اجتماع قبرص الرباعي.. جني ثمار السلام ومواجهة التحديات
أهمية خاصة حملها اجتماع مشترك للإمارات وقبرص واليونان وإسرائيل، الجمعة، لأكثر من سبب.
أول تلك الأسباب أن هذا هو الاجتماع الأول من نوعه، لتعزيز المصالح الاستراتيجية الإقليمية بين الدول الأربع.
كما يعد أول ثمرة على صعيد دولي لاتفاقية إبراهيم للسلام، التي وقعتها الإمارات وإسرائيل منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، الأمر الذي يجعل الاجتماع بمثابة نواة لتحالف استراتيجي بين دول تجمعها رؤية موحدة على دعم الأمن والاستقرار في المنطقة، وتحديات مشتركة، ووجهات نظر متناغمة بشأن معالجة أزمات المنطقة، وتعزيز التعاون فيما بينها في مختلف المجالات لصالح شعوبها ودول المنطقة.
ثاني تلك الأسباب أن الاجتماع يعقد في توقيت هام تتزايد فيه التحديات التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة، ويأتي على رأسها الملف النووي الإيراني، وأطماع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شرق المتوسط.
ثالث تلك الأسباب هو رغبة الدول الأربع في تحقيق نتائج بارزة لمواجهة وباء كورونا، وإرسال رسالة للعالم بأهمية تعزيز التعاون الدولي لمواجهة الفيروس، الذي غير الحياة على وجه الأرض من ظهوره قبل أكثر من عام.
اجتماع مهم
وعقد المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، أنور قرقاش، ووزير خارجية قبرص، نيكوس خريستوذوليديس، ووزير خارجية اليونان نيكوس ديندياس، ووزير خارجية إسرائيل جابي أشكنازي، اجتماعا في مدينة بافوس القبرصية، الجمعة، لتعزيز المصالح الاستراتيجية الإقليمية بين الدول الأربع.
وناقش الاجتماع القضايا الإقليمية والأوضاع في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط وأهمية ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار بها بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين الدول الأربع في العديد من المجالات ومنها الاستثمارية والسياحية والاقتصادية.
وأكد المجتمعون على أن الاتفاق الإبراهيمي يفتح العديد من آفاق التعاون بين دول المنطقة ويخلق التواصل بينها، ويضع أسسا للتعاون الاستراتيجي في مجالات الطاقة والعلوم والاقتصاد في أجندة تنظر إلى المستقبل وتسعى إلى تعزيز التنمية والازدهار بين شعوب المنطقة.
كما بحث الاجتماع تداعيات أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد - 19" وأهمية العمل المشترك من أجل معالجة آثارها وبحث الإمكانات والفرص المتاحة من أجل تحفيز القطاع السياحي.
ورغم تأكيد المشاركين على أن الاجتماع غير موجه لأي طرف، فإن مساعي هذه الدول لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، يجعل أهدافها على أرض الواقع حجر عثرة بوجه أطماع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شرق المتوسط، والسياسات الإيرانية المزعزعة للأمن والاستقرار في المنطقة.
دلالات التوقيت
طرح يؤكده توقيت عقد الاجتماع، والذي يأتي بعد يوم من اشتباك كلامي بين وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ونظيره اليوناني نيكوس ديندياس، على هامش مؤتمر صحفي بينهما في العاصمة التركية أنقرة، الخميس.
واندلع الخلاف بعد تصريحات لوزير الخارجية اليوناني حول أنشطة تركيا للتنقيب عن الطاقة في منطقة شرق البحر المتوسط، ووضع الأقليات في تركيا، واتهامات ديندياس لأنقرة "بانتهاك حقوق السيادة اليونانية".
كما يأتي الأجتماع بعد أسبوعين من توجيه زعماء الاتحاد الأوروبي تحذيرا شديد اللهجة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بشأن وقف الاستفزازات لدول الجوار مثل قبرص واليونان.
ومنذ 2019، اشتد الصراع التركي مع دول الجوار، خاصة اليونان وقبرص، للسيطرة على مياه إقليمية موضع خلاف دولي، بهدف تحويلها إلى مناطق امتياز لأنقرة، وسط ترجيحات بأنها تضم كميات من الغاز الطبيعي الذي تحتاجه أنقرة.
