صيام إجباري.. المناخ مؤشراً للأمن الغذائي في رمضان
يثير شهر رمضان المبارك الذي يقترب من نهايته، وما يتميز به من طقوس، وأبرزها الصيام بالامتناع عن الطعام والشراب، التساؤل بشأن تأثير تغير المناخ على ندرة الغذاء طوال العام.
ندرة الغذاء تقود الملايين خاصة في البلدان الإسلامية والدول الفقيرة عموماً إلى صيام من نوع آخر يمكن وصفه بـ"الإجباري" ولكنه ليس بأمر إلهي ولكنه جراء تداعيات تغير المناخ على الأمن الغذائي ووفرة المحاصيل والغذاء عموماً.
وحسب التقارير الحديثة لمنظمة الأغذية والزراعة فإن العديد من المجتمعات في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط بما فيها بلدان عربية عديدة تضررت بشدة من ارتفاع تكاليف المعيشة، وهذه القفزة في أسعار المواد الغذائية الناجمة عن فشل المحاصيل نتيجة لظاهرة الاحتباس الحراري العالمي.
- تجارب رمضانية مستدامة.. إفطار ملبورن ومسجد جاكرتا (صور)
- «رمضان الأخضر».. قيم روحانية وعادات ذكية تنقذ المناخ في شهر الخير
وهذا مثال صغير لمشكلة عالمية، إذ تتغير الطريقة التي يعيش بها المسلمون في جميع أنحاء العالم خلال شهر رمضان بسبب تغير المناخ، وغالبًا ما يكون ذلك نحو الأسوأ.
الأمن الغذائي و«الصيام الإجباري»
يواجه المسلمون مثل كثير من الشعوب في أجزاء متفرقة من العالم تحديات متفاقمة؛ إذ يسود الاعتقاد بأنها الأكثر عرضة لآثار تغير المناخ هي بلدان ذات أغلبية سكانية مسلمة (مثل إندونيسيا وبنغلاديش وباكستان).
وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ إذ تكثر الدول ذات الأغلبية المسلمة، يصف برنامج الأغذية العالمي "أزمة الأمن الغذائي المستمرة" في هذه المنطقة التي دمرتها الصراعات وتغير المناخ، قائلاً: "إن ممارسة الامتناع عن الطعام (مؤقتا، كتقليد ديني) أصبحت حقيقة مستمرة بالنسبة للملايين على مدار العام".
ويتفاقم انعدام الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بسبب الجفاف في المنطقة، التي تضم 12 من أكثر بلدان العالم جفافاً، وتشمل هذه الجزائر والبحرين وقطر والأراضي الفلسطينية والمملكة العربية السعودية وتونس واليمن.
ومع توقع أن تؤدي الانخفاضات المتوقعة في هطول الأمطار إلى تدمير الناتج المحلي الإجمالي لدول الشرق الأوسط، فإن تغير المناخ يمثل تهديدًا خطيرًا لهذه البلدان، وأمنها الغذائي يقود في كثير من الأحيان إلى صيام "إجباري" لملايين من البشر ليس طواعية أو كتقليد ديني، لكن جراء تداعيات تغير المناخ والاحتباس الحراري.
خسائر فادحة جراء الطقس السيئ
إن انعدام الأمن الغذائي وندرة المياه ليسا الطريقتين الوحيدتين اللتين تظهر من خلالهما آثار تغير المناخ في شهر رمضان.
وقد أدى ارتفاع درجات الحرارة والذي بلغ ذروته خلال العام الماضي 2023 إلى النزوح القسري للمجتمعات بسبب حوادث الطقس القاسية مثل العواصف وحرائق الغابات والفيضانات.
وعلى سبيل المثال في عام 2022، دمرت الفيضانات في باكستان شبكات المياه وأجبرت أكثر من خمسة ملايين شخص على الاعتماد على البرك والآبار.
وقد ساهم ذلك في ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض بسبب تلوث هذه المياه.
ويمكن أن تكون موجات الحر خلال أوقات الصيام قاتلة أيضًا، ففي عام 2018، توفي العشرات، في باكستان أيضًا، وسط درجات حرارة شديدة الحرارة في بداية شهر رمضان.
وبعد وقوع حادث مناخي شديد، تتحمل الدولة المتضررة من الصراع أربعة أضعاف الضرر الناتج عن ناتجها المحلي الإجمالي، مقارنة بدولة مستقرة.
وحسب تقارير البنك الدولي فقد تم تسجيل خسائر دائمة في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.5% في آسيا الوسطى، وما يزيد قليلاً على 1% في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في أعقاب الكوارث المناخية.
وتسبب مثل هذه الخسائر تفاقم الاستقرار الهش بالفعل في هذه البلدان ذات الأغلبية المسلمة.
ومع مرور الوقت، تؤثر الأحداث المناخية القاسية مثل الفيضانات في بنغلاديش على إنتاج الضروريات.
على المستوى العملي، يؤثر فقدان الدخل الناتج عن جرف مدن بأكملها على الاقتصادات المحلية خلال شهر رمضان وما بعده، إذ ينفق الناجون أقل، ويختارون إنفاقا أكثر اقتصادا.
الاستدامة ومواجهة التحديات
إن البلدان الأكثر ثراءً، بشكل عام، مجهزة بشكل أفضل للتخفيف من آثار تغير المناخ، ولكن في البلدان ذات الأغلبية المسلمة في الجنوب العالمي، هناك ضغوط أكبر من أجل دمج الممارسات المستدامة بيئيًا في الحياة اليومية.
وفي هذه الأثناء، يستمر تقليد الصيام الذي يبلغ عمره 1400 عام في عالم ذي مناخ متغير.
وعلى الرغم من مرور قرون على حلول شهر رمضان، يمارس المسلمون الآن شعائرهم الدينية وسط تحديات بيئية حديثة للغاية.
وحسب تقرير منظمة التعاون الإسلامي تحت عنوان "الزراعة والأمن الغذائي في البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي 2023" تتزايد التحديات التي تعيق تنمية قطاع الزراعة مثل إدارة الموارد الزراعية غير الفعالة، ونقص البنية التحتية، ونقص المغذيات الدقيقة، وآثار تغير المناخ لتحويلها إلى فرص.
ويفرض هذا الوضع تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة، إذ صُنف 26 بلداً من البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي على أنها بلدان ذات عجز غذائي منخفض الدخل و22 بلداً منها على أنها في حاجة إلى مساعدة غذائية خارجية من منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة.
كما أن الصراعات في العديد من بلدان المنظمة تسفر عن تباين في مستويات الأداء على صعيد بعض المجالات ذات الصلة بالأمن الغذائي المهمة دون غيرها، وبالتالي أضحى سوء التغذية من المشكلات الكبيرة في العديد من بلدان المنظمة التي تسبب التقزم والهزال وفرط الوزن عند الأطفال دون سن الخامسة.
ودعا التقرير إلى تحسين قدرة النظم الزراعية والغذائية على التكيف مع أهمية تعزيز الحوكمة، وتحسين فرص الحصول على التمويل، والاستثمار في البحوث وجمع البيانات، وتنمية القدرات، كما يقدم مقترحات متعلقة بالسياسات العامة لمعالجة الأزمات العالمية.
aXA6IDE4LjExNi4yMC4xMDgg جزيرة ام اند امز