كيف سقطت عائلة راجاباكسا في سريلانكا؟
بعد أسابيع من الاحتجاجات التي تطالب الرئيس السريلانكي بتقديم استقالته غادر، غوتابايا راجاباكسا، إلى المالديف ثم إلى سنغافورة.
وذكرت صحيفة "الجارديان" أن سقوط عائلة راجاباكسا كان مذهلاً، وترددت أصداؤه بشتى أنحاء المنطقة، وخارجها، وبحسب محللين، كان حاكم سريلانكا ضحية بارزة للتكلفة العالمية لأزمة المعيشة.
وفي جنوب أفريقيا، سأل مقدم برنامج حواري عما إذا كانت تكلفة المعيشة هناك تعني نهاية الحزب الحاكم، وطرح آخرون نفس السؤال.
لكن سريلانكا، حالة استثنائية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولا يمكن نقل تلك التجربة بسهولة، غير أن بها العديد من الدروس يمكن لأي قائد أو محتج تعلمها.
وتبدأ القصة مع شقيق راجاباكسا، ماهيندا، الذي تولى السلطة عام 2005 من خلال تصوير نفسه برجل بسيط من ريف الجنوب يقف ضد النخبة السياسية التي تتقلد بالغرب في كولومبو.
ولم يكن قريبا من الناس كما ادعى، ووعد بإنهاء الحرب الأهلية الدموية الممتدة منذ عقود ضد فصيل من الانفصاليين التأميل في شمال سريلانكا، وتحقق ذلك بوحشية.
وسعى "آل راجاباكسا" لتوجيه وتكثيف موجة الدعم الناجمة بين الأقلية السنهالية، وكانت موجة التعصب القومي (الشوفينية) إحدى النتائج، وكانت الأخرى شعور التمكين الذي دفع آل راجاباكسا لإنفاق مبالغ طائلة مقترضة على مشاريع بنى تحتية مشكوك في قيمتها، وحقق ماهيندا فوزا ثانيا في 2010.
وعام 2019، استعاد غوتابايا السلطة للعائلة، حيث ألحق الهزيمة بحكومة ائتلافية متعثرة، ومنقسمة من خلال تقديم قيادة قوية وتكنوقراط للناخبين، وجذب هذا جمهورًا جديدا من الناخبين، سنهاليون وقوميون أيضًا لكن متعلمين ومستغربين وبارعين في التكنولوجيا، وعززت التفجيرات التي نفذها متطرفون في عيد الفصح ذاك العام وضع غوتابايا.
وما لم يتوقعه أحد كان انعدام الكفاءة المطلق لحكمه الاستبدادي المتزايد، وجرى تقليص معدلات سعر الفائدة، وكان هناك سعي للحصول على قروض جديدة، وتمت طباعة أموال، وكل ذلك في الوقت الخطأ.
وتسببت جائحة "كوفيد" في انهيار السياحة والتحويلات، وكلاهما من المصادر الكبيرة للنقد الأجنبي، كما تسبب قرار جعل الزراعة في سريلانكا عضوية بالكامل، للتغطية على عدم القدرة على تحمل تكلفة الأسمدة، في انهيار القطاع بأكمله، وسرعان ما انزلقت سريلانكا لحالة انهيار اقتصادي كامل.
وقال آلان كينان، مستشار كبير لشؤون سريلانكا بمجموعة الأزمات الدولية: "كان غوتابايا فقيرًا سياسيا جدا، وأحاط نفسه بالدجالين، وصرخ فقط بالأوامر في الناس، ولم يكن قادرًا على جذب أي أحد، أو إبرام صفقات، أو تغيير المسار بالوقت المناسب."
وأثارت مزاعم تسبب الفساد الممنهج في الارتفاع الهائل بالأسعار، وانقطاع الكهرباء، ونقص الأدوية، في حالة غضب، وفي حين أن الرئيس، ورئيس الوزراء، ووزير المالية وعشرات من كبار المسؤولين من نفس العائلة، لم يكن هناك سوى اتجاه واحد للإشارة بأصابع الاتهام.
وأشارت "الجارديان" إلى أن هذه قد لا تكون ثورة، حيث إن سريلانكا تتمتع بتقليد طويل وراسخ من الديمقراطية، وإن تعرقلت خلال السنوات الأخيرة، لكنها اضطرابات هائلة، لافتة إلى أن احتمال عودة العائلة إلى السلطة أمر غير مرجح، على الأقل لعدة سنوات.