"إيقاع" وجدي الكومي.. رواية النبش في المسكوت عنه
"إيقاع" الرواية التي حصدت جائزة الإبداع العربي في الأدب 2016
الرواية التي صدرت 2015 عن دار الشروق ترصد التغيرات الاجتماعية التي طرأت على المصريين وتجيد اللعب على الموروث الفني للرواية الواقعية.
فازت رواية إيقاع للكاتب والروائي المصري، وجدي الكومي، بجائزة الإبداع العربي 2016، فرع الأدب، وذلك على هامش فعاليات مؤتمر "فكر 15" المنعقد في أبوظبي.
الرواية التي صدرت في مطالع 2015 عن دار الشروق المصرية، ترصد التغيرات الاجتماعية التي طرأت على مصر والمصريين بحثا عن حكاية فنية مثيرة، تحاول أن تجيد اللعب على الموروث الفني للرواية الواقعية، في إطار المشهد الاجتماعي الجديد، وهي محاولة لقراءة هذه التطورات، بصياغة فنية حديثة تربط كل خيوط اللعبة، وتقدم الحكاية في ثوب مغاير للتناول التقليدي.
حظيت الرواية ومنذ صدورها باهتمام نقدي لافت، وكتب عنها غيرُ ناقدٍ ومتخصصٍ وقارئٍ محترف، فقال عنها الكاتب والناقد الثقافي محمود عبدالشكور إنها "رواية محكمة الصنع إلى حد كبير وتمثل خطوة أكثر نضجا وبراعة وتركيبا من رواياته السابقة"، مشيرا إلى أن هناك انشغالا باديا بفكرة البيع والشراء لكل شيء، والتي تضخمت في عصر مبارك، وهناك انشغال موازٍ أيضا بفكرة ثمن الإنسان الذي أصبح لا يساوي شيئًا.
تقنيا، تتعدد الأصوات داخل الرواية لتحكي عن محاولة سيدة قبطية لاسترداد أرض وهبت لجدها من الخديوي إسماعيل، في القرن التاسع عشر، لشكل هذا الحيز فيما بعد منطقة "بين السرايات" المتاخمة لحرم جامعة القاهرة، يفتح هذا الحدث الباب أمام تعرية المجتمع المريض من أعلى إلى أسفل، تتقاطع إيقاعات مطربي المهرجانات بصرخات المعذبين، وتكشف الرحلة عن انهيار شامل، ما زال مستمرًا، ولم يختف رغم سقوط مبارك، ذلك أن الفقر والجهل أفرزا تعصبا دينيا مقيتا، وتهميشا اقتصاديا مفزعا، بينما أسهمت رأسمالية الجشع في بيع كل شيء من الأراضي إلى الضمائر.
وارتأى عبدالشكور أن الرواية "جريئة للغاية في تشريح أسباب إحساس أقباط كثيرين بالغبن والغربة في وطنهم، ومثل قطع الميكانو لن يكتمل الشكل ولن تظهر أبعاد المأساة إلا في السطور الأخيرة"، مشيرا إلى أن وجدي الكومي عبر ببراعة عن كل صوت روائي داخل شبكة سرده المتشابكة كالغابة. وتمنى عبدالشكور على كاتب الرواية أن يفكر في الكتابة للسينما؛ لأنه "يروي بالصورة، ولأنه يمتلك قدرة واضحة على بناء الموقف وبناء العلاقات بين الشخصيات مع التلاعب بالمفاجآت والاحتفاظ بالتشويق حتى النهاية".
وأبدى صاحب "كنت صبيا في السبعينيات" إعجابه الكبير بإحكام الروائي لصنعته لدرجة واضحة، وللتحية الفنية التي وجهها الروائي أيضًا لمطربي المهرجانات الذين يحتجون بغنائهم على الفقر والمرض والفوضى يصرخون بطريقتهم الخاصة ولا يزعمون أي شيء سوى أنهم يعبرون عن أنفسهم وعن الناس، وفي النهاية يتداخل إيقاع الأغاني بفن الإيقاع والمتاجرة بالبشر والأديان في لوحة واحدة مثيرة للشجن وللتأمل، "إنها رواية مهمة تستحق القراءة والمناقشة".
بينما رأى الكاتب والسيناريست محمد هشام عبية أن أهم (صفتين) تميزان رواية "إيقاع" هما الشجاعة والذكاء؛ الشجاعة في أن مؤلفها اختار زمنها ما بين عامي 2009 و2013؛ أي سنوات أفول نظام مبارك واندلاع ثورة 25 يناير وصولا إلى 30 يونيو وما بعدها؛ الأمر الذي يجعلها أول رواية تعانق هذا الزمن المتقلب الذي لا يزال طازجا عصيا على الفهم بالأساس. أما الذكاء، بحسب عبية، فيتجلى في أن الكومي استطاع الخروج من مأزق "نقل الواقع والأحداث"، كما هي بحيل روائية ذكية، فخرجت الرواية متماسكة ومشدودة، تجعل قارئها يشعر بأن أحداثها مرت عليه ومن جواره من قبل، لكنها -للغرابة- يستقبلها بجدة مدهشة.
وشدد عبية على أن الشجاعة الأكبر كانت في نبش عدة مواضيع حساسة وخطرة في رواية واحدة دون أي شعور بالزحمة أو اللخبطة، مثل موضوعات الطلاق بين المسيحيين، وخطف القبطيات، والزواج بين المسلمين والمسيحيين، وعنف الأجهزة الأمنية المفرط، وتغليف كل ذلك باختراق نادر لعالم "أغاني المهرجانات" وأسطواته في المطرية وبين السرايات.
قراءة مهمة لرواية "إيقاع"، من منظور النقد الثقافي، قدمتها الأكاديمية والناقدة المصرية الدكتورة هبة شريف، استهلتها بالإشارة إلى أن الرواية عموما بطبيعتها وبنائها تسمح بتعدد الأصوات ووجهات النظر وإتاحة المساحة والفرصة كي تعبر الشخصيات المهمشة والمقموعة عن ذاتها، وتعرض وجهة نظرها. وإذا كان من مفاضلة بين الرواية والتاريخ، فالانحياز هنا للرواية، بحسب شريف؛ لأن كتب التاريخ لا تسجل الحقيقة بصدق مثل الروايات؛ كتب التاريخ تكتفي بذكر الوقائع والأحداث دون أن تتطرق إلى ما وراءها من مشاعر والتباسات عاطفية وفكرية، ولا دوافعها الحقيقية. في النهاية تنحاز كتب التاريخ للتاريخ الرسمي، وتكتفي بأن تقدم وجها واحدا فقط للحقيقة، رغم أن الحقيقة لها وجوه كثيرة.
هذه الرؤية طبقتها شريف على "إيقاع" معتبرة أن الرواية نجحت في تحقيق ذلك بامتياز، واستطاعت أن ترصد هذا الخليط المتراكب من المشاعر والمخاوف والأحلام والتناقضات المهمة التي لا تقف عندها كتب التاريخ ولا تعنى بها. وفي الوقت نفسه، لم تنحز الرواية فنيا لموقف بعينه، أو طبقة بعينها أو جماعة بذاتها، بل حاولت أن تعرض الأحداث والوقائع من خلال عيون الناس ومشاعرهم الإنسانية فقط. وتختتم "شريف" قراءتها المكثفة بقولها: "لهذا كله، فإن الرواية بالنسبة لي مرجع أكثر أهمية ووثوقية من كتب التاريخ خاصة في بلد مثل مصر وفي مرحلة عصيبة كالتي نحياها".