فيروس كورونا لا ينتشر بنفسه. وفي الواقع فلو وجدت شاحنة تحمل أطنانا من الفيروسات معبأة بصناديق، فإنها سوف تموت من تلقاء نفسها
نحن نعيش في عالم موبوء. هذه حقيقة يجب أن نعترف بها، ونقبلها. وعندما نفعل فذلك يعني أن نعيد النظر بكثير من المسالك المهلكة، التي نمارسها عفو الخاطر.
إنه عالم موبوء. ولكنه عالمنا الذي لا نملك غيره. نحن الذين صنعناه، على أي حال.
الأمر لا يقتصر على كورونا. لقد سبقه الكثير، وسيأتي بعده الكثير أيضا.
نحن نمارس عادات سيئة. ولسنا مهيئين بعد لإجراء تعديلات عليها، أو حتى للانتباه إلى مخاطرها. الأطباء والممرضون الذين يصابون بالمرض، حتى وهم مجهزون بكل دروع الحماية من كمامات وكفوف، إنما يقعون بخطأ غير ملحوظ، فيدفعون الثمن كأي شخص آخر. نحن بشر على أي حال، والأخطاء جزء من طبيعتنا
أسوأ ما في فيروس "كوفيد-19" هو نفسه أحسن ما فيه. نحن نعرف على الأقل طبيعة العدوى. ونعرف أيضا أنه لا يوجد علاج كيميائي للمرض حتى الآن. ويحتاج العثور على لقاح مضاد بين 12 و18 شهرا. ولن يكون بوسع الحياة نفسها، دع عنك الاقتصاد والتجارة، أن تتوقف حتى يظهر علاج أو يصل اللقاح. هذه خرافة يجب الانتباه إلى أنها خرافة. أكثر من ذلك وضوحا، فالفيروس الذي نقتله بالعزل، يمكنه أن يعود ليصيب من لم يُصب به من قبل. فنعود لندور الدورة نفسها. وهذا كثير. كما أنه خارج عن المنطق. الحياة يجب أن تستمر. ولكي تستمر، يجب أن تتغير طريقة تعاملاتنا مع حقائقها.
فيروس كورونا لا ينتشر بنفسه. وفي الواقع فلو وجدت شاحنة تحمل أطنانا من الفيروسات معبأة بصناديق، فإنها سوف تموت من تلقاء نفسها. من ينشر الفيروس، ومن يتسبب بالعدوى، هو نحن. بعبارة أخرى: فإننا نحن المشكلة. وليس الفيروس نفسه.
نحن نمارس عادات سيئة. ولسنا مهيئين بعد لإجراء تعديلات عليها، أو حتى للانتباه إلى مخاطرها. الأطباء والممرضون الذين يصابون بالمرض، حتى وهم مجهزون بكل دروع الحماية من كمامات وكفوف، إنما يقعون بخطأ غير ملحوظ، فيدفعون الثمن كأي شخص آخر. نحن بشر على أي حال، والأخطاء جزء من طبيعتنا.
كورونا فيروس يصيب الجهاز التنفسي. ومساربه محدودة: العين والفم والأنف. بمعنى آخر فإن حماية هذه المسارب، تظل كافية للوقاية منه. ولكننا نعرف أيضا أن هذا الفيروس يعيش في الهواء لثلاث ساعات، ويعلق على السطوح المختلفة لما يترواح بين يوم وثلاثة أيام. كما يعلق بالشعر والملابس والجلد، من دون أن تعني هذه السطوح أنها، بحد ذاتها، تشكل خطرا. ولكن ملامستها، ومن ثم ملامسة المسارب الثلاثة بيد ملوثة، تعني أننا وفرنا للفيروس الوسيلة لكي ينتشر ويصيب فيؤذي.
كل ذلك، إنما يجسد الحقيقة البسيطة، بجزأيها القاتلين:
1ـ أننا نعيش في عالم موبوء.
2ـ نحن من يتسبب بالعدوى والأذى لأنفسنا وللآخرين.
تأمل في هذين الجزأين، وستعرف أن العلاج موجود. من ناحية، بالاعتراف بأن الأوبئة أصبحت جزءا من عالمنا، وأنها تتطلب منا أن نبحث عن وسائل للتغلب عليها أو التكيف مع وجودها. ومن ناحية أخرى بتغيير مسالكنا حيال الخطر.
القدرة على التكيف، هي التي صنعت من البشر بشرا كما نعرفه. العناد ضد متطلبات التكيف يعني شيئا واحدا: الانقراض. وهو ما ظل يحصل على طول الخط لكل الكائنات التي عجزت عن التكيف مع متغيرات عالمها.
وعلى سبيل التكيّف، يجب أن نفصل بين بيئتين:
1ـ المنزل، حيث الراحة والاسترخاء، وحيث يحق لنا أن نسهو ونخطئ ونعيش كل التفاصيل المألوفة لبشر عاديين. ولكنه يجب أن يكون نظيفا بعمق ومطهرا الى أقصى حد ممكن. ولا تدخل إليه قطعة لم تمر على جهاز للعزل والتطهير.
2ـ العالم الخارجي، حيث الأوبئة والأمراض، والعمل والمصالح والعلاقات، وكل ما يجعل الحياة تمضي على طبيعتها.
ما نرتديه لصالح هذا العالم يجب أن يتغير، بأن نضيف إليه وسائل تؤدي إلى حماية المسارب التي يتسلل منها الخطر. ولمزيد من الراحة، فإن المؤسسة التي تعمل فيها يمكن أن تكون نوعا من منزل معقم آخر. تدخله بشروط وقائية، وتخرج منه إلى العالم الخطر، بشروط.
من طبيعة الأعمال الخطرة أنها تتطلب ارتداء غطاء للرأس أو أحذية من نوع خاص، أو حتى أقنعة وقاية للوجه. يكفي أن تركب دراجة نارية لتعرف أنك ملزم بعدة شروط.
المعنى هو ذاته المعنى. فإذا كنت تواجه خطرا، فأنت تحتاط له بزي خاص به. هذا شيء نفعله باستمرار.
يركز خبراء الوقاية ضد كورونا على غسل اليدين، وعدم لمس الوجه. ولكي نضمن ذلك فنحن نحتاج زيا يسمح بألا تصبح العادة مصدرا للخطر. يجب أن تغلب استعداداتنا للخطر على العادة. ومن ذلك أن نعود لنشيع ارتداء العباءة. إنها نموذج تقليدي جميل، ويمكن أن يؤدي دور الغشاء الواقي للملابس، إذا ما أمكن تعقيمها من بعد الاستخدام في الخارج.
كمامة على الوجه، وكفوف لحماية اليدين، وتعقيم المنزل، أصبحت شروطا لا مفر منها للعيش في هذا العالم.
إنه عالم موبوء. اقبل الفكرة، وتصرف على ضوئها. ذلك هو العلاج.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة