مجلس دول البحر الأحمر وخليج عدن.. رؤية استراتيجية لممر دولي
تتبدى أهمية مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن من منظور أن هذا "المجلس" يأتي تعبيرا عن رؤية استراتيجية لبحيرة "عربية دولية"
يأتي الإعلان عن تأسيس "مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن"، في 6 يناير/كانون الأول الجاري، بالرياض، في واحدة من أصعب الفترات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، في ظل التصعيد الذي تقوم به الدول الإقليمية التوسعية، مثل إيران وتركيا، كواحدة من أهم الخطوات دعمًا لأمن واستقرار البحر الأحمر وخليج عدن، كممرين مائيين لهما تأثير كبير على حركة التجارة الدولية.
ففي ظل التصعيد الإيراني، عقب مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في غارة أمريكية، وفي سياق ما تقوم به تركيا من محاولات للتصعيد والتوسع في الشمال من البحر الأحمر، وتحديدا في منطقة شرق المتوسط، يأتي تأسيس "المجلس"، والتوقيع على ميثاقه، كخطوة لوضع رؤية مشتركة للدول المتشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، ومواجهة التحديات والتدخلات الأجنبية المُهددة لأمنها القومي، بوصفها صاحبة السواحل الأطول على البحر الأحمر ذلك الممر المائي الاستراتيجي، حيث يُعتبر، من حيث الدول المتشاطئة له، "بحيرة عربية".
ولا يتوقف الأمر عند هذه الحدود، بل يأتي تأسيس المجلس في إطار التوجه إلى التكامل بين هذه الدول، عبر خلق آلية تُمكنها من مواجهة التحديات التي تقابلها في البحر الأحمر، إلى جانب تعزيز آفاق تعاون دول المنطقة أمنيًا وتجاريًا واستثماريًا.
يتكون المجلس الجديد، من الدول الثماني التي تطل على البحر الأحمر، وهي: السعودية، مصر، الأردن، السودان، اليمن، الصومال، جيبوتي، وإريتريا. ومن ثم يأتي توصيف البحر الأحمر بكونه "بحيرة عربية"، دولية، من حيث إجمالي عدد السكان "العرب" الذين يعيشون في الدول العربية السبع المتشاطئة له، والذي يصل إلى نحو 232 مليون نسمة؛ بل وتتوقع الأمم المتحدة أن يتضاعف عدد السكان في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين الحالي.
أضف إلى ذلك، أن البحر الأحمر، هذا الممر المائي الضيق والطويل، الذي يفصل بين قارتي آسيا وأفريقيا، ويقسم العالم العربي إلى قسمين آسيوي وأفريقي؛ حيث يمتد طوليا لمسافة 2350 كم، ويربط كل من بحر العرب عن طريق باب المندب، والبحر المتوسط عن طريق قناة السويس.. هذا البحر، يُعد عاملًا مهمهًا له ثقله في التطورات السياسية والعسكرية، والاقتصادية أيضًا، في المنطقة العربية بأكملها.
يكفي أن نلاحظ، هنا، أن الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية السبع المتشاطئة له، يتجاوز تريليونًا ومائة مليار دولار؛ في حين يتوقع البنك الدولي أن يتجاوز هذا الناتج 6 تريليونات دولار بحلول عام 2050. كما أن قربه من أعلى مخزون نفطي في العالم، حيث يوجد نحو 70% من احتياطي النفط العالمي في منطقة الخليج العربي، القريب من البحر الأحمر، زاد من أهمية هذه البحيرة العربية، كون البحر الأحمر الطريق المختصر للوصول إلى هذا المخزون.
أهمية جيوسياسية
في هذا الإطار، يمكن اعتبار البحر الأحمر وخليج عدن أحد الشرايين الرئيسية للتجارة الدولية، ليس لأن النسبة الأكبر من صادرات النفط العربي في الخليج تمر عبره فحسب، وإنما لكون حركة التجارة بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، وكذلك أمريكا، تمر من خلاله أيضًا، بما له من سواحل طويلة، وموانئ تجارية وصناعية مهمة تسهم في حركة التجارة على المستويين الإقليمي والدولي، مثل ميناء جدة وينبع والعقبة والسويس وبورسودان والحديدة وغيرها، إضافة إلى العائد الاقتصادي الذي توفره هذه الموانئ لتلك الدول، عبر ما تقدمه من خدمات وتسهيلات تجارية للناقلات التي تمر في البحر الأحمر.
بل، وتتبدى الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر، كذلك عبر ما يمر به من بضائع وسلع تصل قيمتها إلى نحو 2.5 تريليون دولار سنويًا، تُمثل نحو 13% من التجارة العالمية.
وتبعًا لهذه الأهمية الاستراتيجية ولدت فكرة إنشاء "كيان" يجمع الدول المتشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، حيث عُقِد أول اجتماع على مستوى كبار مسؤولي الدول المتشاطئة له، في 11 ديسمبر/كانون الأول 2017 بالقاهرة، وهو الاجتماع الذي شدد على أهمية إيجاد آلية للتعاون والتنسيق في مجالات من بينها الأمنية والاقتصادية.
ثم، جاء الإعلان عن إنشاء هذا "التكتل"، عبر الاجتماع الثاني الذي استضافته الرياض، في 11 ديسمبر/ كانون الأول 2018، الذي كان قد ضم وزراء خارجية الدول العربية السبع المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن. ثم تم تتويج هذه الخطوات بالإعلان عن تأسيس "مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن"، بما يعني التأكيد على أن "المجلس" سوف يُساهم في منع أي قوة خارجية من أن تلعب دورًا سلبيًا في هذه المنطقة التي تتمتع بحساسية استراتيجية خاصة.
مخاطر محتملة
لعل ما يشير إلى هذه الحساسية الاستراتيجية أن المخاطر المحتملة في حوض البحر الأحمر وخليج عدن كانت قد تزايدت خلال السنوات الماضية، بدءًا من تنامي ظاهرة القرصنة، قبل نحو عقد من الزمان، ثم خطر الجماعات الإرهابية، وصولًا إلى بروز تغولات تركية وإيرانية في السنوات الأخيرة، في محاولة من كل منهما لاستغلال الأوضاع الداخلية الهشة لبعض الدول، لإيجاد موطئ قدم لها في هذه المنطقة الحيوية.
فقد تنوعت الأساليب الإيرانية في استهداف أمن البحر الأحمر وخليج عدن، حيث سبق للمليشيات الحوثية في اليمن أن استهدفت بعض السفن التجارية في البحر الأحمر بالقرب من مضيق باب المندب، المضيق الاستراتيجي الأهم في العالم، وذلك تنفيذًا لتوجيهات طهران، التي هددت هي الأخرى بإغلاق مضيق هرمز، بهدف الإضرار بتجارة تصدير النفط من منطقة الخليج العربية.
بل، يكفي أن نتذكر، هنا، إعلان رئيس الأركان الإيراني، حبيب الله سياري، في أغسطس/آب 2019، عن إرسال طهران مدمرة وسفينة دعم تحمل مروحيات إلى خليج عدن، بدعوى "توفير الأمن لسفن إيران التجارية في المياه الدولية"، وذلك في محاولة منها لإيجاد موطئ قدم لها والتحكم، من ثم، في أهم الممرات البحرية الدولية.
ومن المرجح احتمال تزايد التهديد التركي لمنطقة البحر الأحمر وخليج عدن، في السياق العام لما تقوم به أنقرة من زيادة التوتر في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، خصوصًا بعد مذكرتي التفاهم التي تم التوقيع عليهما بين تركيا وحكومة السراج في ليبيا، بخصوص ترسيم الحدود البحرية بينهما، وهو ما يمكن أن يُلقي بظلال "غير محمودة" على الأمن والاستقرار في حوض البحر الأحمر عمومًا.
رؤية استراتيجية
في هذا الإطار، إطار المخاطر المحتملة التي تتهدد منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، تتبدى أهمية مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن؛ من منظور أن هذا "المجلس" هو -واقعيًا- تعبير عن رؤية استراتيجية لبحيرة "عربية دولية".
لذا، يُمكن القول إن مثل هذا التنسيق والتعاون بين الدول العربية السبع، إضافة إلى إريتريا الدولة الأفريقية المهمة، يكتسب أبعادًا استراتيجية، وعسكرية أيضًا؛ من حيث أهمية وضرورة أن يكون لهذه الدول حضور إشرافي على باب المندب وخليج عدن والبحر الأحمر؛ وذلك من منظور ما تتمتع به من أهمية، بالنسبة إلى التجارة العالمية، فضلًا عن العدد الكبير من السكان الذين يعيشون في الدول المطلة عليهما. وهو ما يعني ضرورة وأهمية حمايتهما من أعمال القرصنة، والتهريب والاتجار بالبشر، فضلًا عن تلوث البيئة، فضلًا عن وجود فرص تتمثل في الاستثمار والتجارة بين دول المنطقة.
في هذا الإطار، تأتي ضرورة ليس فقط إعادة ترتيب الوضع الأمني في المنطقة بعد أن تعرض لمحاولات توغل إقليمية، بل أيضًا ضرورة تفعيل التكامل الاقتصادي والتجاري بين دول المنطقة.
والأهم، أن "المجلس" الجديد سوف يُساهم في التكامل الاستراتيجي بين اثنتين من أهم المناطق الحيوية على مستوى العالم بأسره، وهي منطقة الخليج العربي، ومنطقة البحر الأحمر وخليج عدن.
aXA6IDE4LjE4OC42OC4xMTUg جزيرة ام اند امز