مشاهد من 3 مستويات.. عنصرية أوروبية ضد اللاجئين في زمن الحروب
عادة ما تفرز الحروب دمارا ودماء، لكنها تكشف أيضا آفات توارت لسنوات خلف طبقات من الحرية والمساواة، وتضع المجتمعات في مواجهتها.
ولا مثال أحدث على ذلك من ظاهرة العنصرية التي ارتبطت بحركة اللجوء المتزايدة جراء الحرب في أوكرانيا، ومشاهد شاهدها المرء، أو قرأ عنها، وتظهر تفرقة واضحة في التعاطي، وتستدعي أزمات سابقة مثل أزمة اللجوء في 2015.
ويمكن تقسيم اتهامات العنصرية الموجهة لأوروبا في هذا الملف، إلى ثلاثة مستويات رئيسية، أولها "الانتقاء" على المعابر، حيث سجلت تقارير، منع فارين من ذوي البشرة السمراء من العبور لبولندا، ثم "تباين الترحيب" مقارنة بأزمات سابقة، وأخيرا "التفضيل"، وهو محاباة فئة على حساب أخرى في المساكن على سبيل المثال.
التفرقة بين اللاجئين، بدأت على الحدود وفي الأيام الأولى من الحرب، إذ منعت الشرطة البولندية أشخاصا من ذوي البشرة السمراء القادمين من أوكرانيا، من العبور إلى داخل البلاد، وفق تقارير إعلامية.
وفي هذا الإطار، أصدرت منظمة "ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان" تقريرا يوثق حالات التمييز ضد العرب والأفارقة أثناء الهجرة الجماعية من أوكرانيا في أعقاب العملية العسكرية التي بدأت في 24 فبراير/ شباط، بحسب "بوابة الأهرام" المصرية.
ووفق التقرير "تم منع جميع من ينحدرون من أصول عربية أو أفريقية من الحصول على الطعام والشراب لحين حصول المواطنين الأوكرانيين أولا".
وأشار إلى أن الأمر نفسه تكرر في محطات القطار، حيث تم منع العرب والأفارقة من "ركوب القطارات وأُجبروا على عبور الطريق سيرا على الأقدام، وظل الجنود الأوكرانيون يقولون لهم: الأوكرانيون أولا".
واتهم تقرير المنظمة الحقوقية المصرية، حرس الحدود الأوكرانيين والبولنديين باتباع "سياسة تمييزية ضد غير الأوروبيين من خلال عرقلة عبور الأفارقة مع السماح للأوكرانيين بالعبور وتزويدهم بالطعام والإسعافات الأولية".
بدوره، أعرب الاتحاد الأفريقي على الفور، عن انزعاجه من التقارير الواردة بشأن أوضاع المواطنين الأفارقة في أوكرانيا، والتي تفيد "بحرمانهم من حق العبور إلى بر الأمان".
واعتبر بيان للمنظمة، أن التقارير التي تحدثت عن استهداف الأفارقة بمعاملة مختلفة "أمر غير مقبول، ويشكل عنصرية بشكل صادم وانتهاكا للقانون الدولي".
وأضاف البيان: "يحث رؤساء الهيئات الأفريقية جميع البلدان على احترام القانون الدولي وإبداء نفس التعاطف والدعم لجميع الأشخاص الفارين من الحرب بغض النظر عن هويتهم العرقية".
إقامة 5 نجوم.. ولكن لمن؟
ومن "انتقاء" الفارين أو اللاجئين، إلى تذليل العقبات وبسط الأمور أمام حركة الأوكرانيين بشكل لا يقارن على الإطلاق بما حدث قبل ٧ أعوام مع السوريين في خضم أزمة لجوء ضربت أوروبا، أو مع الأفغان الصيف الماضي.
فعلى سبيل المثال، كانت مبادرات قطاع السياحة من ضمن مبادرات أوروبية عدة لدعم اللاجئين الأوكرانيين، وتذليل العقبات أمام تدفقهم على الدول الأوروبية.
ومن ضمن هذه المبادرات، تحويل باخرة سياحية عملاقة لمقر إقامة للاجئين الأوكرانيين، تلك الباخرة الراسية حاليا على سواحل مدينة "روتردام" وتحمل اسم The Volendam.
والباخرة المكونة من 10 طوابق، تحتوي على غرف تكفي لاستقبال نحو 1500 لاجئ، ولكن الأمر لم يقتصر على استضافة اللاجئين فقط.
وتقدم الباخرة للاجئين المقيمين فيها 3 وجبات يومية، بالإضافة لخيارات ترفيهية تشمل استخدام شبكة الإنترنت اللاسلكي، وتوفر خدمات رعاية صحية واجتماعية للاجئين.
وهذه المبادرة، تظهر مع مشاهد أخرى، ترحيب الدول الأوروبية بشكل أكثر حرارة باللاجئين الأوكرانيين، مقارنة بما حدث مع السوريين الذين خاضوا رحلة محفوفة بالمخاطر عبر البحر والبر هربا من الحرب في 2015.
ركلة عنصرية في الذاكرة
وفيما تتعدد وسائل ومستويات الترحيب باللاجئين الأوكرانيين، تستعيد الذاكرة واقعة المصورة المجرية التي التقطتها عدسات الكاميرات وهي تركل لاجئا سوريا أثناء عبور حاجز شرطة في خضم أزمة 2015.
وأظهرت لقطات فيديو في ذلك الوقت، المصورة بيترا لازلو، على نحو خاص وهي تعرقل رجلا يحمل طفلا صغيرا على ظهره، ما حرك اتهامات بالعنصرية ضد المصورة، وموجة غضب عربية ودولية كبيرة.
أوجه التفرقة
وقال إتش. إيه هيليير، الباحث بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ومقرها واشنطن: "إنه لأمر استثنائي رؤية هذه السهولة النسبية التي تستقبلهم بها كل حكومة أوروبية تقريبا، وكيف تسفر محنتهم عن تضامن غامر".
وفي فرنسا، قال المرشح السابق للرئاسة الفرنسية إريك زمور لقناة "بي إف إم" الفرنسية، في 8 مارس/آذار الماضي، إنه سيكون من المقبول وجود قواعد مختلفة للاجئين القادمين من أوروبا وأولئك من الدول العربية الإسلامية.
وأضاف: "يعلم الجميع أن العرب أو المهاجرين المسلمين من دول بعيدة جدا عنا ومن الصعب استيعابهم. لذا، فنحن أقرب إلى مسيحيي أوروبا".
وفي الدنمارك التي يعرف عنها التشدد في سياسات الهجرة، استقبلت الحكومة اللاجئين الأوكرانيين بكل ترحاب، وبينما تتحدث عن معاملة متساوية لكل اللاجئين، بدأ سوريون الحديث عن مغادرة البلاد.
تفرقة التكتل
وفي عام 2015، ناقش الاتحاد الأوروبي ما إذا كان ينبغي تفعيل ما يسمى قانون التدفق الجماعي الذي تمت الموافقة عليه عام 2001، في ضوء تحركات اللاجئين الكبيرة في ذلك العام. ومع ذلك، لم يحصد هذا المقترح تأييد الأغلبية في ذلك الوقت.
لكن الوضع اختلف في عام 2022، وبعد أسبوعين من بدء الحرب في أوكرانيا، فعّل الاتحاد الأوروبي هذا القانون لأول مرة منذ 21 عامًا، وبذلك، مٌنح اللاجئون الأوكرانيون حق الإقامة دون إجراءات اللجوء، والعمل على الفور، والحصول على المزايا الاجتماعية والتأمين الصحي.
هذه التسهيلات لم تحدث مع السوريين في 2015 أو الأفغان الصيف الماضي، حيث كان اللاجئ من الدولتين ينتظر فترات متفاوتة من أجل بت السلطات في الدول الأوروبية المختلفة في طلب اللجوء، ومنحه الإقامة وحق العمل من عدمه.
وفي هذا الإطار، قالت أورليكه زيمان كاتز، وهي مسؤولة في منظمات دعم اللاجئين بألمانيا، "في الواقع، ما يتم فعله للاجئين الأوكرانيين رائع حقًا، ولكن يجب التعامل بنفس الطريقة مع جميع اللاجئين الآخرين الذين يأتون إلى ألمانيا أو أوروبا".
وتابعت في تصريحات لشبكة "إن دي آر" الألمانية: "نحن عنصريون عندما يتعلق الأمر بالقوانين. نحن نفرق بين الخير والشر وبين اللاجئين المرغوب وغير المرغوب فيهم".
التفضيل
ومن التباين في الترحيب واستقبال اللاجئين، نصل للمحطة الأخيرة من مظاهر التفرقة بين اللاجئين الأوكرانيين، والقادمين من مناطق ودول مختلفة مثل سوريا وأفغانستان وأفريقيا، وهي "التفضيل".
وقبل أيام، فجرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، قضية إجلاء مئات اللاجئين الأفغان من أماكن الإقامة التي اعتادوا عليها منذ الوصول إلى ألمانيا، الصيف الماضي، لصالح اللاجئين الأوكرانيين الذين وصلوا البلاد منذ نهاية فبراير/شباط الماضي.
ووفق المجلة، فإن إدارة الاندماج والعمل والخدمات الاجتماعية في ولاية برلين، اتخذت هذا القرار، بحجة أنه "يستند إلى اعتبارات ضرورية وصعبة من الناحية التشغيلية"، وأنه لا يوجد بديل لأن الأوكرانيين، بما في ذلك العديد من النساء والأطفال، يحتاجون إلى "سقف وسرير".
ونقلت المجلة عن ستيفان شتراوس، المسؤول الصحفي في إدارة الاندماج، قوله: "نأسف لأن هذا تسبب في صعوبات إضافية للعائلات الأفغانية، وأن الأشخاص المتضررين اضطروا إلى الخروج من محيطهم المألوف وربما يتعين عليهم الآن مواكبة علاقاتهم الاجتماعية بصعوبة كبيرة".
لكن عددا كبيرا من الأسر الأفغانية أجبروا على ترك منازلهم دون سابق إنذار، لإفساح المجال أمام اللاجئين الأوكرانيين، وهذا حدث على سبيل المثال مع عائلة باروانا أميري.
وكانت "أميري" تتناول الإفطار مع زوجها وابنتيها الصغيرتين، عندما وقف زائر غير متوقع؛ (موظف من إدارة الاندماج الألمانية)، خارج الباب حاملاً أخبارا غير متوقعة: بأنه يتعين على الأسرة إخلاء منزلها للاجئين الجدد القادمين من أوكرانيا في غضون 24 ساعة، دون أسئلة أو تفاوض.
وأميري "اسم مستعار" لواحد من مئات الأفغان في جميع أنحاء ألمانيا الذين تم إبعادهم جانبًا. لإفساح المجال للاجئين الوافدين حديثًا من أوكرانيا، وفق المجلة الأمريكية.