جوازات السفر القطرية.. هدية "الحمدين" للإرهابيين
تنظيم "الحمدين" لا يزال يعبث بأمن المنطقة عبر دعم الإرهاب بتزوير جوازات سفر لتسهيل حركة وتنقلات العناصر الإرهابية.
أثار تورط قطر من خلال أحد عملائها بعملية تزوير هويات وجوازات سفر عراقية، الحديث مجددا عن ملف تأشيرات الإرهاب القطرية، عبر منح جوازات سفر للإرهابيين، إما لمساعدتهم على الهرب وإما لتيسير تحركاتهم، لتنفيذ عملياتهم.
وجاءت تلك الفضيحة بعد أيام من نشر صورة حديثة جمعت الحمدين (الأمير السابق لقطر حمد بن خليفة آل ثاني، ورئيس الوزراء السابق حمد بن جاسم) وإلى جانبهما وزير الداخلية القطري السابق عبدالله بن خالد آل ثاني المدرج على قوائم الإرهاب (التي تزعم الدوحة إنه قيد الإقامة الجبرية)، والذي سبق أن أمد خالد شيخ محمد العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 بجواز سفر قطري، لمساعدته على الهرب.
فضيحة تورط قطريين في تزوير جوازات سفر عراقية، ثم ظهور "الحمدين" مع صديق مهندس تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول في الدوحة، يؤكد مجددا صواب الموقف الذي اتخذته الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) بمنع دخول حاملي الجوازات القطرية، إلا بتصاريح وتأشيرات مسبقة.
وكشفت الأيام عن أن موقف الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، لم يكن يستهدف القطريين، بقدر ما كان يستهدف محاصرة تأشيرات الإرهاب القطرية.
تزوير جوازات سفر
وكشفت وزارة الداخلية العراقية، الجمعة الماضية، عن فضيحة تورط بها قطري وعراقي بالتعاون مع ضباط وموظفين بالأحوال المدنية والإقامة العراقية، بإصدار جوازات سفر وبطاقات تعريف عراقية مزورة لـ11 قطريا مولودين ومقيمين بقطر منذ فترة طويلة، ولا يحملون جنسيتها.
وأوضحت الداخلية العراقية أن الشخص القطري "اعترف بدوره على أحد الأشخاص من سكان محافظة كربلاء بأنه هو من ساعده على إصدار البطاقات الموحدة من دائرة أحوال الأعظمية ببغداد، والجوازات من دائرة جوازات محافظة البصرة".
وأكد مكتب المفتش العام لوزارة الداخلية العراقية أنه "تم تدوين أقوال واعترافات المتهمين وتصديقها قضائيا، وعرضهما أمام قاضي تحقيق الرصافة الذي قرر توقيفهما وفق المادة 289 من قانون العقوبات العراقي"، مضيفا أن "التحقيقات لا تزال مستمرة في القضية لمعرفة المتورطين معهما في الجريمة بغية اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم".
صورة خاصة لـ"الحمدين"
تلك الجريمة جاءت بالتزامن مع نشر مريم آل ثاني أحد أعضاء الأسرة الحاكمة في قطر صورة حديثة جمعت الحمدين (الأمير السابق لدولة قطر حمد بن خليفة آل ثاني، ورئيس الوزراء السابق حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني) وإلى جانبهما وزير الداخلية القطري السابق عبدالله بن خالد آل ثاني المدرج على قوائم الإرهاب للخزانة الأمريكية والأمم المتحدة خلال وجوده في مسابقات "مربط الشقب" التي جرت مؤخرا.
وتفاخرت آل ثاني بالصورة التي جمعت الحمدين بوزير الداخلية القطري السابق الإرهابي المتورط بإيواء مهندس تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 "خالد شيخ محمد" وعناصر من تنظيم القاعدة في مزرعته.
ويعتبر عبدالله بن خالد آل ثاني أحد كبار أعضاء مجلس العائلة المالكة القطرية ووزير داخلية سابق ووزير الأوقاف في الحكومة القطرية، وهو الذي قدم المساعدة والملاذ الآمن لقياديي القاعدة منذ أوائل التسعينيات.
وخلال التسعينيات استضاف عبدالله بن خالد آل ثاني العقل المدبر لأحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول خالد شيخ محمد، في مسكنه بقطر.
