عزوف عراقي عن الزواج.. مغامرة مؤجلة لـ"حين ميسرة"
"علي"، يعمل في ورشة لتصليح الهواتف النقالة وسط العاصمة بغداد، براتب لا يتجاوز الـ600$ شهرياً، كان قد دخل القفص الذهبي قبل نصف عام.
اضطر الشاب الثلاثيني، حتى يتم مراسم الزواج إلى بيع سيارة حديثة كان يملكها ومصوغات ذهبية تعود لوالدته مهراً لعروسته التي قرر الاقتران بها.
الشاب البغدادي هو واحد من ضمن أربعة شباب في عائلة واحدة بلغوا سن الزواج، ولكن لم يستطع أحدهم من إنجاز تلك المهمة سوى "علي" بعد إلحاح من والدته التي خانتها العافية في تلبية احتياجات المنزل.
يقول "علي" إن متطلبات الزواج أرهقته كثيراً جراء ما فرض عليه من قبل ذوي خطيبته والتي أصبحت فيما بعد شريكة حياته، وعما كان السبب وراء القبول بذلك يؤكد: "كان أقل عرض وجدته بين سبع نساء تقدمت لخطبتهن".
فيما يكافح "سيف" ذو الـ28 عاماً، من أجل الحصول على فرصة عمل يستطيع من خلالها التجهز لمشروع الزواج، ولكنه بدا شبه يائس من تحقق ذلك الأمر، يحرك يداه وبدت على ملامحه الأمنيات والقلق وهو يقول :"العمل والزواج أصبحا من أصعب ما يكون في دولة النفط والثروات"، في إشارة إلى بلاد الرافدين، العراق.
يحكي "سيف" الحاصل على شهادة "ماستر" في القانون الدولي، عن قصة صديق أقدم على خطبة زميلة له في العمل تفاجأ بمتطلبات أهلها التي تضمنت نصف كيلو من الذهب ومهر مقداره 25 مليون دينار، مما حدا به ترك الأمر وتعطيل الزواج إلى "حين ميسرة".
ويعاني العراق من تدني فرص العمل وارتفاع البطالة ومعدلات متصاعدة في مستويات الفقر تتجاوز الـ35 %، وفاقمت هبوط أسعار النفط وظروف الإغلاق العالمية جراء وباء جائحة كورونا، من تراجع الاقتصاد العراقي الذي يعاني الفساد وسوء التخطيط.
ودفعت الأوضاع المعيشية الصعبة، إلى نزول المواطنين في تظاهرات عديدة طالبوا من خلالها بفرص تعيين وإيجاد حلول ومعالجات لارتفاع نسب البطالة.
وتوضح إحصائيات شبه رسمية صادرة من دوائر مختصة، ارتفاع نسب العزوبة في العراق خلال السنوات الخمس الأخيرة، محذرة من تداعيات ذلك على الأمن والسلم الاجتماعي.
ويشير الباحث الاجتماعي معن الجميلي، إلى أن معدلات الزواج لم تنخفض في العراف فحسب وإنما أصبحت محصورة بأنواع معينة من كلا الجنسين وضمن معايير ومواصفات تختلف عما كانت عليها أيام زمان.
وبحسب "الجميلي"، باتت المرأة العاملة في العراق ذات حظوظ أوفر في فرص الزواج من نظيراتها ربات البيوت، وكذلك الرجال ممن يملكون وظائف حكومية باعتبار أن عملهم أكثر استقرار وثباتاً.
ويرجع "الجميلي"، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أسباب ارتفاع نسب العنوسة بين النساء وعزوف الشباب عن الزواج إلى عاملي المال والمهور العالية، ويبدي عن تأسفه لما لحق بمنظومة الزواج من إضافات هجينة وغريبة جعلتها تتحول إلى مشروع تجاري فيه طرفان خاسر ورابح.
من جانبه يرى الأكاديمي سالم العزاوي، عدم استقرار الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد وخصوصا ما بعد احتلال مدن العراق من قبل التنظيمات الإرهابية قبل سبع سنوات وما رافقها من اضطراب مستمر عمق من فكرة العزوف لدى الشباب عن الزواج.
ويؤكد "العزاوي"، أن معظم الشباب من العراقيين باتوا ينظرون إلى الوطن كمحرقة للأجيال والأعمار جراء التجارب بالمأساوية التي عاشتها البلاد على مدار العقدين الماضيين وبالتالي بات أغلبهم يفكر بالرحيل وانتظار الفرصة المواتية للخروج من ذلك الجحيم دون أثقال زوجة وأطفال.
إلا أن مراد الدليمي، يرى القضية من وجه آخر، إذ يضيف إلى جملة تلك الأسباب موضوع الثقة بالنساء والبحث عن امرأة تصلح أن تكون مؤتمنة على العمر والدار.
"مراد" الذي يعمل نجاراً وكان خاض تجربة زواج فاشلة، يرى أن وسائل التواصل الاجتماعي وتقنيات الاتصال الحديثة قد تركت مخلفاتها القيمية والأخلاقية على الكثير من النساء مما يجعل التفكير باختيار شريكة حياة أشبه بـ"المغامرة".
وبحسب آخر إحصائية صادرة عن مجلس القضاء الأعلى، فقد سجل العراق خلال شهر مايو/أيار الماضي، 17.791 ألف حالة زواج، بفارق عما شهده الشهر الذي سبقه بتسجيل 25.361 حالة.
المحامية ندى جابر، التي تعمل عند محكمة مدنية في قضايا الزواج والميراث، شرقي بغداد، تؤكد أن حالات الزواج في العراق تراجعت منذ بدايات انتشار جائحة كورونا يقابلها ارتفاع في نسب الطلاق.
وتؤكد "جابر" التي كانت تتجهز لترتيب أوراق عقد زواج شرعي عند تلك المحكمة، أن الأمر تدخل فيه الكثير من العوامل المادية والنفسية والاجتماعية كذلك، وتعزز بقولها: "الظروف الطارئة التي اعتادها العراقيون منذ سنوات تركت آثارها النفسية على المجتمع بشكل عام مما حدا بأن يكون الشاب خارطة من التعقيد السيكولوجي والتناقض والضبابية في تحديد الأهداف والغايات.. وليس الأمر منوطا بالرجل، فالمرأة نالها الكثير من ذلك جراء سطوة الأعراف العشائرية والقبلية وتأثيرات المجتمع بما يجعلها مرتبكة وغير مستقرة في اتخاذ قرار مناسب وصحيح في اختيار الزوج المناسب".
aXA6IDE4LjExNy43NS42IA== جزيرة ام اند امز