الفشني.. صوت من السماء تفوق على أستاذه
الفشني .. صوتٌ يأخذك إلى السماء فتحلق معه في روحانيات تفصلك عن الدنيا وتهيم في ملكوت الخالق وتعود إلى الأرض بنفس مهذبة وروح هادئة.
الفشني .. صوتٌ يأخذك إلى السماء، فتحلق معه في روحانيات تفصلك عن الدنيا وتهيم في ملكوت الخالق وتعود إلى الأرض بنفس مهذبة وروح هادئة.
الشيخ طه حسن مرسي الفشني، واحد من أعلام المبتهلين في مصر و العالم، أحد اللامعين في قراءة القرآن الكريم والمنشدين، مصري، ولد سنة 1900 من الميلاد بمركز الفشن التابع لمحافظة بني سويف.
كان والده الشيخ طه مرسي الفشني تاجر أقمشة من ميسوري الحال، اختار لابنه أن يكمل تعليمه بعد أن دخل الكتاب وحفظ القرآن وعمره 10 سنوات، فحفظ القرآن ثم تعلم القراءات، وتدرج في دراسته الدينية والعامة وحصل على كفاءة المعلمين من مدرسة المعلمين سنة 1919م، كان ذلك قبل أن يتجاوز العشرين ربيعًا.
اكتشف عذوبة صوته ناظر المدرسة، وأسند إليه القراءة اليومية للقرآن في الطابور وحفلات المدرسة، لكن لم يكن حتى ذلك الوقت يعي الشيخ الفشني عذوبة صوته في التلاوة القرآنية خاصة أن طموح والده اقتصر على أن يُكمل ابنه دراسة القضاء الشرعي.
بالفعل غادر الشاب الصغير طه –آنذاك– قريته الفشن إلى القاهرة للالتحاق بمدرسة القضاء الشرعي إلا إن ثورة 19 كانت مشتعلة، والأحداث حالت دون استقراره في العاصمة فعاد مرة أخرى إلى بلده، وإن كان اختار طريقه فذهب يحيي السهرات في المآتم كقارئ للقرآن في بلدته والقري المجاورة له.
بدأ يأخذ سمعته كقارئ للقرآن الكريم ولكنه لم يكن مضطرًا لامتهانها خاصة أنه من أسرة ميسورة الحال، وكان شيئًا ما يجذبه ناحية القاهرة، فما زال مشهد حي الحسين في خاطره، فعاد إلى العاصمة، والتحق بالأزهر الشريف في هذه المرة ولكن بغرض أن يتعلم فنون القراءات، وحصل بالفعل على إجادة علم القراءات على يد الشيخ عبد الحميد السحار وأتقن علوم التجويد.
أقام بحي الحسين وكان قريبا من مسكن الشيخ على محمود المعروف بملك التواشيح الدينية، وكان للشيخ على محمود فرقة تواشيح خاصة فعرض على الشيخ طه الفشني أن ينضم لبطانته.
من يصدق أن واحد من اهم مبتهلي العالم، تتلمذ على يد أستاذ الموسيقار محمد عبد الوهاب، لكن هذا ما حدث، فقد كان العرض بمثابة فرصة جيدة لأن يتعلم الشيخ طه الفشني الطرب خاصة أن الشيخ على محمود يعد مدرسة الطرب المصري، فعلي يديه تعلم محمد عبد الوهاب الموسيقى، وعلي يديه أيضا دخل الشيخ طه الفشني فن التواشيح والمديح بل إنه أصبح امتداداً للسيخ علي محمود نفسه وصديقاً مقرباً منه. وكان زميل الشيخ طه الفشني في فرقة الشيخ على محمود الملحن زكريا أحمد، إلإ أن طريق الفشني كان مختلفًا.
ففي ذات ليلة، بحيّ الحسين التاريخي بالقاهرة عام 1937 كان في حفلة ضخمة، وكان يحضرها سعيد باشا لطفي رئيس الإذاعة المصرية، أعطى الشيخ على محمود الفرصة لتلميذه وصديقه الفشني، فقام من مقعده وقدم الفشني مكانه أمام رئيس الإذاعة، وبدأ يقرأ القرآن.
وشهدت تلك الليلة تجل للشيخ طه، غرّد فيها بشكل غير طبيعي حتى أبهر سعيد باشا لطفي، وبعد أن أنهى الفشني وصلته استدعاه رئيس الإذاعة، وقال له يا شيخ طه: (بكره لازم تكون عندنا في الإذاعة المصرية، وصوتك لازم يأخذ فرصته ويستمع له الناس في كل بر مصر).
في اليوم التالي ذهب الشيخ طه الفشني إلى الإذاعة المصرية وأجرى اختبارا والتحق بها سنة 1937، كان يبلغ من العمر وقتها 37 ربيعا، وقدرت لجنة الاستماع صوته بأنه قارئ من الدرجة الأولى الممتازة وأوكلت له قراءة 45 دقيقة كل مساء، كما عُين قارئاً لجامع السيدة سكينة سنة 1940 ، حتى وفاته.
كانت الإذاعة بمثابة محطة مهمة للشيخ طه الفشني، حيث انتشر اسمه وصوته في بر مصر، وبعد فترة سنحت له فرصة أخرى، فقد لازم الشيخ مصطفى إسماعيل في السهرة الرمضانية في السرايا الملكية عند الملك فاروق.
ورغم أن نجم الشيخ طه الفشني لمع في عالم تلاوة القرآن ولكنه استمر كمنشد ديني وحانت له الفرصة عندما مرض الشيخ على محمود وكانت هناك مناسبة كل شهر هجري تنظم الإذاعة حفل إنشاد ديني وطلبت منه الإذاعة أن يحل محل شيخه على محمود، ولكنه رفض أن يقبل طلب الإذاعة إلا بعد موافقة الشيخ على وذهب إليه فقال له الشيخ: (اذهب يا طه يا ابني اقرأ انت خليفتي)، وأذيعت الحفلة وازدادت شهرة طه الفشني في فن الإنشاد الديني مما دعاه أن ينشئ فرقة خاصة به للإنشاد الديني عام 1942 مع استمرار عمله كمقرئ.
أُختير طه الفشني رئيساً لرابطة القراء خلفاً للشيخ عبد الفتاح الشعشاعي سنة 1962م، ورحل في 10 ديسمبر 1971.
كان الشيخ طه الفشني بشكل عام صاحب مدرسة متفردة في التلاوة والإنشاد، وكان على علم كبير بالمقامات والأنغام، وانتهت إليه رئاسة فن الإنشاد في زمنه فلم يكن يعلوه فيه أحد، من أشهر التواشيح كانت (ميلاد طه يا أيها المختار) و (إلهي إن يكن ذنبي عظيما) .