وقدم عبدالله بن خالد آل ثاني عملا لقيادي القاعدة الإرهابي في المؤسسة العامة القطرية للكهرباء والماء، وخلال إقامته في قطر وعمله في الحكومة القطرية بين عامي 1992 و1996 قام خالد شيخ محمد بتحويل أموال إلى نشطاء من القاعدة للتخطيط لهجمات ضد الولايات المتحدة، بما في ذلك المتآمر في هجمات مركز التجارة العالمي 1993، رمزي يوسف.
وفي عام 1996 قامت السلطات الأمريكية بتتبع خالد شيخ محمد إلى مجمع سكني خارج الدوحة، المملوك من قبل لعبدالله بن خالد آل ثاني، ويعتقد بقيام الحكومة القطرية بإبلاغ خالد الشيخ محمد بأن الحكومة الأمريكية على وشك إلقاء القبض عليه، مما ساعده على الهرب مستخدما جواز سفر من الحكومة القطرية.
وبالرغم من التقارير الكاذبة حول فرض الإقامة الجبرية على عبدالله بن خالد آل ثاني، ما زال المذكور مستمرا في عمله الخاص والعام بحرية في قطر، هو ما تثبته الصورة التي نشرت مؤخرا.
الإرهابي الذي اعتقلته السلطات الأمريكية بعملية مثيرة في مارس/آذار 2003، وآوته الدوحة سابقاً، بدأت تحركه قطر مؤخرا للإساءة للسعودية، كرد لجميل تنظيم "الحمدين"، حيث ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن خالد شيخ محمد، مستعد لصفقة قضائية مع الولايات المتحدة تلغى فيها عقوبة الإعدام عنه، مقابل أن يشهد ضد السعودية في الدعاوى المرفوعة من عائلات ضحايا الهجمات الإرهابية التي وقعت في 2001 وخلفت حوالي 3 آلاف قتيل.
هذا الأمر يكشف المخاطر المزدوجة والمركبة والمستمرة لدعم قطر للإرهاب، وعبثها بجوازات السفر.
تاريخ أسود
ولم يكن خالد شيخ محمد الإرهابي الوحيد الذي حصل على جواز سفر قطري، فقطر لها تاريخ طويل في ملف التجنيس، فقد قامت خلال السنوات الماضية بمنح جنسيتها وجوزات سفر لعناصر إرهابية لجأت للدوحة واستخدمتهم للتخطيط وتنفيذ عمليات في الدول العربية.
ولعل الوجود القوي لقيادات التنظيم الإخواني، داخل الدوحة، وحصول بعضهم على الجنسية القطرية وعلى رأسهم المصري الأصل يوسف القرضاوي الذي تستخدمه الدوحة للهجوم على الدول العربية، كشف عن لعبة الدوحة وتنظيم "الحمدين" للإضرار بالمنطقة العربية.
أيضا ارتبط اسم الإرهابي عبدالعزيز المقرن بقطر، بعد أن كشف وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير، في وقت سابق، عن منح الدوحة جواز سفر قطريا لـ"المقرن"، مكنه من دخول أراضي المملكة العربية السعودية، حيث خطط لتنفيذ العديد من الهجمات الإرهابية.
وتزعم "المقرن" تنظيم القاعدة في السعودية لمدة 3 أشهر، كانت الأكثر دموية في تاريخ المملكة.
أيضا هناك فيكتور آغا، الباكستاني الأصل، الذي سهّل منحه جوازا قطريا من تنقلاته في المنطقة، فتسلل إلى صنعاء لنقل الأموال لمليشيات الحوثي الموالية لإيران، وأقام مشاريع ضخمة في تونس أمّن من خلالها تدفق الأموال القطرية لحركة النهضة الإخوانية، بحسب تقارير إعلامية.
كما منحت الدوحة جوازها لـ56 من قيادات وأفراد في تنظيم الإخوان الإرهابي، الهاربين من مصر والمطلوبين للقضاء، في وقت أشارت فيه تقارير غربية إلى منح جوازاتها أيضا لنحو 20 ألف من عناصر مليشيات الحوثي الإرهابية.
الرباعي العربي.. ومحاصرة تأشيرات الإرهاب القطرية
كل هذا يؤكد مجددا صواب الموقف التي اتخذته الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) بمنع دخول حاملي الجواز القطري، إلا بتصاريح وتأشيرات مسبقة، وأن هذا الإجراء لم يكن يستهدف القطريين، بقدر ما كان يستهدف محاصرة تأشيرات الإرهاب القطرية.
تأشيرات الإرهاب القطرية، تؤكد أن التدابير القانونية التي اتخذتها الدول الأربع كانت لحماية أمنها القومي من العبث القطري.
وفي هذا الصدد أنشأت الإمارات نظام تصاريح دخول للقطريين بما يتناسب والقانون الدولي، وقامت قطر بحجب الموقع الإلكتروني المخصص للحصول على تصاريح الدخول للقطريين، والزعم بأن الإمارات هي من تمنعهم، قبل أن تجبر الإمارات قطر على الاعتراف بحجبه أمام محكمة العدل الدولية في مايو / آيار الماضي.
وتنبهت الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، منذ عام ٢٠١٣، لخطورة العبث القطري بملف التجنيس وجوازات السفر، لذلك تم التوقيع على اتفاقية الرياض في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 التي أقر فيها أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني بالالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول مجلس التعاون الخليجي بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم إيواء أو تجنيس أي من مواطني دول المجلس، ممن لهم نشاط يتعارض مع أنظمة دولته إلا في حال موافقة دولته، وعدم دعم عناصر جماعة الإخوان الإرهابية أو أي من المنظمات أو الأفراد الذين يهددون أمن واستقرار دول مجلس التعاون عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي.
ونتيجة عدم التزام الدوحة بالاتفاق، حدثت أزمة قطر الأولى في 5 مارس/آذار 2014 بإعلان السعودية والإمارات والبحرين سحب سفرائها من الدوحة، وانتهت الأزمة في الـ16 من نوفمبر/تشرين الثاني 2014، بتوقيعها اتفاقاً جديداً في اليوم نفسه، وتعهدها بالالتزام بكلا الاتفاقين (اتفاق الرياض 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 واتفاق الرياض التكميلي 16 نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٤).
أيضا كان عدم التزام قطر بكلتا الاتفاقين، أحد أبرز أسباب أزمتها الثانية بإعلان الدول الداعية لمكافحة الإرهاب مقاطعتها الدوحة منذ ٥ يونيو/حزيران ٢٠١٧ لدعمها الإرهاب.
قبيلة الغفران.. مفارقة غريبة
المفارقة الغريبة أنه في الوقت الذي يبيع فيه تنظيم "الحمدين" جنسية قطر لكل من يقدم خدماته للتنظيم، ويقدم جوازات السفر كهدايا للإرهابيين، فإنه ينتزعه من أبناء البلد الأصليين.
وتمارس السلطات القطرية انتهاكات ممنهجة ضد أبناء قبيلة "الغفران" منذ عام 1996 وحتى الوقت الحاضر، تضمنت التهجير وإسقاط الجنسية والاعتقال والتعذيب وطرد أطفالهم من المدارس وحرمانهم من التعليم ومنعهم من ممارسة حقوقهم المدنية والترحيل القسري وتهجير السكان على نطاق واسع، ما يعد جريمة ضد الإنسانية بموجب المادة 7 من نظام روما الأساسي وانتهاك اتفاقية حقوق الطفل.
وقبيلة الغفران، إحدى الفروع الرئيسية لعشيرة "آل مرة" التي تشكل -بحسب أحدث الإحصاءات- ما بين 50% و60% من الشعب القطري.
وكانت عشيرة "آل مرة" قد رفضت انقلاب حمد أمير قطر السابق ووالد الأمير الحالي على أبيه للاستيلاء على الحكم عام ١٩٩٥، ما عرض أفراد ووجهاء القبيلة للتنكيل وسحب الجنسيات وإبعادهم من البلاد إلى دول أخرى مثل السعودية، حيث ينتشر أفراد قبيلة الغفران في المناطق الواقعة على طول حدود البلدين.
ومرارا خلال الفترة الماضية، طالب أبناء القبيلة المنظمات الحقوقية والأمم المتحدة بمساعدتهم في تلبية عدة مطالب عاجلة، وفي مقدمتها استعادة الجنسية وتصحيح أوضاع أبناء قبيلة الغفران وإعادة المطرودين إلى عملهم ولمّ شمل العائلات واسترجاع الحقوق والمزايا بأثر رجعي.