فرض الله تعالى الصيام، لحكم وغايات عظيمة، من أهمها تحقيق التقوى، بالقيام بحقوق الله تعالى وحقوق عباده.
قال عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}، والتقوى كلمة جامعة شاملة لفعل كل خير وترك كل شر، فشهر رمضان فرصة عظيمة للإنسان، ليجدد علاقته بربه سبحانه، ويزكي نفسه، ويرتقي بأخلاقه، ويحسن إلى أسرته ومجتمعه ووطنه، ويبتغي الخير للناس أجمعين.
وهكذا هو حال الصائم الحريص على تحقيق جوهر الصيام ومقاصده، فإنه يحرص على اغتنام شهر رمضان في تطوير نفسه والارتقاء بها، لما يمثله هذا الشهر من فرص للارتقاء بالنفس والروح والأخلاق واللسان والجوارح، نصفي فيه قلوبنا، ونرتقي بتفكيرنا وعقولنا، وننزه ألسنتنا وجوارحنا، ونقف مع أنفسنا وقفات محاسبة ومراجعة، لنتلافى ما عندنا من نقص، ونحاول دائما الصعود إلى قمم الأمور ومعاليها، وهذا هو جوهر الصيام، تحقيق التقوى والارتقاء وحفظ الجوارح والخواطر، قال ابن الجوزي: "للصوم آداب يجمعها: حفظ الجوارح الظاهرة وحراسة الخواطر الباطنة".
وتتوفر في رمضان المقومات التي تعيننا على تحقيق التقوى والارتقاء، ففيه عبادة من أعظم العبادات وهي الصيام، الذي هو ركن من أركان الإسلام، نتعلم به الصبر والتحمل وكبح جماح النفس عن شهواتها وملذاتها والتغلب على الغضب والحقد والضغائن واكتساب التسامح والعناية بالفقراء والمساكين وغير ذلك من خصال التقوى ومظاهر الارتقاء.
ومما ينبغي على الصائم معرفته أن مظاهر التقوى لا تنحصر بالقيام بحقوق الله تعالى فحسب، بل تشمل أيضا ما أوجبه الله علينا من حقوق عباده، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في قوله: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن"، قال ابن رجب: "قوله صلى الله عليه وسلم: "وخالق الناس بخلق حسن" هذا من خصال التقوى، وإنما أفرده بالذكر للحاجة إلى بيانه، فإن كثيرا من الناس يظن أن التقوى هي القيام بحق الله دون حقوق عباده، فنص على الأمر بإحسان العشرة للناس".
ولذلك فإن الصائم إلى جانب حرصه على أداء العبادات والتزود من الطاعات في شهر رمضان يحرص أيضا على أداء حقوق الخلق، بالعناية بالوالدين والأسر والأرحام والجيران، وأداء حقوق مجتمعنا ووطننا وقيادتنا، بمؤازرتهم ومساندتهم والوقوف معهم، وغرس حبهم والولاء لهم، وتربية أبنائنا على القيم الفاضلة، وتنشئتهم على المواطنة الصالحة، والحرص على أداء حق كل من له حق علينا، والإحسان إلى الفقراء والمحتاجين، ونشر التكافل والتراحم في المجتمع.
ومن مظاهر التقوى والارتقاء في رمضان هذا الموسم أن نحفظ أنفسنا ومجتمعنا من وباء كورونا، بالالتزام التام بالإجراءات الوقائية التي حددتها الجهات المختصة، وأن ننزه أنفسنا عن إلحاق الأذى بأحد بسبب التهاون في هذه الإجراءات، فإن ذلك مسؤولية كبرى يحاسبنا الله تعالى عليها، ونحاسب عليها أمام مجتمعنا ووطننا.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا في هذا الشهر المبارك لتحقيق مقاصد الصيام والارتقاء بأنفسنا ونفع وطننا ومجتمعنا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة