زمن «الحرب الشاملة».. وسائل هجينة وتركيبة عدوانية وردع مطلوب
حرب شاملة بتركيبة سكانية وأنماط قتال تناسب عصر الذكاء الاصطناعي، تتطلب يقظة وتغييرا كبيرا في طريقة الاستجابة، خاصة تطوير منظومة الردع.
كانت الحرب الباردة هي التحدي الرئيسي لأمريكا في النصف الثاني من القرن الـ20 مع جمود صراعات القوى العظمى بفضل الردع النووي.
ومع انهيار الاتحاد السوفياتي خلال تسعينيات القرن العشرين، أصبحت الحرب مسألة تجميع تحالفات للتدخل في صراعات منفصلة، خاصة عندما تقدم بعض الأطراف "السيئة" على جيرانهم، أو إشعال العنف المدني أو العرقي، أو قتل المدنيين.
وبعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول في 2001، تحول الاهتمام إلى المنظمات الإرهابية والمتمردين والجماعات غير الحكومية الأخرى، وبالتالي دفعت "الحرب على الإرهاب"، الصراعات بين الدول إلى الهامش.
وخلال القرن الـ 21، تراجع اهتمام المفكرين باحتمال اندلاع حرب كبرى بين الدول، لكن اندلعت في 2022، حرب أوكرانيا كأكبر حرب برية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية،
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي تشتعل حرب غزة وسرعان ما اتسع نطاق الصراع ليتحول إلى قضية إقليمية معقدة، تشمل دولًا متعددة وعددًا من الجهات الفاعلة غير الحكومية.
وأصبح من الواضح أن ما يشهده العالم اليوم يشبه ما أطلق عليه المنظرون في الماضي "الحرب الشاملة"، حيث يستعين المتحاربون بموارد هائلة، ويحشدون مجتمعاتهم، ويعطون الأولوية للحرب على جميع أنشطة الدولة الأخرى، ويهاجمون مجموعة واسعة من الأهداف، ويعيدون تشكيل اقتصاداتهم واقتصادات البلدان الأخرى.
لكن وبفضل التكنولوجيات الجديدة والروابط العميقة للاقتصاد العالمي، فإن حروب اليوم ليست مجرد تكرار للصراعات القديمة، وذلك وفقًا لما ذكرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية في تقرير لها.
وينبغي أن تجبر هذه التطورات، الاستراتيجيين والمخططين على إعادة التفكير في أنماط الحروب الراهنة، والأهم من ذلك، كيفية الاستعداد للحرب التي قد تواجهها الولايات المتحدة في المستقبل، وهو الأمر الذي قد يساعد على تجنبها من خلال تعزيز قدرات الردع.
استمرار الصراع
قبل أقل من عقد، كان هناك إجماع متزايد بين الخبراء حول كيفية إعادة تشكيل الصراع في السنوات القادمة، حيث سيكون أسرع، ويتم شنه من خلال التعاون بين البشر والآلات الذكية، ويعتمد بشكل كبير على الأدوات المستقلة مثل الطائرات المسيرة.
كما أن الفضاء والفضاء الإلكتروني سيكتسبان أهمية متزايدة مع زيادة "التهديدات" التي قد تنشأ عن استخدام الأسلحة النووية.
وقد تحققت بعض هذه التوقعات؛ بينما انقلبت أخرى رأسًا على عقب. فمثلًا، ساعد الذكاء الاصطناعي في انتشار الأنظمة غير المأهولة سواء في الجو أو تحت الماء.
وبالفعل حولت الطائرات المسيرة ساحات المعارك، واتضحت الأهمية الاستراتيجية للفضاء مثل اعتماد أوكرانيا على شبكة أقمار "ستارلينك" للاتصال بالإنترنت. كما تكررت التهديدات باستخدام الأسلحة النووية.
الأكثر من ذلك، جمع أطراف الحروب الراهنة بين أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي المتطورة والهجمات الفردية التي يشنها مسلحون يركبون دراجات نارية.
ويمثل ظهور الصراعات البحرية مثل هجمات الحوثيين في البحر الأحمر انحرافًا كبيرًا عن حقبة ما بعد 11 سبتمبر/أيلول، عندما كان الصراع موجهًا إلى حد كبير نحو التهديدات البرية.
وبالمقارنة بفترة ما بعد 11 سبتمبر/أيلول، أصبح لدى المزيد من البلدان الآن قدرة أكبر على الوصول إلى رأس المال وقدرة أكبر على البحث والتطوير، مما يسمح لها بالاستجابة بشكل أسرع وأكثر براعة للأسلحة والتكنولوجيات الجديدة، من خلال تطوير التدابير المضادة.
"تركيبة الحرب"
ومن السمات الأخرى لعصر الصراع الشامل التحول في التركيبة السكانية للحرب. فقد أصبحت الشخصيات المشاركة فيها متنوعة بشكل متزايد، حيث أظهرت الحروب التي أعقبت 11 سبتمبر/أيلول التأثير الهائل الذي خلفته الجماعات الإرهابية والوكلاء والمليشيات.
ومع استمرار هذه الصراعات، تمنى العديد من صناع السياسات، أن يتمكنوا من العودة إلى فترة التركيز التقليدي على الجيوش الرسمية، وخاصة في ضوء الاستثمارات الهائلة التي تنفقها الدول على الدفاع.
وشكل دور قواعد الصناعة العسكرية في البلدان المتنافسة، الخطوط العريضة الجديدة لصناعة الحرب. كما أن فهم التنوع الجديد للمقاتلين والتعقيد المتزايد لعلاقاتهم مع بعضهم البعض سيكون أمرًا بالغ الأهمية في أي حرب مستقبلية.
عودة الردع
وفي حقبة ما بعد 11 سبتمبر/أيلول، نادرًا ما تم استحضار مفهوم الردع في واشنطن، لكن اليوم يتلخص كل نقاش تقريبًا حول السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة في تحدي الردع، وهو أحد مفاتيح إدارة التصعيد المهمة، والتي تشكل على نطاق واسع سياسة واشنطن في كل من أوكرانيا والشرق الأوسط.
واستعادت الأساليب التقليدية للردع أهميتها مثل الردع عن طريق الإنكار، بمعنى جعل تحقيق العدو لهدفه المقصود أمرًا صعبًا، وهو قادر على تهدئة التصعيد، حتى لو فشل في منع العمل العدواني الأولي.
ففي الشرق الأوسط، لم تتمكن إسرائيل من وقف أول هجوم تقليدي كبير لإيران على الأراضي الإسرائيلية في وقت سابق من هذا العام، لكنها حرمت إيران إلى حد كبير من الفوائد التي كانت تأمل في الحصول عليها.
إذ صدت القوات العسكرية الإسرائيلية معظم الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية بفضل أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي المتطورة والتعاون بين الولايات المتحدة ودول مختلفة.
ومكنت التداعيات المحدودة للهجوم، إسرائيل من الانتظار لمدة أسبوع تقريبًا للرد بطريقة أكثر محدودية مما كان من المرجح أن يحدث لو كانت العملية الإيرانية أكثر نجاحًا.
ومع ذلك، أنفقت الولايات المتحدة وإسرائيل نحو عشرة أضعاف ما أنفقته إيران.
وبالمثل، استخدم الحوثيون أدوات غير مكلفة نسبيًا وصغيرة الحجم لمهاجمة السفن في البحر الأحمر عشرات المرات، مما أدى إلى تعطيل طريق شحن رئيسي وفرض تكاليف هائلة على الاقتصاد العالمي.
وردًا على ذلك، استنفدت سفن البحرية الأمريكية مخازنها بشكل متكرر دون الحد بشكل كبير من التهديد.
وهناك وسيلة تقليدية أخرى للردع عادت إلى الظهور وهي العقاب، الذي يتطلب تهديد الخصم بعواقب وخيمة إذا اتخذ إجراءات معينة.
وكانت الإشارات حاسمة لمنع التصعيد في الشرق الأوسط خلال ثلاث لحظات رئيسية هي هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والهجوم الإيراني على إسرائيل في أبريل/نيسان، واغتيال إسرائيل لزعيم حماس إسماعيل هنية في طهران في يوليو/تموز.
تجنب الحرب الشاملة
إن الانتصار في عصر الصراع الشامل يتطلب الشعور بالإلحاح واليقظة، حيث انتهت الصراعات المحدودة في حقبة ما بعد 11 سبتمبر/أيلول، وأصبحت حروب اليوم ظواهر تطال المجتمع بأكمله بشكل متزايد، وفق فورين آفيرز.
بالنسبة لواشنطن، فإن فهم هذا النوع الجديد من الحرب الشاملة سيكون ضروريًا للاستعداد للطوارئ، ويتعين على الولايات المتحدة أن تستمر في توسيع وتنويع وضعها العسكري في المنطقة، لأن ردع الصراعات، وإذا لزم الأمر، الانتصار فيها، يعني اكتساب القدرة على الوصول إلى المزيد من القواعد في المزيد من الأماكن.
aXA6IDMuMTQ0LjI0OS42MyA= جزيرة ام اند امز