المحاصصة كمصطلح سياسي هي تقسيم مفاصل الحكم التنفيذية وحقائبها المرتبطة بالسيادة على عدد من الفصائل المتنافسة.
لا أعرف نظام حكم قام على المحاصصة السياسية في العالم يشار إليه على أنه النموذج الأمثل للحكم وإدارة شؤون الدولة، خاصة في المنطقة العربية، وهذه ليست مبالغة.. لأنها من الآخر.. "ترضية" أو "تسوية" ويفترض أن يقبل الطرف الذي يرى أنه مظلوم بتلك الترضية على حساب آخر أو آخرين ويستمتع بما "استحقه بالتراضي" أمام الجميع كنوع من رد الاعتبار.. المهم أن كل هذا يفترض أن يكون مؤقتاً!!
المحاصصة كمصطلح سياسي هي تقسيم مفاصل الحكم التنفيذية وحقائبها المرتبطة بالسيادة على عدد من الفصائل المتنافسة، وقد يكون ذلك التنافس تناحراً واقتتالاً، دوافعه إما دينية أو عرقية أو أيديولوجية، تقسم المراكز القيادية في هذا النوع من أنظمة الحكم بناء على القوة العسكرية في المقام الأول، ولذلك تجد من يتصدر مشهد المحاصصات في هذه البلدان هم أمراء الحرب وقادة الفصائل العسكرية أو من ينوب عنهم بغطاء سياسي.
في تقديري فإن المحاصصات السياسية أيا ما كان منطلقها فإنها لا تقدم حلا مستداما لأزمات الحكم في البلدان التي تشهد اقتتالا على السلطة.. لن تتعدى فائدتها أعواما ثم بعد أن يهدأ الجميع معدودات ثم ستظهر جوانب ضعفها التي سيستغلها من سعى للفتنة وقتل الأبرياء من أجل اعتلاء كراسي السلطة واقتسام ثروات الشعب.
والملاحظ أن هذا النوع من أنظمة الحكم لم يصل إلى الواجهة في بلد إلا بعد أن أزكمت رائحة الموت الأنوف وبلغ السيل الزبى.. فيجلس "الزعماء" المتقاتلون إلى الطاولة ليقتسموا "الغنائم" بناء على قوة كل منهم.. ولكن بدلاً من أن يكون ذلك مؤقتاً فإنه يأخذ صفة الديمومة المشرعنة، وفي حالات قد يكون ذلك مبنياً على أسباب عقلانية تشجع المقتتلين على إلقاء السلاح، على أمل الوصول إلى دساتير أكثر مرونة وأكثر عدلاً واستدامة.
المضحك المبكي في آن معاً، أن من يجدون طريقهم إلى "حصتهم" من كعكة الحكم فإنهم يفعلون المستحيل للتمسك بها، ولذلك نجدهم يتفننون في تطوير أساليب التحايل على الرأي العام، يطوعون الاتفاقيات والقوانين - التي أوصلتهم إلى الواجهة - بهدف تفعيل محاصصات ترضية مؤقتة.. يعملون جاهدين يوماً بعد آخر لإقناع الرأي العام المحلي بأن هذا هو السبيل الوحيد لحقن الدماء.. إما هم أو الفوضى والموت.. أسلحتهم في سبيل ذلك الإقناع مشهرة.. وإن تطلب الأمر إزهاق بعض الأرواح لإضفاء جدية على ألاعيبهم فذلك وارد دوماً.. يختار الشارع حقن الدماء على مقارعة "السياسيين الفاسدين" فيظهر الأمر للرأي العام الدولي وكأنه رضاء تام ومباركة شعبية.
في تقديري فإن المحاصصات السياسية أياً ما كان منطلقها فإنها لا تقدم حلاً مستداماً لأزمات الحكم في البلدان التي تشهد اقتتالاً على السلطة.. لن تتعدى فائدتها أعواماً ثم بعد أن يهدأ الجميع معدودات ثم ستظهر جوانب ضعفها التي سيستغلها من سعى للفتنة وقتل الأبرياء، من أجل اعتلاء كراسي السلطة واقتسام ثروات الشعب.
ولا شك في أن كساد بضاعة الطائفية التي بيعت طوال ثلاثة عقود مقابل محاصصة الحكم هي السبب فيما نراه اليوم من صحوة في المشهد الحالي في لبنان، الذي يمر بنفس ما مر به السودان من اقتتال قائم على الولاء لتنظيم الإخوان الدولي والسماح لأحزاب الولاء الإخواني دون غيرهم من الحصول على حصة من كعكة السلطة، وكذلك الحال في العراق التي تغذي إيران فيها الطائفية ليل نهار، وليبيا التي تعاني شر الفتنة التي يغذيها أردوغان، اليمن كذلك واحد من الأمثلة على فشل المشروع الطائفي الإيراني.
ولعل الرابط الوحيد الملاحظ بين مشاكل هذه الدول هو الطائفية الدينية أو المذهبية.. التي استغلها تجار الدين وسوقوها كالمخدرات التي تمنح متعاطيها شعوراً مؤقتاً بالراحة.. ثم مع انتهاء مفعولها تجده يبذل ما استطاع ليحصل على الجرعة التالية.. ثم بعد مدة يبحث عن مخدر جديد سمع عنه وهكذا.. وهذا التشبيه يتقاطع مع وصف الفيلسوف الألماني كارل ماركس للدين من حيث خطورة ربط الدين بالسياسة كوسيلة لتحقيق أغراض سياسية دنيوية على أرضية مبدأ الدبلوماسي الإيطالي ميكيافيلي "الغاية تبرر الوسيلة" بينما الدين أسمى وأنقى من أن يلحقه أذى السياسة التي هي فن المناورة وفن الممكن.. بل إن جميع الأديان السماوية تدعو للعدل والإحسان.. بعكس ما يمارس باسم الدين اليوم من قتل وترويع وظلم.
الجديد اليوم أن مراجع المذاهب الموجودة اليوم في المشهد العراقي يدفعون بأفكار سياسية جديدة لتسويقها بديلاً عن النظام الذي شرعنوا له دينياً وهددوا من يخالفهم.. جيداً أن يعترفوا بخطئهم وأن ينبذوا أجندة نظام الملالي.. لكن غير الجيد أن يتحدثوا بحديث لا يريده الشارع.. كأن يلمحون إلى تعديل النظام الانتخابي ويغضون الطرف عن أساسه السياسي.
الشعب العراقي يطلب ببساطة أن يحكم بواسطة تكنوقراط قادرين على إدارة شؤون البلاد وإيجاد حلول حقيقية لما يعانيه هذا البلد العريق الذي يتمتع بخيرات ينهبها السياسيون ليل نهار وبالقانون.. لا أن تبقى نفس الأوجه لتعيد تصدر المشهد وتستمر في استنزاف خيرات البلاد.
الأمر ليس بالصعب.. لينظر الجميع إلى البلدان المستقرة في المنطقة العربية وفي الغرب وحتى في الشرق.. ما هو العامل المشترك في استقرارها وتقدمها.. إنهم التكنوقراط.. نعم، كلمة السر هي التكنوقراط.
الكفاءات التي لا هم لها إلا خدمة الإنسان والوطن.. من يبحث عن مصلحة بلاده سيتخلى عن كل المصالح السياسية والشخصية، ويعمل على تكريس سيادة القانون، وسيفعل المستحيل لأن ينعم الإنسان بخيرات بلده.. لا أن يقتل شبابه الباحث عن لقمة العيش باسم الله أو باسم الحزب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة