من ثورة الخميني لكورونا.. "قم" الإيرانية مهد الأزمات
السياسيون في طهران أو على الأقل المحسوبين على التيار المحافظ، يستمدون الجزء الأكبر من سلطاتهم من قم التي انتشر بها فيروس كورونا مؤخرا.
قبل 41 عاما وبالتحديد في عام 1979، كانت مدينة "قم" الإيرانية مهدا لثورة الخميني التي صدرت الإرهاب والخراب إلى العالم، واليوم أصبحت أول بقعة موبوءة بـفيروس كورونا الفتاك بالشرق الأوسط ومصدر قلق للمنطقة.
وعلى مدار السنوات الماضية، شهدت المدينة اجتماعات مهمة للنظام الإيراني، ففيها تحاك المؤامرات ومنها تخرج قرارات دعم التطرف والإرهاب في سوريا واليمن وقتل المتظاهرين في العراق ووأد الاحتجاجات في لبنان.
وتقدر مساحة محافظة قم 11 ألف كلم مربع، وتحدها مدينة طهران شمالا وأصفهان جنوبا ومدينة أراك غربا ومحافظة سمنان شرقا، وترتفع بنحو 930 م فوق مستوى سطح البحر، ويصل عدد سكانها نحو مليوني نسمة.
وقم مدينة مناخها صحراوي قليلة الأمطار وفقيرة معماريا واقتصاديا، أبرز معالمها بالإضافة إلى الحوزة العلمية ومدارسها، هو مسجد فاطمة ابنة موسى الكاظم بن جعفر الصادق، الإمام السابع لدى الشيعة (745 – 799).
** التشدد المذهبي
ولعبت الحوزة الشيعية (مراكز دراسية دينية) في "قم" دورا هاما في إسقاط النظام الملكي في إيران عبر تأثير واسع لرجال الدين على المجتمع وإبراز صورة قمعية وفاسدة للشاه محمد رضا بهلوي والتركيز على أن البلاد خاضعة للولايات المتحدة الأمريكية.
وبعد نجاح ثورة الخميني عام 1979 في إسقاط الشاه، أدت الحوزة دورا كبيرا في التأثير على الطائفية بالعالم، خاصة العراق ولبنان وبعض دول الخليج وسوريا من خلال استقطاب عشرات الآلاف من الطلبة الشيعة من جميع أنحاء العالم.
ولم يكن هدف اجتذاب آلاف الطلاب إلا لغرس التشدد المذهبي ومن ثم استخدامهم في زعزعة استقرار هذه الدول ضمن خططها لنشر التطرف والإرهاب ومن ثم توسيع نفوذها.
** مركز الحكم الفعلي
ومحافظة "قم" هي العاصمة الروحية لإيران رغم كونها ثاني مدينة من حيث الأهمية الدينية بعد مدينة "مشهد" كما أنها ليست ذات شعبية بين الكثير من الإيرانيين الذين يرون أنها، وحوزتها العلمية، يحكمان البلاد فعليا.
ووفق مراقبين فإن السياسيين أو على الأقل المحسوبين منهم على التيار المحافظ، يستمدون الجزء الأكبر من سلطاتهم من قم، وليس من العاصمة السياسية طهران.
وحسب المصادر ذاتها فإن كثيرا من الإيرانيين من ذوي التعليم المدني يشعرون أن هذه المدينة الصغيرة اختطفت بلادهم، من حيث المزايا التي نالها رجال الدين خلال سنوات حكم نظام ولاية الفقيه الـ41 سواء مالية أو نفوذ.
** حياكة المؤامرات
مثل عام 2003 نقطة مهمة في تمدد النفوذ الإيراني الشيعي وتوغله في منطقة الشرق الأوسط مستفيداً من بعض المتغيرات الإقليمية والدولية (احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية) التي جعلت من منطقة الشرق الأوسط أرضية خصبة للتدخلات الإيرانية.
وشهدت مدينة "قم" زيارات العديد من جنرالات الحرب سواء الحوثيين أو قادة مليشيات الحشد الشعبي في العراق وكذلك عنصر من حزب الله اللبناني وكان الظاهر منها أنها جولات سياحية ولكنها في الحقيقة لحياكة المؤامرات وبحث سبل دعم التطرف والإرهاب ووأدا الاحتجاجات المناهضة لنفوذ إيران بهذه الدول.
وبينما يأن اقتصاد النظام الإيراني جراء العقوبات الأمريكية، كشفت وثائق عن أن 32 ألف عراقي يتقاضون رواتب بشكل مباشر من طهران، في مقدمتهم قادة مليشيات مسلحة تقول إنها عراقية ولكنها تدين بالولاء لإيران إلى جانب شخصيات شغلت مناصب عليا في الدولة.
