تقليص قوات «أميصوم» بالصومال.. «ثغرة غياب» تهدد بتنامي الإرهاب

في منعطف حرج يعيش فيه الصومال على وقع هجمات متكررة لحركة «الشباب» الإرهابية، يلوح في الأفق قرار قد يحمل تداعيات أمنية خطيرة، إذ إن احتمالية تقليص قوات بعثة الاتحاد الأفريقي «أميصوم» تثير مخاوف متزايدة من ترك فراغ أمني قد تستغله الجماعات المتطرفة.
وبينما يناقش مسؤولو الاتحاد الأفريقي سيناريو تقليص البعثة، تُطرح تساؤلات حول مدى جاهزية القوات الصومالية لتولي مهام الأمن، خاصة في ظل استمرار تهديدات حركة الشباب التي عاودت تكثيف عملياتها في مناطق عدة كان أحدثها الأحد باستهداف قاعدة عسكرية في العاصمة مقديشو.
فراغ أمني
ووفق الخبير في شؤون القرن الأفريقي الدكتور هاشم علي حامد، فإن "أي تقليص مفاجئ لقوات الاتحاد الأفريقي في الوقت الحالي يعني ترك البلاد مكشوفة أمام هجمات حركة الشباب".
وفي حديث لـ«العين الإخبارية»، يرى حامد أن "المؤسسات الأمنية الصومالية لا تزال تعاني من ضعف التنسيق ونقص التدريب، وغياب القدرات الاستخباراتية الفعالة".
كما تواجه مفوضية الاتحاد الأفريقي التي تسلم رئاستها، محمود علي يوسف، تحديات متنامية، تتصدرها الأزمة المالية للاتحاد نفسه التي باتت تهدد قدرة المنظمة على تسيير برامجها المختلفة، سواء تلك المرتبطة بمسار تحقيق السلام، أو المتعلقة بتمويل بعثات حفظ السلام في مناطق النزاع، وعلى رأسها الصومال، وفق حامد.
وأكد أن الساحة الصومالية ستبقى مصدر قلق حقيقي، حيث يُنذر استمرار التعثر المالي في تمويل القوات الأفريقية بتداعيات أمنية إقليمية ودولية، وسط هشاشة الوضع الداخلي وتهديدات الجماعات المسلحة العابرة للحدود.
عواقب وخيمة
ويتفق معه المحلل السياسي بالقرن الأفريقي، زاهد زيدان الهرري، بأن "التحدي لا يتعلق فقط بالتمويل، بل بانحسار الإرادة الدولية تجاه ملف الصومال"، محذرا من أن "تقليص البعثة دون بديل قابل للتطبيق يعيد البلاد إلى مرحلة ما قبل 2007، ويهدد مكتسبات السنوات الأخيرة".
وأضاف الهرري، في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن "الحديث عن تقليص البعثة الأفريقية في هذا التوقيت ينذر بعواقب وخيمة على استقرار الصومال، ويشير أيضا إلى خلل في غياب رؤية استراتيجية طويلة الأمد لمستقبل الدعم الأمني للصومال دوليا".
كما أن الاعتماد الزائد على المانحين دون إطار تمويلي مستدام سيبقي البعثة الأفريقية رهينة الأزمات المالية التي تعيق مهمتها، وفق الهرري، الذي أكد أن هذا التوجه يمثل تراجعا واضحا في التزام المجتمع الدولي بأمن القرن الأفريقي، في وقت تتصاعد فيه التحديات الإقليمية بدءا من الحرب في السودان، وتنامي الهجمات الإرهابية في الصومال.
وهذا التقليص حال تنفيذه سيؤثر في الملاحة البحرية وأمن البحر الأحمر فضلا عن أنه سيترك فراغا لتزايد عمليات القرصنة التي ستؤثر على الاقتصاد العالمي والمنطقة لا ينقصها عبء آخر وفق الهرري، مشيرا إلى الأزمات التي يتسبب بها الحوثيون في اليمن وتمدد حركة الشباب على الصعيدين البري والبحري.
واختتم حديثه بالتأكيد على أنه بات واضحا أن مستقبل بعثة (أميصوم) في الصومال لم يعد محكوما فقط بالإرادة السياسية الأفريقية، بل مرهونا بحسابات دولية معقدة، فإما أن تنجح التحركات الجارية في تأمين تمويل كاف لاستمرار المهمة ولو بحجم مخفّض وإما أن يدخل الصومال مرحلة جديدة من التحدي الأمني، في ظل هشاشة مؤسساتها وعودة الجماعات المتطرفة إلى الواجهة.
ووفقًا لتقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية، فإن مسؤولي الاتحاد الأفريقي يبحثون بالفعل سيناريو خفض عدد القوات، وسط تداعيات مباشرة ناجمة عن نقص التمويل، وفي وقت لا تزال فيه المؤسسات الأمنية الصومالية غير قادرة على تولي المسؤوليات الكاملة لحفظ الأمن والاستقرار.
وفي نهاية أبريل/نيسان الماضي، عقدت الدول المساهمة بقوات في البعثة الأفريقية اجتماعا استثنائيا في مدينة عنتيبي الأوغندية، دعت فيه إلى الإسراع في تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2719 (لعام 2023)، الذي يُعد آلية حاسمة لمعالجة الأزمة المالية التي تعصف ببعثة الاتحاد.
وينص القرار على تمويل يصل إلى 75% من ميزانية بعثات السلام الأفريقية عبر مساهمات الأمم المتحدة، ما كان من شأنه أن يوفر شريان حياة سريع للمهمة الأفريقية في الصومال. غير أن الفيتو الأمريكي أجهض تمرير القرار، ما مثل انتكاسة جديدة لمحاولات تمويل عمليات حفظ السلام الإقليمية، وعكس انقساما دوليا متزايدا بشأن تقاسم أعباء الأمن في مناطق النزاع.
وبفعل هذا الانسداد، تجد مفوضية الاتحاد الأفريقي نفسها مضطرة إلى البحث عن بدائل تمويلية خارج الإطار الأممي، بما في ذلك عقد مؤتمر دعم مالي مرتقب في الدوحة أو لندن، لتأمين الحد الأدنى من الاستمرارية للبعثة.