المنطقة قلقة مع شدة ماراثون البيت الأبيض وخاصة في حال فوز جو بايدن، وخلفيته السياسية، نائبا لأوباما
يجري السباق الانتخابي الرئاسي إلى البيت الأبيض في الوقت الذي تزداد فيه الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصحية في الواقع الأمريكي، وسيقرر الناخبون في الثالث من تشرين الثاني المقبل ما إذا كان دونالد ترامب سيبقى في البيت الأبيض لأربعة أعوام أخرى أم لا، ورغم وعود المرشحين الكثيرة حول إيجاد حلول للمشاكل المتعددة إلا أن التنافس الشديد بلغ ذروته بين ترامب وبايدن، ذلك ما يؤكد الحماسة الزائدة والتنافس الشديد بين المرشحين الجمهوري والديمقراطي حتى في عملية جمع التبرعات لمصلحة مرشحي الحزبين.
النظام السياسي الأمريكي عمل كأوليغاركية تحكمها النخب وشركاتها، وأدارت النخب الغنية والمرتبطة بشكل قوي دائماً بتسيير دفة البلاد، بغض النظر عما إذا كان ذلك ضد إرادة غالبية الأمريكان، وبصرف النظر عن الحزب الذي كان يحكم البيت الأبيض أو الكونجرس، وبذلك يبدو التأثير المستقل للمواطنين العاديين بسيطاً أو لا يذكر.
تبدو الأجواء أكثر قلقاً بالنسبة للمنطقة العربية في حال فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، وعلى الأخص في ظل خلفيته السياسية، مرشحاً للحزب الديمقراطي ونائباً للرئيس السابق باراك أوباما، بما يعني أنه يحمل رؤى مناقضة لتوجهات ترامب في كثير من القضايا نحو الدول العربية، وبخاصة حِيال تصوراته لشكل العلاقة مع الشركاء العرب، والتي سبق أن شارك في صياغتها وتحمل الكثير من السيناريوهات.
وفي صفوف الديمقراطيين بعض الساسة الذين يعلنون الحروب، على سبيل المثال تدخلات الرئيس باراك أوباما في سوريا وليبيا، لكن في مجمل الأمر نجد أن الحزب الديمقراطي أقل ارتباطاً بمزاعم الهيمنة الأمريكية من القاعدة الإنجيلية للحزب الجمهوري.
ومهما كانت نتائج الانتخابات الرئاسية فستواجه الإدارة الأمريكية تحديات كبيرة تهدد مصالحها في المنطقة، وتباينت الكيفية التي تعاملت بها سابقاً مع هذه المهام إلى حد كبير، والرئيس المقبل لا بد أن ينشغل بتحديات واسعة النطاق مثل كبح طموحات إيران النووية وسعيها للهيمنة، وإدارة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتحقيق الاستقرار في ليبيا والعراق، والحد من الهيمنة الإيرانية والروسية في المناطق السورية.
سياسة الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص إسرائيل وفلسطين تكاد تكون واحدة، فالحفاظ على علاقة متميزة مع إسرائيل تعد مصلحة وهدفاً أمريكيًّا دائماً، ولا يعتقد أن بايدن سيلجأ إلى إغلاق السفارة الأمريكية في القدس، فالقرار متخذ في الأوساط الأمريكية منذ عام 1995م، وأن الإدارات المتعاقبة جمدت تنفيذه، وترامب نفذ القانون فقط، لذلك فإن إغلاقها يحتاج إلى قانون آخر وإلى سنوات لإقراره، ورغم أن بايدن مختلف عن ترامب إلا أن موقف الإدارة الأمريكية واضح من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حتى لو فاز بايدن سيعود إلى سياسة إدارة الصراع، مع انحياز كامل لإسرائيل في مخططاتها، لاسيما وأن المصالح المشتركة والاستراتيجية الأمريكية تلزم الرئيس الأمريكي أيًّا كان بدعم إسرائيل، بحيث يبقى الفارق بينهما ليس حاسماً والولايات المتحدة تلعب دوراً كبيراً في القضية الفلسطينية، ومن الضروري التفاوض معها بحكمة وصولاً إلى تطبيق القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة.
الولايات المتحدة جادة في تهديد إيران، ولا يمكن لبايدن التفريط في هذه الاستراتيجية بسهولة، ومن المتوقع أن يمزج في سياسته المحتملة تجاه إيران بين فرض القوة واللجوء إلى العقوبات، والتوقعات المثيرة أيضاً للجدل عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي بقضايا أخرى كبرنامج إيران للصواريخ الباليستية ودعمها للعديد من المليشيات المسلحة المزعزعة للأمن والاستقرار في المنطقة، خاصة أن الدول الأوروبية الأطراف في الاتفاق النووي تدعم هذه الرؤية التي تربط بين الاتفاق النووي وبين سياسات إيران المثيرة للقلق والاضطراب في المنطقة.
وتفضل الصين ألا يفوز الرئيس ترامب، وتوسع جهود التأثير قبل التصويت، وتعتزم إقامة علاقات واسعة مع دول منطقة أمريكا اللاتينية وتتطلع إلى بناء علاقات قوية مع أجزاء أخرى من العالم، وقد ينهض الاقتصاد الصيني على مستوى عالٍ بعد الجائحة، ودون أدنى شك فإن بكين تتجه اقتصاديًّا وسياسيًّا نحو أمريكا اللاتينية وأصبح اتجاهاً متزايداً، لأن هذا يعني أن الصين ستمارس الهيمنة، في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين واشنطن وبكين توتراً منذ سنوات خاصة مع تبني إدارة الرئيس ترامب نهجاً متشدداً إزاء التعامل مع الصعود المتنامي للصين على الساحة الدولية.
وبعض الجهات الفاعلة الأخرى المرتبطة بروسيا تسعى أيضاً إلى دعم ترشيح ترامب عبر وسائل التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية، وإيران تحاول تقويض ترامب والمؤسسات الديمقراطية الأمريكية وتقسيم البلاد قبل التصويت من خلال نشر معلومات ومحتوى مناهض للولايات المتحدة عبر الإنترنت، وجهود الإيرانيين مدفوعة جزئيًّا بالاعتقاد بأن فترة ولاية ثانية للرئيس ستؤدي إلى استمرار الضغط عليها، في محاولة للتحريض على تغيير النظام.
وبالمطلق، ينبغي على العرب ألا يعوّلوا على الإدارة الأمريكية لحل قضايا المنطقة وما ينتابها من تدخلات أضرت بالمصلحة القومية، وبخاصة مع نفور الشعب الأمريكي من قضايا الشرق الأوسط، والرأي العام الأمريكي السائد يأمل بتأمين نظام صحي قومي حقيقي يمكن السير عليه ضمن المؤسسات الاجتماعية والشركات الاقتصادية وتأمين فرص عمل وتخفيض العجز الاقتصادي، وفي اللحظات الأخيرة ربما تطرأ مفاجآت انتخابية، وتأخذ منحى جديداً حيال سياسة الرئيس ترامب، والمؤشرات توضح مع اقتراب إعلان فوز أحدهما أن كل الثوابت التي كانت تتحكم بالانتخابات سقطت وزالت في هذه الظروف الحرجة التي تمر على الولايات المتحدة، والأمريكيون يعانون قلقاً حياتيًّا دائماً وهم على الدوام ميالون للتجديد لرئيس قد انتهت ولايته، ولنرتقب ماذا تحمل الساعات المقبلة في طياتها من تطورات انتخابية مذهلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة