الدعوة التي تلقاها أمير قطر ما هي إلا دعوة بروتوكولية محضة لا تحمل أي رسائل تتجاوز ما هو مكتوب فيها.
تنعقد القمة التاسعة والثلاثون لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بين أوهام كثيرة تسيطر على عقل التنظيم الذي يقود إحدى دول المجلس، وبين حقيقة واحدة تكتب سطورها بقية أعضاء المجلس ودوله الفاعلة، وإذا بدأنا بالأوهام باعتبارها الأسهل تفنيدا والأسرع زوالا والأيسر تبديدا والأولى دحضا فإن الوهم الأول الذي سيطر على قطر وحاول إعلامها الترويج له هو أن الدعوة التي تلقاها أميرها من خادم الحرمين الشريفين للمشاركة في أعمال القمة المزمع عقدها في الرياض تعني اتجاها للمصالحة معها والقبول بسياستها من قبل الدول الأربعة الداعية لمكافحة الإرهاب، وأن هذه الدعوة تعني تلقائيا ورسميا نهاية المقاطعة التي فرضت على الدوحة من قبل الدول الأربع في الخامس من يونيو 2017، وهي رواية روج لها بشدة الإعلام القطري ومن يدور في فلكه، متناسين عمدا أو جهلا أن الدعوة التي تلقاها أمير قطر ما هي إلا دعوة بروتوكولية محضة لا تحمل أي رسائل تتجاوز ما هو مكتوب فيها، فقطر لا تزال عضوا في مجلس التعاون، لم تنسحب بعد من المجلس ولم يتم تجميد عضويتها، ومن الطبيعي أن توجه إليها الدعوة لحضور اجتماعاته على المستويات كافة.
أمير قطر إن أراد الحضور فعليه أن يهبط إلى الرياض قادما من أي مدينة أخرى غير عاصمة بلاده، ومستقلا أي طائرة أخرى غير تلك التابعة للخطوط الجوية لدولته، وهنا فإن التوازن يكون تحقق بين ما تمليه قواعد البروتوكول وبين ما تمليه اعتبارات السيادة الوطنية
ولو كانت القمة الخليجية عقدت في الرياض أو أبوظبي أو المنامة في اليوم التالي لقرار المقاطعة لكانت الدعوة وجهت أيضا لأمير قطر لحضورها، باعتبار بلاده لا تزال عضوا بالمجلس يتمتع بكافة حقوق العضوية، ومن ثم فإن الرياض في مسلكها هنا لم تراعِ إلا ما تمليه قواعد البروتوكول التي تحرص السعودية دائما على احترامها باعتبارها أيضا دولة المقر، خاصة في ظل تعديل النظام الأساسي لمجلس التعاون، والذي سمح لأول مرة للدولة التي ترأس القمة في أن تطلب عقدها في دولة المقر، وهذا ما فعلته سلطنة عمان التي ترأس قمة هذا العام حين طلبت من الرياض استضافة الدورة الحالية، ولعل هذا ما يفسر أن دعوات الحضور تم نقلها عبر الأمين العام لمجلس التعاون وليس من خلال وزير الخارجية السعودي أو سفراء المملكة أو مبعوثيها الخاصين، هنا احترمت السعودية باعتبارها دولة مقر التزاماتها التي تمليها عليها القواعد المنظمة لعمل المنظمات الدولية والإقليمية، لكنها في المقابل احتفظت بحقها السيادي الذي لا ينازعها فيه أحد، والمتمثل في اتخاذ ما تراه من إجراءات ومن قرارات لحماية مصالحها وأمنها القومي، ومن بين هذه الإجراءات كانت القرارات التي اتخذتها الرياض مع أبوظبي والمنامة والقاهرة قبل عام ونصف، والمتمثلة في منع الطيران القطري من عبور أجوائها ومن الهبوط في أراضيها، وهنا فإن أمير قطر مرحبا به لحضور اجتماع لمنظمة إقليمية تستضيفه الرياض وبلاده عضوا فيها، لكن عليه أن يحترم سيادة الدولة المستضيفة وقرارتها، وهنا فإن أمير قطر إن أراد الحضور فعليه أن يهبط إلى الرياض قادما من أي مدينة أخرى غير عاصمة بلاده، ومستقلا أي طائرة أخرى غير تلك التابعة للخطوط الجوية لدولته، وهنا فإن التوازن يكون تحقق بين ما تمليه قواعد البروتوكول وبين ما تمليه اعتبارات السيادة الوطنية.
الأوهام القطرية تجاوزت في شططها حدودا لا يمكن لعاقل أن يتصورها، وبعد أن كذبت الدوحة كذبتها صدقتها ورتبت عليها مطالب وبدأت في وضع الشروط، فبعد أن خيل إليها كذبا أن الدول الأربع قررت إنهاء مقاطعتها وأنها مدعوة لحضور قمة الرياض لتدشين المصالحة، بدأت في وضع شروطها لحضور القمة، وكم كان مضحكا هنا سماع تصريحات من قبيل ما تفوه به رئيس اللجنة الوطنية القطرية لحقوق الإنسان التي قال فيها إن "أي قرارات ستخرج بها القمة المقبلة لن يكتب لها النجاح ما لم تركز على الأزمة الناجمة عن حصار قطر ووضع حد للمعاناة المستمرة للضحايا".
مقابل هذه الأوهام القطرية تبقى حقيقة واحدة واضحة وجلية، وهي أن مجلس التعاون الخليجي وجد ليبقى، مرت عليه أزمات أكثر حدة وأشد قسوة وتجاوزها بفضل حكمة زعمائه الحقيقيين وقادته التاريخيين، وهنا لا يمكن أبدا مقارنة أزمة غزو العراق للكويت التي استطاع مجلس التعاون تجاوزها والاستمرار بعدها رغم خطورتها وتعقدها وتشابكها وتداعياتها، بالأزمة الحالية مع قطر والتي لم تعد تشغل بال بقية الأعضاء ولا تفكيرهم.
وكما أن هناك دولة حريصة على هدم المجلس وتعمل جاهدة على ذلك، فهناك دول حريصة على استمراره وقادة يعملون على تجاوز كل المصاعب التي يمكن أن تعترض طريقه، ستنجح قمة الرياض بمن حضر، وستستمر السعودية والإمارات والبحرين في ممارسة أدوارها التاريخية للإبقاء على المجلس مظلة للعمل الخليجي المشترك، وستبقى حقيقة أن لا حل للأزمة مع قطر إلا في الرياض، ولا نهاية للأزمة إلا بزوال أسبابها، ودون ذلك يظل أوهاما في خيال صاحبه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة