داعش والنظام الإيراني هما نتاج لمؤسسات دينية أخفقت في أداء مهامها، كما هو حال الغرب، الذي أخرج دعاة الحروب الصليبية الجدد.
في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر ٢٠٠١م، أسقط برجا مركز التجارة العالمي في نيويورك، عند تلك اللحظة فقط، وضع العالم تحت اختبار دقيق للغاية، فالمهاجمون مسلمون، ويحملون في رؤوسهم مفاهيم متطرفة، كانت نتاج عقود من اختطاف للإسلام، بينما الذين تلقوا الضربة هم مسيحيون، كانوا أيضاً يعيشون نتاج تراكمات، وإن كانت مخفية من مسيحية متطرفة كذلك.
وهو ما انعكس في خطاب الرئيس الأمريكي الابن جورج بوش، الذي أعلن الحرب، فغزت الولايات المتحدة أفغانستان والعراق بذرائع لم تكن صحيحة، فليس كل المسلمين متطرفين، كما كان خاطفو الطائرات صباح الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م.
الراديكاليون شرقاً وغرباً استطاعوا التسلل إلى الهيئات الدينية، ومرّروا أفكارهم الأيديولوجية المأزومة، واستطاعوا من بعد ذلك إشعال الحروب في كل مكان، دون قدرة من أحد على الوقوف أمام غليان محموم، فلقد وزعت صكوك الجنة عند المتشددين الإسلاميين، وصكوك الغفران عند نظرائهم المسيحيين
تزامن مع بداية تشكل الدول الوطنية في العالم العربي، تصاعد خطاب الإسلاميين الراديكاليين، فما وضعه مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، حسن البنّا، أفكار متشددة، وجدت عند سيد قطب ما أمكن أن يشكل البيئة الحاضنة للإسلام السياسي، في ذلك الوقت، وتحديداً منتصف القرن العشرين، كان الأوروبيون قد خرجوا من الحرب العالمية الثانية، وركبوا صهوة الليبرالية، متسلحين بالثورة الصناعية، وفيما كانت تتفاعل في الشرق الأوسط الأزمات السياسية، ويتم توظيف الخطاب الإسلامي، كانت كذلك المؤسسات الدينية الغربية تعمل على توظيف الراديكالية في داخل مؤسساتها.
أسقط الغرب على الشرق الأوسط قنبلة في عام ١٩٧٩م، عندما تخلت الولايات المتحدة عن شاه إيران محمد رضا بهلوي، وحملت الطائرة الفرنسية الخميني إلى طهران، يومها سارع الإخوان المسلمون لتهنئة الخميني، وباركت نجاح الثورة الخمينية، لم يستوعب الغرب أن الراديكالية الإسلامية حصلت على ما تحتاجه من قوة الدفع، لتتحرك في الشرق.
فكان اغتيال الرئيس المصري أنور السادات، مجرد انعكاس لحدث كبير نزل بالشرق الأوسط، وبذلك خرجت الأفكار المأزومة، التي كانت في الزنازين، للواقع، وتحولت إلى قنابل ومتفجرات وصواريخ محمولة على الأكتاف، من كابول وحتى بيروت.
كان الشرق يموج تحت تأثيرات خطابات محتقنة من أنصاف العلماء وأرباع الدعاة، سنوات طويلة اختطف الإسلام، وتحول الإنسان إلى لغم ينفجر في الحواجز والمعسكرات، وحتى في مواقف السيارات، زرعوا الكراهية، ليس فقط تجاه أصحاب الأديان الأخرى، بل حتى في داخل ملة الإسلام، فعلى مدار أربعة عقود مضت، تحول إصدار الخطاب المعادي حتى داخل المذاهب الإسلامية، فضلاً عن الطوائف، في هذا السياق، كانت المؤسسات والهيئات تتسابق لإصدار فتاوى الإقصاء للآخر، وتمنعه من أن يحصل على حصة من الحضور على المشهد.
في الغرب، كانت الكنيسة تعيش ما يحدث في الشرق ذاته، ففيما كانت الجهود الكنسية تحاول ترسيخ التعايش مع الأعراق، وفيما كان المهاجرون يتدفقون للقارة الأوروبية، كانت المؤسسات الدينية المسيحية غير قادرة على تحقيق مبادئ الدين المسيحي على أرض الواقع.
فبقيت العنصرية تجوب كل الغرب، ولا يمكن تجاهلها، وهي تنبعث في مدرجات ملاعب كرة القدم، وفي أنحاء العواصم والمدن الغربية، التي يعاني فيها المهاجرون خطابات الكراهية، التي تنامت مع صعود الشعبوية، التي باتت تهز بوقع خطابها المتشنج أركان السلطة السياسية في الغرب.
ما يمكننا الوقوف عنده، أن الشرق والغرب لديهما معاً معضلة أساسية، فكما أن الشرق يعيش على صراعاته التاريخية، فإن الغرب يعيش أزمة الإسلاموفوبيا، وهنا تساؤل جدير بأن يكون عن: كيف تسللت إلى المؤسسات والهيئات تلك الأفكار الباعثة للكراهية عند المسلمين والمسيحيين؟
وهنا نحتاج لتجرد وشجاعة، في الشرق كان داعش والنظام الإيراني هما نتاج لمؤسسات دينية أخفقت في أداء مهامها، كما هو حال الغرب، الذي أخرج دعاة الحروب الصليبية الجدد، فأسقطوا الدول، وتركوا في فراغاتها مساحة شاغرة للمتطرفين، ليقدموا للبشرية أفدح ما يمكن أن يصل له الإنسان بالقتل باسم الله، والله براء مما يفعلون.
الراديكاليون شرقاً وغرباً استطاعوا التسلل إلى الهيئات الدينية، ومرّروا أفكارهم الأيديولوجية المأزومة، واستطاعوا من بعد ذلك إشعال الحروب في كل مكان، دون قدرة من أحد على الوقوف أمام غليان محموم، فلقد وزعت صكوك الجنة عند المتشددين الإسلاميين، وصكوك الغفران عند نظرائهم المسيحيين.
ولعل لفْت النظر إلى ما حدث مع الأيزيديين في العراق من مجازر، كان إشارة لتراكمات تاريخية من اختطاف الراديكاليين للخطاب الديني، حتى بات إفراغ الشرق من المسيحية، هدفاً أساسياً، في تعامٍ وتجاهل بأن الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب، كان قد منحهم الوثيقة العمرية قبل أربعة عشر قرناً مضت.
ولي عهد أبوظبي، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، قرر مواجهة كل ذلك، ليس بمجرد الدعوة فحسب، بل بالتحرك العملي الشجاع، فاستعادة الخطاب الإسلامي من خاطفيه، ثم التمسك بالأزهر كمنارة إسلامية لبث روح الإسلام ومبادئه، وفقاً للوسطية الدينية الداعية لقيم التسامح والعدل للبشرية، خطوة عملية من جانب الإمارات العربية المتحدة، تتطلب من العالم الإسلامي تحركاً يتوافق مع أهميتها لمستقبل أجيال يجب أن تنعم بالسلام.
فالإسلام هو دين السلام واحترام الآخر، فكيف إذا كان ذلك الآخر هو من جاورهم النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم، وحفظ لهم أنفسهم وأعراضهم وأموالهم؟!
في مقابل ذلك، على الفاتيكان والعالم الغربي أن يعملا على تثبيت قوانين فاعلة تجاه محاربة العنصرية ومقاومة الإسلاموفوبيا، والمساهمة في ردم الهوة التي لطالما تسلل منها التطرّف الأعمى.
نقلاً عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة