كورونا يضع العالم اليوم أمام أعتاب مرحلة تصحيحية جديدة تقوم على مبدأ التوسل لا تبادل المنفعة فحسب
كم من دروس تعلمناها وما زلنا من هذه الأزمة التي يمر بها العالم أجمع جراء ما أحدثه فيروس كورونا.. هذا المخلوق الذي يعد أصغر عن بني البشر بخمسة ملايين مرة ولا يرى بالعين المجردة، ورغم ذلك أصبح اليوم العدو اللدود الذي يحاربه العالم بأسره.
دعونا نتخاطب مع هذا الكائن بمنظور فلسفي نوعاً ما.. ما الذي يريده منا هو وجيوشه التي تستعمر كوكبنا وتحدث شللاً كبيراً في مفاصل حياتنا وتؤرقنا في مضاجعنا خوفاً على أنفسنا وأحبابنا من المرض والألم والفقد..!
ما العبر التي لقننا إياها هذا المخلوق الذي جعل كل شيء حقيراً ولا يستحق في أعيننا.. دفعنا لترك الماديات الزائلة خلفنا فلا رفاهيات ولا كماليات باتت تشغلنا.. ولا مطاعم وأسواق تدغدغ بطوننا.. ولا عطور نتفاخر برشها بل معقمات وروائح المنظفات هي من تفوح روائحها بيننا.. وحتى هذه الأخيرة طالها التفاخر، أفلا تتعظون؟!
نعم.. خاليةٌ هي تلك الشوارع والميادين التي وقف أمامها ملايين البشر لالتقاط صورهم التذكارية في عواصم عرفت بجبروتها التاريخي وقوتها الاقتصادية ومتانة قطاعاتها الحيوية وبالأخص الصحية منها، ولم تصمد أمام جيوش "كورونا".. لأنها استحقرته وعاملته كتافهٍ.. واستهترت بحيوات أولئك الذين يرجعون في نهاية يومهم منهكين ومتزاحمين على محطات المترو، فانتقم لهم ومنهم!!
لتخبرهم بأن الحياة بعد كورونا لن تكون كما كانت قبله.. فقد سقطت الأقنعة عن كثير من المهرجين ممن تصدروا المشهد وتقدموا الصفوف.. وأُعيد الاعتبار لأصحاب الشأن الرفيع أخلاقياً وإنسانياً ومهنياً.. لأصحاب الستر البيضاء.. ممن لا يملكون قوائم من المتابعين الذين يصفقون للحماقات.. ولا يملكون أرصدةً تتكدس في حساباتهم بركلة جزاء أو مقطعٍ مصور أمام دور الأزياء.. جل ما يملكونه يدٌ لا ترتجف مع مسكة المبضع وعينٌ لا يرتد لها طرف عند لحظة الإنعاش وقلبٌ لا يكسره سوى لحظات فقدان حياةٍ كانت تحت أيديهم.
خاليةٌ هي تلك الشوارع والميادين التي وقف أمامها ملايين البشر لالتقاط صورهم التذكارية في عواصم عرفت بجبروتها التاريخي وقوتها الاقتصادية ومتانة قطاعاتها الحيوية وبالأخص الصحية منها ولم تصمد أمام جيوش "كورونا"
اليوم تحيي هذه المهن السامية من جديد التي لطالما ارتفعت شعارات روادها في شوارع دول عدة مطالبةً براتبٍ يضمن لهم العيش الكريم وامتيازات تحقق لهم مساواة مع غيرهم من أصحاب المهن الذين سقطوا اليوم.
كورونا يضع العالم اليوم أمام أعتاب مرحلة تصحيحية جديدة تقوم على مبدأ التوسل لا تبادل المنفعة فحسب، فكل شيء وكل قطاع و كل عمل وكل عملية وكل مسؤول تحت عدسة المجهر المكبر.. ولا طائل من استخدام الشماعات حتى تبعد عن نفسك الشبهات.. إذ إن من يحكم اليوم ويقرر ما إذا كنت قد بذلت جهدا مضاعفاً وتقف على أرض أساسها صلب.. هم الناس من ناحية ومداك الشاسع الذي يفصلك عن العلوم والمعرفة المعمقة من ناحية أخرى.. كيف؟!
كما قلت سابقاً؛ اعتبروا مقالي هذا مقارباً للفلسفة نوعاً ما.. لنعرج سريعاً إلى عام ١٩٠٠ تقريباً حينما قام الفيلسوف أدموند هوسرل بإصدار بحوث عن المنطق ومن بينها ما يعرف بالفونمينولوجيا ونظرية المعرفة وهي تعني أساساً "وصف الظواهر".. وربطها هوسرل بعلم تجربة الوعي والتدبر في الوضعيات التاريخية والسياسية والاجتماعية للحقبة المعاشة في فترة الظواهر بمساءلة الأحداث!!
هوسرل قد وقف كثيراً عند مفهوم الأزمة في العقل والإنسان والمعرفة والحداثة والظواهر وغيرها.. ورأى أن الحل لكل هذه الأزمات يكمن في الابتداء الجديد!!
فهل نحن على أعتاب ابتداء جديد لكل شيء في حياتنا.. وهل نحن من جلبنا ذلك حينما كنا نخاطب عام ٢٠٢٠ منذ أزمنة طويلة؟
أختتم تساؤلاتي بهذا الاقتباس: "ما المسؤولية التي يضعها هوسرل على عاتق الفلاسفة لكي يعثروا على المقام المشترك بين الثقافات ويعملوا على إنقاذ البشرية من الشر والشمولية والحروب ويجدوا التفسير المنطقي للغز الحياة في العالم؟!
آه كل ما يهمنا اليوم.. الحياة..
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة