ما يميز مظاهرات البصرة المعاصرة هي قوتها واستمرارها عدة أسابيع، وحرق المتظاهرين لأتباع النظام الإيراني.
البصرة من أهم مدن العراق فهي الينبوع الاقتصادي، لأنها أكبر المحافظات المنتجة للنفط والغاز، حيث تخرج يومياً أكثر من 305 ملايين برميل، وهي تمثل 95% من موازنة البلاد واحتياطي 59% من الاحتياط العراقي المقدر بـ115 مليار برميل، وهي المنفذ الوحيد للخليج العربي وتمتلك تاريخاً عظيماً عميقاً من مختلف الجوانب، بل إنها بالأمس القريب كانت واحة للأزواج في شهر عسلهم من مختلف المدن العراقية كفندق شط العرب المعروف نموذجاً حضارياً رائعاً على شط العرب الجميل.
فكان من المفروض وفق ذلك أن تنعم البصرة بالخير وشعبها بالرفاهية بل من أكثر المدن العالمية ازدهاراً ورفاهاً وخيراً لكن الواقع على العكس تماماً باتت من أسوأ المدن العالمية فقراً وجهلاً ومرضاً وحرماناً من أبسط الحقوق والخدمات كالصحة والتعليم والماء والسكن والكهرباء وتفشي الأمراض لاسيما السرطان من المياه الملوثة.
ما إن أدركت إيران أن شعب العراق بات لا يطيق اسم إيران بادرت على الفور بإغلاق معبر شلامجة الحدودي مع العراق ودعت رعاياها للعودة والحذر الشديد من انتقام العراقيين، حتى إن أتباع طهران أخرجوا مظاهرات لمرتزقة يرفعون شعارات "العراقيين برة برة" وشعارات عنصرية ضد العرب والعراقيين خاصة
المشكلة ليست جديدة بل في النظام السياسي الفاسد القائم منذ 2003 والمبني على المحاصصة الطائفية وتوزيع الغنائم بين زعماء الكتل غير الأكفاء، وحرمان الشعب من جميع حقوقه وتبعيته للنظام الإيراني، حيث أترف المسؤولون بمليارات الدولارات التى هربوها للخارج في عمارات وفنادق وتجارات مختلف دول العالم دون تقديم أي خدمات للشعب، فضلاً عن عامل جديد هو دخول ترامب بسياسة جديدة تواجه المشروع الإيراني في المنطقة على عكس تسليم الرئيس الأمريكي السابق أوباما لإيران المنطقة ومنها العراق وتوقيعه الاتفاق النووي.
لقد انتفضت البصرة منذ 2010 ولا من مجيب، واليوم تزداد الانتفاضة بشكل أكبر وأعمق وأوسع فلم يتحقق أي خدمة من الخدمات حتى إنهم حرقوا مبنى المحافظة وهاجموا المراكز الحزبية والمليشياوية التابعة للنظام الإيراني لا سيما مليشيات الحشد الشعبي وكذلك حرق القنصلية الإيرانية رأس الفساد الحاكم.
المشكلة في البصرة منها شح المياه وانخفاض منسوب المياه ودور دول الجوار لا سيما إيران وسوريا وتركيا، حيث سدت إيران مصب الكارون في شط العرب وأغلقت الروافد المائية وألقت النفايات السامة ومياه المنازل وأمثالها في شط العرب، لدرجة أن مياه المنازل تخرج ديداناً وسموماً وأملاحاً وتسمم الآلاف.
تعاملت السلطات الرسمية مع المظاهرات بالاتهامات والتغافل، وتعاملت الأجهزة الأمنية بالقمع والعنف والقتل بالسلاح الحي المباشر، لذلك استمرت المظاهرات ونمت واتسعت ودعمها دخول العشائر والأكثرية الصامتة من الشيعة العرب للمظاهرات، مطالبين بحقوقهم المنهوبة والمسلوبة، فظاهرة البطالة والفقر والحرمان في محافظة من أغنى محافظات العالم حيث تعوم على ثروة هائلة من النفط والغاز والخيرات.
وقد وعدهم العبادي سابقاً بتوفير وظائف لهم وما أن قدموا للعمل حتى رأوا ملفاتهم في اليوم التالي موضوعة في المزبلة خارج مبنى المحافظة، لذلك لم يستقبل البصريون العبادي إلا بالتنديد، مما جعل حمايته يهرّبونه من الباب الخلفي للفندق وسط تنديد الشعب له.
إن ما يميز مظاهرات البصرة المعاصرة هي قوتها واستمرارها عدة أسابيع، وحرق المتظاهرين لأتباع النظام الإيراني مثل مراكز أحزاب الإسلام السياسي المتهم بسرقات هائلة وكذلك المليشيات الطائفية التابعة لإيران والملطخة أيادية بالجرائم الكثيرة، بل كان التطور الأبرز هو الهجوم لأول مرة على القنصلية الإيرانية وحرقها وترديد الآلاف شعار "إيران برة برة، البصرة تبقى حرة"، وكذلك مظاهرات نساء البصرة وهن يرددن نفس الشعار نفسه وإحراقهن للعلم الإيراني ورموزه لا سيما المرشد الإيراني، وذلك إيماناً من شعب العراق بمسؤولية النظام الإيراني عن ما وصل إليه العراق من فساد وظلم وسرقات ومحرومية من أبسط الخدمات، فضلاً عما ألحقته حالياً في تدمير مياه البصرة وكذلك كهربائها، وما إن أدركت إيران أن شعب العراق بات لا يطيق اسم إيران بادرت على الفور بإغلاق معبر شلامجة الحدودي مع العراق، ودعت رعاياها للعودة والحذر الشديد من انتقام العراقيين، حتى إن أتباع طهران أخرجوا مظاهرات لمرتزقة يرفعون شعارات "العراقيين برة برة" وشعارات عنصرية ضد العرب والعراقيين خاصة.
كذلك أطلقت بعض القوى الموالية لطهران الصواريخ على المنطقة الخضراء في بغداد خوفاً من امتداد المظاهرات للعاصمة وبقية المدن العراقية مما يهدد النظام والمسؤولين القابعين في المنطقة الخضراء التى تنعم بالرخاء والرفاهية ومختلف الخدمات، والتى مُنعت الجماهير العراقية من اقتحامها في الشهر الماضي
ولكن هذه المرة يمكن لانتفاضة البصرة أن تمتد إلى محافظات الوسط والجنوب بل العراق كله من شماله إلى جنوبه، فليست المشكلة مقتصرة على البصرة فقط بل إن جميع المدن العراقية تعاني بشكل أو بآخر كما تعاني البصرة من الفقر والمرض والبطالة وانعدام الخدمات، والمشكلة في النظام السياسي وكذلك فساد الإسلام السياسي الحاكم بطرفيه الشيعي والسني وتبعيته للنظام الإيراني الفاسد، والجميع اليوم يملأه التفاؤل ويتوقع لهذه الانتفاضة الكريمة أن تضع حداً للنفوذ الإيراني في العراق كله.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة