخلفاتها، ومكافحة الحشرات، وتقديم الخدمات اللازمة للمباني التي يقيم فيها الجنود الأتراك، وغسل وكي ملابسهم".
كما تنص على عدم سداد أي فواتير مستحقة على الجيش التركي لصالح الشركات القطرية إلا بموافقة الجانب التركي وبموجب تقارير خاصة مكتوبة توضح ماهية هذه الفواتير.
كما أن الأخطر في هذا المجال هو ما أوردته الفقرة الثانية من المادة السادسة من الاتفاقية، والتي تفرض على الجانب القطري أن يتكفل بتكاليف العقود التي يبرمها الأتراك مع أي طرف أو شركة، من أجل الحصول على الخدمات التي لا تستطيع الحكومة القطرية أن تقدمها بشكل مباشر، وهو ما يعني أن الجيش التركي قد يبرم عقوداً بملايين الدولارات مع شركات محلية أو أجنبية أو ربما تركية، ومن ثم تقوم الحكومة القطرية بسداد هذه الأموال من خزينتها، بموجب هذه الاتفاقية.
ولا تتضمن الاتفاقية ما يشير إلى تاريخ انتهاء وجود القوات التركية، كما لا يوجد ما ينص على إطار زمني لخروجهم، وهو ما يعني أنه استغلال طويل الأمد.