وتقول قبرص واليونان إن مزاعم تركيا البحرية تنتهك سيادتها، وتطالب الاتحاد الأوروبي مرارا وتكرارا بفرض عقوبات اقتصادية على أنقرة.
وتوترت العلاقات بين تركيا، في أحدث تصعيد عام 2020، والدولتين العضوتين في الاتحاد الأوروبي اليونان وقبرص بشأن الحدود البحرية واحتياطيات الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط.
وتتهم أثينا أنقرة بالسعي لافتعال أزمات بمنطقة شرق المتوسط للإيهام بوجود نزاع حدودي على خلاف القانون الدولي الذي يؤكد أحقية اليونان في المنطقة الغنية بالغاز.
كل ما سبق، مرده أن تركيا بلد مستورد شبه كامل للطاقة التقليدية، وتشير بيانات هيئة الإحصاءات التركية في 2019 إلى أن عجز الطاقة في تركيا بلغ أكثر من 41 مليار دولار.
الاجتماع الرباعي في قبرص عقد أيضا بعد ساعات من إعلان رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، الجمعة، أن طهران بدأت تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة، بمنشأة نطنز، تنفيذا لما سبق أن هددت به قبل أيام بشأن اعتزامها البدء بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 بالمئة، الأمر الذي اعتبرته العديد من الدول يشكل "تطورا خطيرا لأن إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب يشكل خطوة مهمة لصنع سلاح نووي"، وخطوة "تخالف أجواء" المحادثات في فيينا لإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني.
مواجهة التحديات
مواجهة تلك التحديات كانت حاضرة بشكل جلي خلال الاجتماع الرباعي، وهو ما وضح في المؤتمر الصحفي الذي عقد قبل الاجتماع.
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي، جابي أشكينازي، في هذا الصدد، إن بلاده "ستفعل كل ما يلزم" لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي.
وأضاف، خلال المؤتمر الصحفي، أن الاجتماع تطرق إلى "العديد من الفرص لبناء الاستقرار في المنطقة، والتحديات التي تواجهها"، ومنها "إيران وحزب الله والجماعات المتطرفة التي تزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط وتهدد السلام"، مشدداً على "أننا سنفعل كل ما بوسعنا لمنع هؤلاء من أن ينجحوا".
وأشار إلى أن "اتفاق إبراهيم يؤكد أن الطريق إلى السلام يتطلب مباحثات"، داعياً الفلسطينيين و"دولاً أخرى، لأن يغتنموا الفرصة التاريخية وينضموا لدائرة السلام".
وبيّن أن الاجتماع الذي "عقد اليوم هو الأول الذي تطرق للاتفاقية الإبراهيمية، مع شركائنا من اليونان وقبرص والإمارات".
وبين أن "هناك شراكة تمتد من الخليج العربي إلى شواطئ البحر المتوسط، لبناء مستقبل أفضل، ولخدمة المنطقة ككل، كما أننا نجد مصلحة مشتركة لمواجهة التحديات التي تواجهها المنطقة".
من جانبه، شدد وزير خارجية اليونان نيكوس ديندياس، على أن الشراكة بين الإمارات وإسرائيل "مهمة جدا لكل المنطقة".
وتابع ديندياس: "اليوم لدينا فرصة لتبادل الرؤى بشأن العديد من القضايا، مثل تطورات شرق المتوسط وليبيا وسوريا واليمن. وفي هذا الإطار لدي فرصة لأعلم زملائي بزيارتي إلى ليبيا في الأيام المقبلة، وهناك سيكون لدي شرط واحد وضعناه، هو سحب كل القوات الأجنبية الموجودة في لبيا، وهو أمر نتقاسمه جميعا".
تعزيز التعاون
تلك التحديات جميعها، تجعل عقد الاجتماع في هذا التوقيت له أهمية خاصة، خصوصا في إطار رغبة الدول الأربع (الإمارات واليونان وقبرص وإسرائيل)، تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، على قاعدة تعزيز المصالح الاستراتيجية الإقليمية بينها.
ومن هناك يكتسب هذا الاجتماع أهميته أيضا من كونه يشكل نواة لمأسسة التحالف بينهم وترسيخ الطابع المؤسسي بانتظام على اجتماعات وزراء الخارجية في البلدان الأربعة.
وفي هذا الصدد أكد وزراء خارجة قبرص واليونان وإسرائيل، والمستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، على أن الاجتماع الأول الذي جمع أربعتهم، الجمعة، يرسل رسالة مفادها "أن مرحلة جديدة دخلتها المنطقة تقودها المصالح المشتركة، لتكون منطقة ازدهار وسلام"، مؤكدين أن الطريق مفتوح للدول الراغبة بالانضمام إليها، بناء على "قاعدة احترام القانون الدولي".
وقال وزير خارجية قبرص، نيكوس خريستوذوليديس في مؤتمر صحفي مشترك، إن الاجتماع "له أهمية رمزية"، كونه "اجتماعا بين دول لديها عقلية واحدة، يأتي بعد الاتفاق التاريخي بين الإمارات وإسرائيل".
وتابع: "اجتماعنا هنا يرسل رسالة بأن مرحلة جديدة دخلتها منطقتنا، تقودها المصالح المشتركة للمنطقة، لتكون منطقة ازدهار وسلام، من خلال التعاون بين كل الدول".
مؤكدا تناغم وجهات النظر بين الدول الأربع ورؤيتهم الموحدة في معالجة ملفات المنطقة، قال وزير خارجية قبرص: هذا الخطاب "تكتبه الدول التي لديها عقلية واحدة وأجندة إيجابية، وليست موجهة ضد أي دولة، لنعزز رؤية التعاون والسلام والاستقرار والرفاهية في المنطقة".
وتابع: "التعاون الإقليمي يحقق نتائج معتبرة في العديد من المجالات، كالدفاع والعلوم والأمن والبيئة والتنمية.. ودعامة التعاون بيننا هو الاتفاق التاريخي بين إسرائيل والإمارات.. هذه الخطوة التاريخية تفتح فصلا جديدا في المنطقة".
وقال: "من خلال التعاون نسعى لأن يكون هناك منتدى إقليمي للأمن، مبني على أجندة وبرنامج إيجابي.. والطريق مفتوح لكل دول المنطقة للانضمام إلينا، وهذا ما نتطلع إليه".
وشدد خريستوذوليديس على أن "الشرط الوحيد للانضمام"، هو "احترام الجيران وعدم التدخل بشؤون الدول الأخرى، واحترام سيادتها، واحترام القانون الدولي، والحل السلمي للنزاعات".
كما تناول المشاركون بالاجتماع، مواجهة فيروس كورونا، وسبل التعاون في العديد من المجالات، مثل "الطاقة والحماية المدنية والدواء والطب والتواصل بين الشعوب".
الرؤية الإماراتية
الرؤية الإماراتية لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، أبرزها المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، الدكتور أنور قرقاش، الذي أكد أن الاجتماع "كان فرصة لتبادل الرؤى بشأن التعاون على أعلى المستويات بين دولنا، وتحقيق الاستقرار الإقليمي وضمان الأمن وتطور الاقتصاد في كل المنطقة".
وأكد قرقاش أن الإمارات "تؤمن بأن إجراء مثل هذه الحوارات يعزز العلاقات بين دولنا، ويصل بنا لمستوى أكبر من الفهم والتعاون إزاء التحديات التي تواجه منطقتنا".
وأكد أيضا أنه "بمشاركتها في الاجتماع، تريد دولة الإمارات أن تنضم للجهود لدعم الاستقرار بالمنطقة، وأن تؤكد على أن الحلول السياسية هي السبيل لإنهاء الأزمات بالمنطقة".
وقال: "نؤكد التزامنا بالعمل معا لإعادة الاستقرار للمنطقة وتحقيق الرفاهية لشعوبها.. سنستمر في نفس الطريق لتعزيز شراكتنا من خلال الحوار الإيجابي".
aXA6IDUyLjE0LjYuNDEg
جزيرة ام اند امز