ومن بين الأسماء أبو مهدي المهندس، قائد كتائب حزب الله التابعة للحشد الشعبي، الذي قتل في غارة أمريكية مطلع يناير/كانون الثاني الماضي الذي كان ضيفا دائما على اجتماعات "قم" مع قادة الحرس الثوري.
ووفق صحيفة "الجارديان" البريطانية فإن قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني المصنف إرهابيا والذي قتل أيضا في الغارة الأمريكية، التقى في نهاية أبريل/نيسان الماضي مليشيات عراقية وطلب منهم الاستعداد لحرب بالوكالة إثر حالة التوتر مع الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك منطقة الخليج العربي.
ونقلت الصحيفة عن مصادر استخباراتية رفيعة المستوى أن سليماني استدعى مليشيات خاضعة لنفوذ طهران لحشد حلفاء إيران الإقليميين، ما أثار مخاوف في الولايات المتحدة حول مصالحها بالمنطقة.
وعقب مقتل سليماني والمهندس شهدت المدينة اجتماعين حاسمين أحدهما لاختيار خليفة قائد مليشيا الحشد الشعبي في العراق (المهندس) بدعم من زعيم مليشيا حزب الله اللبناني حسن نصر الله، والآخر بحضور الزعيم الشيعي مقتدى الصدر؛ لتمرير ودعم ترشيح محمد توفيق علاوي رئيسا للوزراء بالعراق وإقناع المتظاهرين بأنه الأنسب للمرحلة الحالية.
** الأعلى إدمانا وطلاقا
ورغم مكانتها الدينية، كشفت نائبة للرئيس الإيراني حسن روحاني عن أن النساء بمحافظة قم الواقعة تتصدر المدمنات على تعاطي المخدرات محليا.
وقالت زهرا جواهريان، نائبة روحاني لشؤون المرأة، في كلمة لها على هامش جلسة حكومية عقدت داخل مجلس تخطيط وتطوير محافظة قم، الشهر الماضي، إن نساء هذه المحافظة بحاجة إلى دعم رسمي عاجل، نظرا لارتفاع نسبة الإدمان بها مقارنة بباقي محافظات إيران "31 محافظة إجمالا"، فضلا عن زيادة نسب الطلاق بنطاق المناطق القروية بهذه المحافظة أيضا.
** فيروس كورونا
ومن مركز لتصدير الإرهاب والخراب على العالم، اختطفت "قم" الإيرانية الأنظار من مدينة "ووهان" الصينية بعد تفشي فيروس كورونا الفتاك بها على نطاق واسع ووفاة 17 شخصا وإصابة العشرات.
وتسود حالة من الهلع بين الإيرانيين خشية انتقال الفيروس القاتل إلى باقي المحافظة من المدينة التي وصفها البعض حاليا بـ"الملعونة" مطالبين فرض حجر صحي كامل عليها حيث لا يرون في أداء الحكومة نحو السيطرة على كورونا ناجحا.
فيما دعت وزارة الصحة الإيرانية سكان قم إلى عدم مغادرتها، وسكان باقي المناطق الإيرانية إلى عدم زيارة المدينة.
ووفق مراقبين فإن النظام الإيراني لم يعلن بشكل جاد وصادق عن عدد الإصابات بكورونا حتى لا يصيب الشارع بهلع، وعدم إضافة أزمة جديدة إلى المشاكل الكبيرة التي يواجهها.
وليس من الواضح كيف انتقلت العدوى إلى الإيرانيين لكن مسؤولين أكدوا أن غالبيتهم لم يسافر إلى الصين ولم يغادر "قم".
وتسبب هذا التكتم لدى نظام طهران في كارثة إنسانية على دور الجوار من البلدان العربية، التي رصدت حالات إصابة قادمة من إيران كان في مقدمتها الكويت والبحرين والعراق، لمواطنين قدموا من مدينة قم إلى تلك البلدان، وهو ما حدث أيضا مع لبنان، التي رصدت حالة إصابة لإيراني على أراضيها.
وتحسبا لانتقال العدوى، قررت محافظة ميسان، جنوبي العراق، إغلاق معبر حدودي مع إيران بشكل كامل حتى إشعار آخر.
فيما علقت وزارة الداخلية العراقية منح تأشيرات الدخول للإيرانيين في المنافذ الحدودية لأراضيها.
وظهر فيروس "كورونا" الجديد، المعروف رسميا باسم "كوفيد – 19"، في مدينو ووهان الصينية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وأودى بحياة أكثر من 2200 شخص، كما أصاب عشرات الآلاف، غالبيتهم داخل الصين.
aXA6IDMuMTUuMjAzLjI0NiA= جزيرة ام اند امز