قبل أيام نشرت الصحف البريطانية ما يفيد انتقاد الملكة إليزابيث الثانية عدم جدية قادة العالم في التعامل مع تحديات المناخ.
ورغم هذا الانتقاد يبدو أن قمة جلاسكو القادمة قد تنطوي على بداية مرحلة جديدة تبعث آمالا بمستقبل مستدام للأرض تتبلور ملامحه خلال عقود، وربما في منتصف المئوية الأولى للألفية الثالثة.
لا تزال الطريق طويلة نحو تجاوز التحديات البيئية، التي تواجه الحياة على كوكب الأرض، ولكن التوقعات تشير إلى أن قمة جلاسكو للمناخ ستشهد ولادة خطط واقعية نحو وقف الانبعاثات الكربونية السامة ومعالجة أشكال التلوث الصناعي المتعددة، وعندما توضع الخطط في حيز التنفيذ يصبح لكل خطوة فائدة، ولكل قرار جدوى.
قمة المناخ تُعقد بمدينة جلاسكو الاسكتلندية مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل بحضور مائة وعشرين قائدا عالمياً، وتوصف القمة بـ"الفرصة الأخيرة" لمواجهة تحديات باتت أقرب من أي وقت مضى، والدلائل على هول تجاهلها واضحة، وما حرائق الغابات، وفيضانات الأمطار والأنهار، إلا جزء يسير منها.
قبيل القمة، وخلال منتدى الاستثمار العالمي في لندن مؤخراً، أعلنت بريطانيا عن "ثورة خضراء" تصل بها إلى المستوى "صفر" في الانبعاثات الكربونية عام 2050.
هذه الثورة جمعت حتى الآن استثمارات تفوق عشرة مليارات دولار كمرحلة أولى، ومن بين الراغبين في الانضمام إليها مؤسس شركة "مايكروسوفت" بيل جيتس.
لكن ثمة انتقادات داخلية عدة وُجهت لهذه الثورة، وذلك لا ينفي أهميتها أو حاجة بريطانيا إليها، فقد كشف تقرير بيئي حديث أن مواصلة حرق الوقود الأحفوري ستجعل التساقط المطري في المملكة المتحدة أكثر غزارة وضراوة، لترتفع مستويات سطح البحر وتُغرق مئات الآلاف من المنازل، وهذا يكلف شركات التأمين خسائر تفوق بكثير كلفة خطة "الثورة الخضراء"، التي تتطلع إليها الحكومة.
بريطانيا ليست وحدها مَن استبقت قمة جلاسكو بالإعلان عن خطة بيئية طموحة، إذ جاءت دولة الإمارات العربية المتحدة كأول دولة خليجية تعلن سعيها للحياد الكربوني، الذي تنوي بلوغه عام 2050، أما رؤيتها لذلك فقد وُضعت قبل سنوات، وتقوم على أسس عديدة، جميعها تقود إلى تنويع موارد الاقتصاد وحماية التنوع البيولوجي والحفاظ على النظم البيئية، وقبل كل هذا لا أحد ينسى أن الإمارات تحتضن مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، وأنها أول دولة تبني مدينة مستدامة وفي قلبها جامعة تختص فقط بأبحاث الحياة الخضراء.
أيضا المملكة العربية السعودية تلمع أنشطتها في هذا المجال، فقبل أيام من قمة المناخ أعلن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، نية بلاده استثمار أكثر من مائة وثمانين مليار دولار للوصول إلى الحياد الكربوني عام 2060.
المملكة البحرينية كذلك أعلنت سعيها إلى الحياد الكربوني في 2050، فانضمت إلى السعودية والإمارات ونحو مائة وأربعين دولة حول العالم لديها الهدف ذاته.
وقد تحتاج دول في عالم اليوم إلى خطوات أكثر وأكبر من دول أخرى للوصول إلى ذلك الهدف المنشود لحماية بيئة الأرض، ولكن رفاهية التأجيل لم تعد متاحة، فمخاطر البيئة باتت حاضرة في وعي شعوب العالم، ولم يعد يُنظر إليها كمبالغات لا تمت للواقع بصلة.
الفضل في الإدراك الشعبي البيئي يعود للطبيعة أكثر بكثير من حملات التوعية الخجولة والإجراءات المتواضعة، التي قامت بها دول العالم في هذا المجال، فالكوارث الطبيعية التي ألمت بالكوكب خلال السنوات الخمس الأخيرة أثبتت للبشر أن ما كان يحذر منه العلماء ويخشاه العاملون في القطاع البيئي لم يكن وهماً.
قمة جلاسكو للمناخ ستُجري أول مراجعة لما أنجزه اتفاقية باريس للمناخ، المبرمة عام 2015.
وقد كان من المقرر أن تتم هذه المراجعة العام الماضي، أي بعد مرور خمس سنوات من توقيع اتفاقية باريس، ولكن جائحة كورونا حالت دون ذلك.
لن يكون الأمر مفاجئا عندما تظهر النتائج غير مطابقة للأهداف التي وُضعت، فقد كشف تقرير أممي في شهر فبراير/شباط الماضي، أي قبل تسعة أشهر من انعقاد قمة جلاسكو، أن الجهود الدولية لمكافحة التغير المناخي بشكلها الراهن لن تؤدي إلا لتراجع الانبعاثات الكربونية بنسبة 1% عام 2030 مقارنة بـ2010.
ينتظر العالم من قمة جلاسكو قرارات جريئة وحاسمة وجدولا زمنيا محددا لإنقاذ كوكب الأرض، كما ينتظر حلولا لإشكاليات بقيت عالقة منذ مؤتمر باريس للمناخ، وعلى رأسها تلك الخلافات المتعلقة بكيفية تحميل الدول كلفة انبعاثاتها الكربونية، وفي ذات الوقت مكافأة "الدول الخضراء" على جهودها في خفض السموم عالمياً.
صحيح أن جائحة كورونا أسهمت في تأجيل انعقاد هذه القمة الدولية لمراجعة ما فعلته البشرية بيئيا منذ 2015، كما أسهمت أيضا في تقليص الإنفاق على بعض خطوات مواجهة التلوث، ولكنها في الوقت ذاته قلّصت حجم الانبعاثات الصناعية لأشهر طويلة، كما كشفت أمام الدول والشعوب سبلا لم تكن معروفة في تقليص رقعة الفوضى البيئية، التي كنا نعيشها قبل عام 2020.
الجائحة جعلتنا نعيد النظر في العديد من البدهيات التي كنا نمارسها وتضر بالبيئة وتهدد استدامة كوكبنا.. فهل يحتاج البشر إلى كل هذا السفر البري والجوي والبحري من أجل أعمالهم؟ هل يمكن الحد من استخدام الوقود وإنجاز بعض الأعمال من المنزل؟ هل يمكن للبشر أن يعيدوا النظر في كل هذا التمدد العمراني والتوسع الصناعي، اللذين يأتيان على موارد الطبيعة ويزيدان استهلاك الوقود الأحفوري؟
هي بعض من أسئلة كثيرة ستكون حاضرة على طاولة المؤتمرين في جلاسكو.. والأيام التي ستجمعهم للبحث عن إجابات لن تبارحها أنظار العالم أجمع.. فإما أن نشهد تصاعد الدخان الأبيض فوق المدينة الاسكتلندية في نهاية قمة "كوب 26"، أو يواصل العالم إحصاء خسائره المادية والبشرية بفعل الكوارث الطبيعية.
تقول تقارير مختصة إن البشرية خسرت فقط خلال النصف الأول من 2021 أكثر من 77 مليار دولار بسبب الكوارث الطبيعية، أما ما تكبدته من خسائر في الأرواح فهذا لا يقدر بثمن ولا يُحتسب بالأرقام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة