257 مصريا في مهمة انتحارية.. العائدون من شبح الكورونا يكشفون التفاصيل
"العين الإخبارية" تتحدث مع الأطباء الذين شاركوا في مهمة المتابعة الصحية للمصريين العائدين من الصين داخل الحجر الصحي بمحافظة مطروح
فيما اعتذر البعض عنها، وافق نحو 257 طبيبا وممرضا وإداريا على خوض واحدة من أصعب التجارب الحياتية والمهنية، بهدف منع دخول فيروس الكورونا مصر في مهمة طبية استغرقت 14 يوما.
"العين الإخبارية" تحدثت مع عدد من الأطباء الذين شاركوا في مهمة المتابعة الصحية للمصريين العائدين من الصين داخل الحجر الصحي بمحافظة مطروح الساحلية (شمال)، والتي انتهت اليوم.
انقسم الـ257 مشاركا في المهمة الطبية إلى فريقين؛ الأول؛ طاقم البعثة الطبية الذي سافر لإجلاء المصريين من الصين، والثاني؛ نحو 250 من أطباء وتمريض وإداريين وعمال.
بعثة طبية.. 7 أبطال
البداية كانت مع دكتور أحمد عتمان، رئيس البعثة الطبية التي سافرت لإجلاء 302 مصري من مدينة "ووهان" الصينية، والذي قال لـ"العين الإخبارية": "البعثة الطبية ضمت 7 أشخاص، منهم 5 أطباء وأخصائيا تمريض واستمرت مهمتهم الطبية داخل الحجر الصحي لمدة 14 يوما"، كاشفا أن "المهمة عرضت على أشخاص آخرين في البداية لكنهم اعتذروا عنها".
وتابع عتمان: "المهمة كانت خطيرة جدا ولم يكن هناك مجال لإجبار أحد، فهناك بعض الدول لم توافق فرقها الطبية على مهمات مماثلة، لذا كان يجب أن يوافق الأطباء المرشحون للبعثة وهو ما حدث مع الأشخاص السبعة".
ورغم المخاوف التي أحيطت بأسر أطباء البعثة، لكن ما طمأنهم وجود طبيب متخصص في "مكافحة العدوى"، بحسب أحاديث متفرقة لعدد منهم لـ"العين الإخبارية".
ويقول عن ذلك دكتور عتمان: "عرضت على الأطباء المهمة ولم يترددوا أبدا، وإن كان لديهم بعض المخاوف لكنهم سرعان ما اطمأنوا لوجودي معهم في المهمة كمتخصص في مكافحة العدوى والأمراض الوبائية".
وتكون الطاقم الطبي من 5 أطباء هم دكتور أحمد عتمان رئيس البعثة، ودكتور موسى الصغير تخصص حجر صحي، ودكتور محمد علي تخصص حميات، ودكتورة هبة ممدوح تخصص نساء وتوليد ودكتور صلاح الصاوي تخصص أطفال، بالإضافة إلى أخصائيي تمريض وهما إسلام سعيد وأحمد عبداللطيف.
وقال أحد أعضاء البعثة الطبية، طلب عدم ذكر هويته لأنه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام، لـ"العين الإخبارية": "كانت الخطة الأولى أن يكون هناك نحو 3 مهمات طبية قبل الاستقرار على أن تكون بعثة واحدة، وكان بعض الزملاء يفضلون ألا يتم ترشيحهم خوفا من طبيعة المهمة، لكن عندما عرضت عليّ المهمة وافقت لأنها ستمنحني خبرة مهنية، وعندما اطلعت على التفاصيل شعرت بأنه شرف لي أن أكون ضمن هذه البعثة الوطنية".
وأضاف: "تم اختيارنا بدقة شديدة وكان بيننا طبيبة نساء وتوليد ودكتور أطفال تحسبا لأي احتياج طبي، خاصة مع وجود 3 حوامل ضمن العائدين".
بدوره، قال آخر ضمن البعثة، طلب بدوره عدم ذكر اسمه: "اليوم شعرت بأن موافقتي على التطوع بعد ترشيحي من جانب القطاع الوبائي كانت صحيحة منذ البداية، خاصة بعد عودة المصريين إلى حياتهم الطبيعية، ولو تكرر الأمر سأختار المشاركة سواء ضمن الطاقم الطبي المسافر أو المتواجد في الحجر الصحي".
الأمر نفسه أكده رئيس البعثة دكتور أحمد عتمان الذي قال: "لو عرضت عليّ المهمة نفسها سأكون مشاركا بكل ترحاب سواء كنت رئيسا للبعثة أو فردا ضمن الطاقم".
واستطرد مبتسما: "كنت في تحد مع نفسي أن أكون مشاركا في واجب وطني ملخصه أن مصر تستطيع مساندة أبنائها في أي مكان في العالم وفي أي وقت وتحت أي ظروف.. والآن نجحنا جميعا في هذا التحدي".
خطة طبية.. الجميع ملتزم
وبحسب دكتور عتمان، رئيس البعثة الطبية فإن "الخطة الطبية كانت ملزمة للجميع، حيث كانت العيادات متوفرة على مدار الساعة، وكان الفحص يوميا لمن لديه أي أمراض مزمنة، مع التشديد على الإجراءات الاحترازية مثل ارتداء الكمامات وغسل الأيدي بشكل مستمر".
ويوضح رئيس البعثة حقيقة وجود 7 حالات اشتباه خلال الأسبوعين فيقول: "لم يكن هناك أي مشكلة وكانت أعراض إنفلونزا عادية لا تمت بصلة لفيروس الكورونا.. لكن كان علينا جميعا التعامل بحذر شديد".
ويختتم رئيس البعثة: "اليوم وبعد عودة الجميع إلى حياتهم العادية لن يكون هناك حاجة لمتابعتهم، سيمارسون حياتهم بشكل طبيعي وإن كانوا في رأيي سيلتزمون بالمحاذير الطبية العادية بعد هذه التجربة".
250 طبيا.. مهمة صعبة
يروي أحد الأطباء (ع.ر) لـ"العين الإخبارية" أن مشاركته ضمن 250 شخصا في الحجر الصحي كانت المهمة الأصعب في حياته، قائلا: "التحدي الذي كان يواجهنا هو سرعة تجهيز الحجر الصحي قبل وصول العائدين بـ48 ساعة، وبالفعل استطعنا تجهيز كافة العيادات والأدوية اللازمة لمتابعة أي أمراض مزمنة لدى النزلاء وكذلك حال أي مستجدات".
وتابع الطبيب الذي كان في طريقه للعاصمة القاهرة بعد انتهاء مدة الـ14 يوما: "كانت أولويتنا الحفاظ على المهمة الطبية داخل الحجر الصحي دون خسارة أي شخص سواء من العائدين أو الفريق الطبي".
وكمن يتذكر مشاعر مضت، يقول: "كنا جميعا نتخوف من ظهور حالات عدوى رغم أن المسؤولين أبلغونا بأن العائدين بصحة جيدة لكن كنا نؤمن الجميع، ونلتزم بالإجراءات الاحترازية بحذافيرها".
طبيب آخر (أ. م) يوضح لـ"العين الإخبارية" أهمية التزام الجميع بالخطة الطبية بقوله: "كنا نتعامل مع فيروس واسع الانتشار وكل ما نعلمه عنه أنه ينتقل عبر الرذاذ وبقية التفاصيل الطبية كانت مجهولة بالنسبة لنا فكان علينا أخذ الاحتياطات اللازمة وهذا كان شعور جميع الفريق الطبي".
ويتفق الطبيبان، اللذان تحدثوا لـ"العين الإخبارية"، على وجود مخاوف لدى أسرهم لكن إصرارهما على المشاركة والدافع الذي حركهم كان أكبر.
ويقول الطبيب (ع. ر): "بدون مبالغة كنت أشعر أنه واجبي نحو مهنتي ووطني وأعتقد لو عرض عليّ الأمر مرة ثانية وثالثة سأشارك".
وفي وقت سابق اليوم، انتهت مدة عزل المصريين العائدين من الصين داخل الحجر الصحي بعد التأكد من عدم إصابتهم بفيروس الكورونا المستجد.