اجتياح رفح.. هل يرضخ نتنياهو لـ«بدائل» بايدن؟
هل يمكن أن تقبل إسرائيل بـ«بدائل» تطرحها أمريكا وتقول إنها كفيلة بهزيمة حركة حماس في رفح دون عمليات برية كبيرة؟
على الأرض، لا شيء يوحي بذلك، فالجيش الإسرائيلي يبدو ماض -أو على الأقل هذا ما يحاول الإيحاء به- في عملية الاجتياح مع دفعه السكان والنازحين بالمدينة التي تعتبر آخر ملاذ للفلسطينيين بقطاع غزة، لمغادرتها.
لكن، رغم ذلك، لا يزال خبراء يعتقدون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد يضطر لتطبيق مقترح واشنطن، وذلك لأسباب عديدة، منها إدراكه لتكلفة الغضب الأمريكي، وثانيا ليقينه أن الاجتياح لن يفعل شيئا أكثر من أن يفاقم حدة الغليان الداخلي والدولي ضده.
والمؤكد في كل ذلك، أن نتنياهو يسعى بكل جهده لربح أكثر ما يمكن من الوقت، لأنه يعرف أن نهاية حرب غزة ستكتب نهايته السياسية وستخرجه من الباب الصغير بغض النظر عن نتائج النزاع.
أوامر إخلاء
نحو 30 ألف شخص يفرون "يوميا"، وفق الأمم المتحدة، من رفح إلى أماكن أخرى يسودها الدمار في قطاع حولته الحرب المستمرة منذ أكثر 7 أشهر إلى مساحة خالية من معالم الحياة.
سيناريو يتكرر مع كل يوم في ظل أوامر إسرائيلية بالإخلاء، وهذا ما حدث اليوم السبت أيضا، حيث دعا الجيش الإسرائيلي إلى إخلاء مناطق جديدة في شرق رفح وشمال قطاع غزة.
وقال المتحدث باللغة العربية باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، في بيان عبر منصة إكس، إن الجيش أصدر اليوم أوامر للسكان في المزيد من مناطق مدينة رفح بقطاع غزة بالإخلاء والتوجه إلى "المنطقة الإنسانية الموسعة" في المواصي.
ودعا السكان والنازحين في مخيمات رفح والشابورة والأحياء الإداري، والجنينة وخربة العدس في بلوكات 6, 7, 8, 9, 17, 25, 26, 27 و 31 إلى إخلائها فورا، كونها "مناطق قتال خطيرة"، بحسب البيان.
والمواصي التي أمر الجيش الإسرائيلي بالانتقال إليها، رغم ما أعلنه عن توسعات إنسانية فيها، سبق وأن حذرت وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين الأممية (الأونروا) من أنها "غير صالحة للعيش"، ما ينذر بكارثة إنسانية.
وتقع المواصي على الشريط الساحلي للبحر المتوسط، وتبعد عن مدينة غزة نحو 28 كيلومتراً، وتمتد على مسافة 12 كم بعمق كيلومتر واحد، من دير البلح شمالاً، مروراً بخان يونس جنوباً، وحتى بدايات رفح أقصى الجنوب.
وأمس الجمعة، قال رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في غزة جورجيوس بتروبولوس "تأثر بأمر الإخلاء الأخير الذي أصدرته الحكومة الإسرائيلية والمرتبط بالعملية العسكرية في غزة حتى الآن 110 آلاف شخص أو أكثر نزحوا شمالا".
وأضاف بتروبولوس خلال المؤتمر الصحفي الدوري للأمم المتحدة في جنيف، أن "معظم هؤلاء الأشخاص اضطروا للنزوح خمس أو ست مرات" منذ بداية الحرب. بعضهم توجه إلى خان يونس المدمرة على بعد كيلومترات قليلة إلى الشمال، بينما كان آخرون يتساءلون إلى أين يذهبون.
ورغم إعادة فتح معبر كرم أبو سالم الأربعاء بعد إغلاقه ثلاثة أيام بسبب إطلاق صواريخ وفقا لإسرائيل، لا يزال إيصال المساعدات "شديد الصعوبة"، بحسب ما قال أندريا دي دومينيكو رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في الأراضي الفلسطينية لفرانس برس.
بدائل أمريكية؟
يعتقد خبراء أنه لا خيار فعلي أمام نتنياهو سوى اللجوء إلى تطبيق المقترح الأمريكي في رفح، ما يعني أن أوامر الإخلاء والتلويح المستمر بالاجتياح ليست سوى وسيلة لكسب الوقت وتحسين شروط التفاوض وحفظ ماء الوجه.
فنتنياهو يدرك أن اجتياح المدينة مع ما قد يترافق معه من مجازر بصفوف المدنيين سيكتب السطر الأخير في علاقته بواشنطن، أكبر حلفائه، ليس رأفة بالمدنيين الفلسطينيين، ولكن لأنهم كانوا -ولا يزالون- محور تحقيق المكاسب السياسية لبايدن في معركته بانتخابات الرئاسة.
وليس ذلك فقط، بل إن تعليق واشنطن مؤخرا إرسال شحنة قنابل لإسرائيل وتحذيرها من تجميد أخرى لن يمر دون دراسة معمقة من تل أبيب التي لن تغامر بأي حال بخسارة الدعم الأمريكي.
وفي قراءته للموضوع، قال المحلل الإسرائيلي يوني بن مناحيم، إن "الفكرة الإسرائيلية الأساسية كانت إجلاء المدنيين من رفح إلى مناطق آمنة، ومن ثم القيام بعملية عسكرية واسعة في المدينة للقضاء على ما تبقى من كتائب لحركة حماس، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية اعترضت على هذه العملية".
وأضاف بن مناحيم في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "البديل الذي اقترحته الولايات المتحدة الأمريكية هو عمليات مداهمة وضربات محدودة ودقيقة لمناطق معينة بناء على معلومات استخبارية موثوقة، وهو ما يجري القيام به فعليا في رفح الآن".
وتابع: "بطبيعة الحال فإن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو كان يلوح بعملية عسكرية واسعة، وقال في أكثر من مناسبة إن هذه عملية هي التي ستضمن لإسرائيل النصر الكامل في الحرب".
ومساء الخميس، قال منسق الاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض، جون كيربي، إن الإدارة الأمريكية اقترحت على الإسرائيليين "بدائل" لهزيمة حماس في رفح لا تتضمن عمليات برية كبيرة.
وأوضح كيربي أن الرئيس بايدن لا يريد لإسرائيل أن تستخدم أسلحة معينة في مناطق معينة، مشيرا إلى أن "العملية التي نفذتها إسرائيل في رفح كانت محدودة، وتهدف لمنع تهريب حماس أسلحة وأموالا إلى غزة".
وتابع أن موقف واشنطن من إسرائيل بشأن رفح سيعتمد على القرارات التي ستتخذها تل أبيب بهذا الشأن، مؤكدا أنها تتفق مع الإسرائيليين في ضرورة إلحاق هزيمة دائمة بحركة حماس.
من جانبها، نقلت صحيفة "بوليتيكو" عن مسؤولين في البيت الأبيض قولهم إن معارضة بايدن لاجتياح إسرائيلي واسع النطاق لرفح ثابتة منذ أشهر.
وبرروا قرار حجب ذخائر عن إسرائيل بأن حركة حماس لم تعد تشكل تهديدا كبيرا بعد ما يزيد عن 7 أشهر من الحرب.