تسريب قطر ورد الصومال.. تواطؤ يفضح فرماجو و"الحمدين"
دفاع وزير خارجية الصومال أحمد عيسى باستماتة عن قطر عقب تسريب "نيويورك تايمز" يفضح مؤامرة الحمدين وفارماجو على الشعب
دافع وزير خارجية الصومال أحمد عيسى عوض باستماتة عن قطر عقب تسريب تسجيل صوتي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية؛ الأمر الذي يؤكد تورط نظام الحمدين في تفجيرات حدثت بالصومال.
رد المسؤول الصومالي فاجأ أبناء شعبه وفضح مؤامرة تنظيم الحمدين وحكومة الرئيس محمد عبدالله فارماجو على الشعب الصومالي، وعدم اكتراثهم لحياة الشعب أو استقراره.
تصريح وزير الخارجية الصومالي كشف 3 أمور لافتة، أولها استماتة عوض في الدفاع عن قطر، ومحاولة إنكار ما لم تنكره الدوحة نفسها، حيث اعترفت بصحة التسجيل، ولكنها تبرأت من ضابط المخابرات القطري خليفة المهندي، المتخفي بصفة رجل أعمال.
وكان المهندي يتحدث في التسجيل مع السفير القطري، وسعت الدوحة لتجاهل تورط سفيرها في المؤامرة نفسها.
تصريح عوض فضح انبطاح حكومة فارماجو لتنظيم الحمدين، وأظهر وزير خارجية الصومال موظفا في حكومة قطر.
الأمر الثاني أن تصريح عوض كان أول من نوَّهت به "لولوة الخاطر" المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية القطرية، عبر تغريدة بحسابها في "تويتر"، وكأن الأمر تم بالتنسيق بينهما أو بتوجيه قطري إلى الصومال.
الأمر اللافت الثالث، تصريح وزير خارجية الصومال عن استقبال السفير القطري، المتورط في المؤامرة الإرهابية، ولم ينكر صحة التسجيل، وتأكيده أنه شرح له الموضوع بتفاصيله، ونفى صحة ما كتب في تقرير الصحيفة الأمريكية.
لذا ظهر فارق شاسع بين رد حكومة فارماجو وتوقعات الشارع الصومالي وحراك المعارضة التي طالبت البرلمان بفتح تحقيق حول دور قطر الإرهابي في بلاده وقطع العلاقات معها.
اعتراف صريح
ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، الإثنين، تسجيلا مسربا عبارة عن مكالمة هاتفية بين السفير القطري في الصومال حسن بن حمزة بن هاشم ورجل الأعمال خليفة كايد المهندي، المقرب من أمير قطر تميم من حمد، يؤكد فيه المهندي أن "أصدقاء قطر" يقفون وراء التفجير الذي حدث في مدينة بوصاصو مايو/أيار الماضي "لتعزيز مصالح قطر من خلال طرد منافسيها".
وتعليقا على التسريب أصدر مكتب الاتصال الحكومي القطري بيانا تضمن 4 دلائل تؤكد تورط تنظيم "الحمدين" من جانب وسذاجة وحماقة التبريرات التي ساقها للتهرب من تلك الورطة من جانب آخر.
أول تلك الدلائل هو محاولة البيان التنصل من كايد المقرب من أمير قطر وأنه "لا يمثل حكومة دولة قطر"، فيما تجاهل البيان تماما الحديث عن السفير القطري المتورط مع كايد في المؤامرة الإرهابية.
الأمر الثاني هو حديث قطر- المتهم الرئيسي في المؤامرة الإرهابية- عن أنه "سيتم إجراء تحقيق حول هذا الشخص"، فكيف يجري المتهم تحقيقا مع نفسه؟!
الأمر الثالث اعترافها بطلب الحصول على نسخة من التسجيلات التي نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز"، وهو الطلب الذي رفضته الصحيفة، وهو الأمر الذي يعكس فزعا قطريا من وجود تفاصيل أخرى للتسجيل لم تكشف بعد أو مكالمات أخرى تم تسجيلها بالطريقة نفسها.
الدليل الرابع والأهم هو أن البيان لم ينكر صحة التسجيل أو يشكك في مصداقيته، بل بني محور تنصله من المسؤولية عنه في التبرؤ فقط من رجل الأعمال المقرب من أمير قطر.
والتبرؤ من ضابط المخابرات القطري خليفة كايد المهندي، المقرب من أمير قطر، والمتخفي بصفة رجل أعمال، أمر لا يبدو منطقيا في ظل وجود دلائل قوية تؤكد عكس ذلك، أولها طريقة حديثه مع السفير القطري التي تؤكد المركز الذي يحتله لدى تنظيم الحمدين، ثانيها تأكيد صحيفة "نيويورك تايمز" أن المهندي مقرب من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وبينهما صور شخصية معا.
ووفقا لتقارير إخبارية ورسائل نصية قدمتها وكالة استخبارات كثيرا ما يسافر المهندي مع الأمير، وهو ما أكده خبر سابق نشرته وسائل إعلام إندونيسية جاء فيه أن تميم بن حمد وصل إلى إندونيسيا بصحبة وفد ومن بين هؤلاء ورد اسم خليفة كايد المهندي.
وكان تقرير أوردته صحيفة "تونيزي تيليجراف" التونسية عام 2017 تحدث عن المهندي باعتباره "رجل الاستخبارات القطرية" الذي يعمل انطلاقا من تونس لدعم مليشيات إرهابية في ليبيا المجاورة تحت غطاء رجل أعمال.
انبطاح صومالي
وفي ضوء تلك الأدلة الدامغة التي تدين قطر كان الشعب الصومالي يترقب ردا حازما من حكومته، أقلها طرد السفير المتورط في المؤامرة الإرهابية أو قطع العلاقات مع الدولة التي تتآمر ضد بلادهم، أو طلب المشاركة في التحقيقات المزعومة مع رجل الأعمال القطري المتورط في تلك المؤامرة.
كل تلك التوقعات ذهبت أدراج الرياح، وصدم الشعب الصومالي إزاء انبطاح حكومة بلادهم لتنظيم الحمدين الذي ظهر في تصريح وزير خارجية الصومال أحمد عيسى عوض الذي قال فيه: "إن الحكومة الفيدرالية ببلاده اقتنعت ببيان الحكومة القطرية الذي نفت فيه ما ورد في تقرير "نيويورك تايمز" مع أن الحكومة القطرية لم تنفِ أصلا ما جاء في التقرير، كل ما فعلته هي تنصلت من رجلها المهندي".
وفي مقابلة مع إذاعة صوت أمريكا قسم اللغة الصومالية، أشار عوض إلى أن قطر أصدرت بيانا نفت فيه ما تم نشره في صحيفة نيويورك تايمز، وأنه قرأ التقرير شخصيا بالكامل ولم يحد فيه حقائق، حيث كانت كلها اتهامات.
وأكد أن "الحكومة الفيدرالية اقتنعت ببيان الحكومة القطرية الذي أوصله إلى وزارة الخارجية سفير دولة قطر لدى الصومال".
وأوضح أن "الشخص الذي كتب اسمه في التقرير ليس له علاقة مع دولة قطر ولا يشتغل أي منصب في الحكومة".
ونوّه بأنه "قابل بمقر وزارة الخارجية الصومالية سفير قطر لدى الصومال، وشرح له الموضوع بتفاصيله كما نفى صحة ما كتب في التقرير".
3 أمور لافتة تضمنها تصريح عوض أولها أن تصريحه أخذ موقفا أقوى من الحكومة القطرية ذاتها، وقال على لسانها ما لم تقله وكأنه أتى بتوجيه من تنظيم الحمدين لحكومة فرماجو؛ لتدارك الأخطاء الفادحة في بيان مكتب الاتصال الحكومي الذي فضح تورط قطر في المؤامرة الإرهابية.
ويؤكد هذا التآمر والانبطاح من قبل حكومة فارماجو أن أول من نوَّه بهذا التصريح فور الإدلاء به كانت لولوة الخاطر المتحدث الرسمي باسم وزارة القطرية في تغريدة لها، وهو الأمر اللافت الثاني.
أما الأمر اللافت الثالث فإن الرجل يتحدث عن أن من نقل له رد الحكومة القطرية السفير القطري الذي هو أصلا متورط في المؤامرة الإرهابية، وحديثه عن أنه شرح له الموضوع بتفاصيله كما نفى صحة ما كتب في التقرير، مع أن بيان الحكومة القطرية لم ينكر صحة التسجيل أو يشكك في مصداقيته، وكذلك لم ينكره رجل الأعمال المقرب من أمير قطر، لكنهما زعم في ردهما على "نيويورك تايمز" أنه "كان يتحدث كمواطن"؛ الأمر الذي أكد بما لا يدع مجالا للشك أن الدوحة ترتبط بعلاقات وثيقة مع الإرهابيين وتدعم المتطرفين الذين يشنون عمليات إرهابية في هذا البلد الأفريقي الممزق بهدف تحويل عقود عمل لصالح قطر.
وحتى مع افتراض أن الحكومة الصومالية اقتنعت بالبيان القطري وأن الحديث الذي جرى بين السفير والمهندي كان بصفته مواطنا، فكون أن السفير القطري لم يُظهر أي رفض أو استنكار حول أن القطريين لعبوا دورا في التفجيرات بالصومال، كان كفيلا بطلب طرده والمطالبة بإجراء تحقيق معه، لا استقباله والترحيب به، كما أشار عوض في موقف يفضح تواطؤ حكومة فارماجو ويكشف النفوذ التي يتمتع بها السفير القطري في الصومال.
والسفير القطري في الصومال حسن بن حمزة قد أصدر تميم قرارا بتعيينه سفيرا في مقديشو يوم 20 مارس/آذار 2018 بعد أن عمل لسنوات قائما بأعمال بالإنابة بسفارة بلاده في الصومال، ونشط خلال فترة عمله في التغلغل داخل الدولة الصومالية وشراء ولاءات المسؤولين الصوماليين.
مطالب بالتحقيق
تصريحات وزير خارجية الصومال أظهرت فجوة كبيرة بين الحكومة والشارع والمعارضة، إذ انبطحت الحكومة لتنظيم الحمدين وطالب حزب صومالي "معارض" البرلمان بفتح تحقيق حول دور قطر الإرهابي والتخريبي في بلاده وقطع العلاقات معها.
وأدان حزب "ودجر" الصومالي، في بيان، استخدام قطر للجماعات الإرهابية في بلاده وخلق روابط معها والوقوف وراء تدبير تفجيرات بمقديشو على خلفية تقرير صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
وقال الحزب: "إن ما ورد من معلومات تعزز الشكوك السابقة من قبل العديد من الصوماليين فيما يتعلق بالصلة بين الجماعات الإرهابية في البلاد والحكومة القطرية".
وأضاف البيان أن "الجهود المستمرة التي تقوم بها حكومة فارماجو لزعزعة استقرار ولاية بونتلاند تعد أدلة كافية ضد حكومة مقديشو، وتكشف حجم تدخلها في شؤون بقية الولايات بدعم من قطر".
وطالب الحزب، في بيانه، حكومة مقديشو بتوضيح موقفها من العلاقة مع قطر ، كما دعاها إلى "تعليق علاقاتها الدبلوماسية معها"، و"التحرك ضد الأفراد الذين لديهم روابط وثيقة مع الدوحة الذين يشغلون مناصب حساسة في البلاد".
وأشار إلى أن "هذه المطالب إن لم تنفذ فإنه سيكون من الواضح أن قادة الحكومة الفيدرالية بمقديشو متواطئون ومتعاونون مع قطر وحلفائها في زعزعة استقرار الصومال".
وهذا مع تأكد مع تصريح وزير خارجية الصومال الذي أكد هذا التواطؤ بشكل ينذر باستمرر الدور القطري التخريبي في الصومال.
ونشط الدور القطري التخريبي في الصومال خلال مراحل عدة أبرزها التفجيرات الإرهابية والتغلغل من خلال رجالها في المناصب الأمنية لتسهيل تنفيذ الأجندة التخريبية.
ودأب تنظيم الحمدين عبر عملائه في مقديشو على تنفيذ مخططاته التخريبية والقضاء على حكام الأقاليم المعارضين لهيمنته، ومن ثم تفتيت النظام الفيدرالي من أجل تقوية نفوذ الدوحة في البلد الواقع شرق قارة أفريقيا.
وتخوض الصومال حربا منذ سنوات ضد حركة "الشباب" التي تأسست مطلع 2004، وهي حركة مسلحة تتبع فكريا تنظيم "القاعدة" وتبنت العديد من العمليات الإرهابية التي أودت بحياة المئات.
وفي أغسطس/آب الماضي عيّن الرئيس محمد عبدالله فارماجو عميل قطر فهد الياسين مديرا للقصر الرئاسي ونائبا لرئيس جهاز المخابرات.
والياسين الذي يشغل أعلى المناصب في الصومال بدأ حياته عضوا نشطا في جماعة "الاعتصام" السلفية الجهادية ثم التحق بتنظيم الإخوان الإرهابي.
وأقام علاقات قوية مع مفتي الإرهاب الهارب بقطر يوسف القرضاوي؛ ليكون بعد ذلك وسيط التمويلات بين نظام الدوحة والجماعات الإرهابية في الصومال قبل أن يصبح رئيسا لديوان الرئاسة في مقديشو مايو 2017.
وفي 2013 أصبح رئيسا لمكتب مركز "الجزيرة" للدراسات في شرق أفريقيا إلى جانب إدارته القصر الرئاسي؛ ما جعل المراقبين يصفونه بأنه الشخص الأكثر تأثيرا في الساحة السياسية الصومالية في الوقت الحالي، ومنفذ سياسات نظام الدوحة بالبلاد.
كل هذا يثبت حجم التدخلات القطرية في حكومة الصومال واختراق مؤسساتها وسيطرتها على القرار، في انتهاك فادح لسيادة الصومال، ينبئ باستمرار قيام الحمدين بزعزعة الأمن والاستقرار في الدولة لتعزيز مصالحها.
aXA6IDMuMTQyLjEzMy4yMTAg جزيرة ام اند امز