التوقعات من مؤتمر الأمم المتحدة "كوب 26" للمناخ تكاد تكون بلا سقف. لأن الأزمة التي تواجه كوكب الأرض هي نفسها بلا سقف، أو أنها بعبارة أخرى سوف تؤدي إلى اقتلاع كل سقف، إذا ما ارتفعت حرارة الأرض درجة مئوية واحدة أخرى.
وحدها المبادرات الجذرية هي التي يمكنها أن توفر السبيل لإنقاذ هذا الكوكب من نقطة اللا عودة. والوقت بحسب تقديرات خبراء المناخ قصير للغاية. إنه عمر جيل واحد، يولد اليوم وقد ينتهي بمأساة شاملة غدا.
مبادرة الإمارات لبلوغ الحياد الكربوني بحلول عام 2050، ومبادرتا "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر" اللتان أطلقهما ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تتسم بالجذرية التي لا يمكن من دونها بلوغ الهدف المنشود. وما يزال الأمل معقودا على أن تنحو دول العالم الأخرى، وخاصة منها الأكثر تلويثا للمناخ، المنحى نفسه، بسلسلة من الإجراءات العملية التي تدعم خيارات الطاقة البديلة وتطوير التكنولوجيات التي تعتمد على استخدام غاز الهيدروجين، وغيرها من الخيارات الخضراء في الاستهلاك العام للطاقة.
وفي حين أن الطاقة النووية ما تزال خيارا جديرا بالاعتبار، فإن مخاطر التلوث الناجمة عنها، ليست مما لا يمكن السيطرة عليه.
المشكلة الرئيسية التي تواجه التوقعات هي أن الدول الأكثر تلويثا للمناخ لم تحقق ما كان مطلوبا منها منذ إقرارها وثيقة مؤتمر باريس للمناخ التي انعقدت في عام 2015.
ما تحقق هو فقط 12% من التزامات خفض الغازات الدفيئة التي كان من المفترض أن تبلغ 45%.
تكرار هذا الفشل سوف يكلف الكثير. بل إنه سوف يجعل الفرصة تفلت مرة وإلى الأبد، حيث لا يعود بالإمكان تعويض الأضرار التي سوف تلحق بمختلف أنماط التنوع الحياتي في البر والبحر على حد سواء.
ما من حاجة، أكثر مما يشير إليه الواقع، للاعتراف بأن البشرية منذ أن أحدثت ذلك الثقب الشهير في طبقة الأوزون، وهي تواصل الإخلال بالموازين. وظل التدهور يتواصل حتى تكاد أجزاء متفرقة من العالم لا تنتهي من إعصار أو حرائق حتى تجد نفسها في آخر. وهذا هو الحال في الولايات المتحدة منذ أكثر من ثلاثة أشهر متواصلة.
ولربما أحدثت الفيضانات في أوروبا، وخاصة تلك التي جرفت عدة قرى في ألمانيا وهولندا والنمسا، ما يكفي للقول إن مخاطر التقلبات المناخية لم تعد حصرا على الطرف الآخر من العالم الذي ظل لعدة سنوات يحصد آثار ارتفاع درجة حرارة الأرض.
المشاهد المروعة التي تذيب جليد القطبين، ليست هي وحدها التي يتعين أن تصيب بالدهشة والذهول. ولا اضطرابات التقلبات الحادة بين جفاف وفضيان. ذلك أن انعدام الاستقرار المناخي الذي يدمر الزراعة، ويرفع مستويات البحار ليهدد بغرق مساحات ضخمة من السواحل المأهولة، ويؤدي إلى تشريد عشرات الملايين "230 مليون بحسب تقديرات البنك الدولي"، هو الذي يتعين أن يدفع كل دول العالم إلى أن تبحث عن سبيل لاتخاذ إجراءات عملية عاجلة، لكي تبلغ الحياد الكربوني بالسرعة المطلوبة في غضون الثلاثين عاما المقبلة.
ثلاثون عاما من التطور التكنولوجي ليست زمنا قصيرا. لقد حققت البشرية في الثلاثين عاما الماضية ما يكاد يبلغ مستوى المعجزات، في مختلف مجالات العلوم.
صحيح أنها، على الوجه الآخر، أدت إلى ارتفاع إنتاج الغازات الدفيئة، إلا أنها بمعناها المجرد أكدت أن البشرية قادرة على مواجهة التحدي، بذات القدرة العبقرية على ابتكار الحلول.
ومثلما كانت الدوافع الاقتصادية هي السبب الرئيسي وراء الزيادة المتسارعة في استهلاك مصادر الطاقة، فإن المنافع الاقتصادية لصناعة البدائل هي نفسها دوافع جديرة بالملاحقة. بل ويمكنها أن تكون مصدر تنمية وثراء أكثر استدامة مما عرفناه في منقلب "الثورة الصناعية".
مؤتمر الأمم المتحدة الذي سينعقد في جلاسكو بين 31 من الشهر الجاري وحتى 12 نوفمبر المقبل، لا بد أن يقدم أدلة قاطعة على الاستعداد لدخول منعطف في العلاقة بين الاقتصاد والمناخ. الجميع يعرف، على أي حال، أنه الفرصة الأخيرة.
والجذرية، التي لطالما كانت تثير التحفظات، صارت هي وحدها الحل، لمواجهة تهديد هو نفسه جذري بما لا جدال فيه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة