«درع رافال».. هل تصطدم فرنسا وروسيا في سماء بولندا؟

لحظة فارقة في اختبار التوازن الأوروبي بـ«الناتو» وتصعيد المواجهة مع روسيا، يشكلها قرار نشر مقاتلات فرنسية لحماية أجواء بولندا.
هكذا يحذر خبراء في الشأن الأوروبي والدولي من إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قرار نشر ثلاث مقاتلات رافال لحماية الأجواء البولندية، في خضم أزمة مستعرة بين وارسو وموسكو.
وتتهم بولندا روسيا باختراق مجالها الجوي عبر مسيرات، فيما تنفي موسكو ذلك واصفة الاتهامات بـ«الخرافات».
ويعتبر خبراء، في أحاديث متفرقة لـ«العين الإخبارية»، أن الخطوة تمثّل لحظة فارقة في اختبار التوازن بين التضامن الأوروبي داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) وتصعيد المواجهة مع روسيا، في وقت يتأرجح فيه المشهد الدولي بين الردع والدبلوماسية.
وتُظهر خطوة ماكرون بتعبئة طائرات «رافال» مدى حساسية اللحظة الراهنة في أوروبا، حيث يسعى «الناتو» لتعزيز جبهته الشرقية، بينما ترى روسيا في ذلك استفزازاً مباشراً.
وبينما يعتبر خبراء فرنسيون أن القرار يعزز صورة باريس كفاعل أمني في أوروبا، يرى باحثون روس أن فرنسا فقدت استقلالية قرارها الاستراتيجي لصالح "الانصهار" في أجندة الحلف.
رمزية ومخاطر
في تعقيبه على الموضوع، يرى نيكولا بافريز، الخبير الفرنسي المتخصص في الشؤون الدفاعية الأوروبية، أن قرار ماكرون «يرمز إلى عودة فرنسا بقوة إلى قلب الناتو بعد سنوات من التحفظ».
ويضيف بافريز، في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن «المشاركة الفعلية في حماية سماء بولندا تعزز صورة فرنسا كضامن أمني أوروبي، في وقت تتراجع فيه قدرة الاتحاد الأوروبي على إدارة أزماته الداخلية».
ومستدركا: «لكن هذا القرار يحمل في طياته خطراً استراتيجياً، إذ قد يُنظر إليه في موسكو كتصعيد مباشر، ما قد يضع فرنسا في مواجهة سياسية وربما عسكرية مفتوحة مع روسيا».
من جانبه، قال برتران بادي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة «باريس-سيانس بو»، إن «الخطوة الفرنسية ذات بعد رمزي أكثر منه عسكري»، معتبرا أن ثلاث طائرات رافال «لن تغير ميزان القوى في شرق أوروبا، لكنها تمثل رسالة سياسية قوية مفادها أن باريس لن تتسامح مع تهديدات الأمن الجماعي».
ويشير بادي، في حديثه لـ«العين الإخبارية»، إلى أن «القرار يعكس أيضاً محاولة ماكرون لاستعادة زمام المبادرة أوروبياً بعد سقوط حكومة (فرانسوا بايرو) بايرو داخلياً، ما يجعل السياسة الخارجية أداة لتعويض هشاشة الوضع الداخلي الفرنسي».
«لا إرادة للحوار»
في المقابل، يعتبر الباحث السياسي الروسي ديمتري بريجع أن «فرنسا بهذا القرار تنجر وراء التصعيد البولندي والبريطاني أكثر مما تتبنى سياسة أوروبية مستقلة».
ويقول بريجع، لـ«العين الإخبارية»، إن «إرسال ثلاث طائرات رافال ليس له قيمة عسكرية حقيقية، لكنه يعبر عن انضمام باريس إلى سياسة الردع الرمزي التي تهدف إلى تخويف روسيا».
ولفت بريجع إلى أنه في موسكو ينظر إلى هذه الخطوات على أنها دليل على غياب الإرادة الأوروبية في الحوار، واتباع خط «الناتو» بحذافيره.
وحذر من أن «هذا سيؤدي حتماً إلى تعميق المواجهة، وإلى إضعاف أي فرصة لاستئناف المفاوضات حول أوكرانيا».
«شرطة السماء»
وكتب ماكرون على منصة «إكس»: «قررت فرنسا نشر ثلاث طائرات مقاتلة رافال للمساهمة في حماية الأجواء البولندية وكذلك أوروبا الشرقية ضمن مهمة الناتو، بعد التوغلات الجوية للطائرات الدرون الروسية في بولندا».
وأضاف: «لقد التزمت بذلك البارحة أمام رئيس الوزراء البولندي»، مشيراً إلى أنه أجرى أيضاً اتصالات مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر.
وأكد ماكرون أن «أمن القارة الأوروبية هو أولويتنا القصوى. لن نخضع أمام استفزازات روسيا المتصاعدة».
وبعد أزمة المسيرات التي اعتبرتها وارسو «متعمدة» بينما نفتها موسكو، وصف ماكرون هذه التوغلات بأنها «غير مقبولة» واعتبرها «دليلاً جديداً على النهج التصعيدي لروسيا».
وإجمالا، سارع عدد من حلفاء بولندا إلى التعهد بإرسال تعزيزات لمهمة «شرطة السماء» التابعة لحلف «الناتو»، حيث أعلنت ألمانيا تمديد مهمتها في حماية الأجواء البولندية حتى نهاية ديسمبر/ كانون أول المقبل، مع مضاعفة عدد مقاتلاتها من طراز «يوروفايتر».
فيما قررت هولندا تسريع تسليم بطاريتين من صواريخ «باتريوت» مع نشر أنظمة دفاع مضاد للطائرات المسيّرة، إضافة إلى 300 جندي.
أما التشيك فسترسل ثلاث مروحيات «مي-17»، بينما أكدت بريطانيا مشاركتها بمقاتلات «يوروفايتر»، كما أعلنت السويد أنها ستكثف أيضاً مساهمتها الدفاعية.