ترحيل المهاجرين.. كوابيس اقتصادية تنتظر الدول المتقدمة
يوماً بعد آخر، تزداد قضايا الهجرة والمهاجرين زخماً في أروقة السياسة في الدول الغربية على نحو خاص.
وقد كشف تقرير لمجلة "الإيكونوميست"، أن المهاجرين أصبحوا فئة غير مرحب بها بشكل متزايد. فمثلا، أكثر من نصف الأمريكيين يفضلون "ترحيل جميع المهاجرين الذين يعيشون في الولايات المتحدة بشكل غير قانوني إلى بلدهم الأصلي"، وذلك بعد أن كانت النسبة الثلث في عام 2016.
وتعهد دونالد ترامب، الرئيس السابق والمرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بترحيل جماعي إذا فاز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وفي أستراليا، قال أنثوني ألبانيزي، رئيس الوزراء، إن نظام الهجرة في بلاده لم يكن يعمل بشكل صحيح وأنه يريد تقليص صافي الهجرة إلى النصف.
وفي المملكة المتحدة، يريد كير ستارمر، رئيس وزراء بريطانيا الجديد من يسار الوسط، أن تكون بريطانيا "أقل اعتمادًا على الهجرة من خلال تدريب المزيد من العمال البريطانيين".
كما تأمل كندا هذا العام في تقليل عدد تصاريح الدراسة بمقدار الثلث.
وأما في فرنسا، يريد الرئيس إيمانويل ماكرون تسريع عمليات الترحيل. فيما تنفذ ألمانيا خططاً مشابهة وقد تكون القيود الأكثر تطرفًا في الطريق.
لكن ماذا يعني كل ذلك بالنسبة لاقتصاديات العالم الغني؟
تداعيات على الاقتصاد
وفقاً لتقرير "الإيكونوميست"، فإن هذا التغيير في النهج يتبع فترة من الهجرة المرتفعة بشكل غير مسبوق، حيث إنه في السنوات الثلاث الماضية، انتقل 15 مليون شخص إلى البلدان الغنية، وهو أكبر ارتفاع في التاريخ الحديث.
وفي العام الماضي وحده، هاجر أكثر من 3 ملايين شخص إلى أمريكا و1.3 مليون ذهبوا إلى كندا وحوالي 700,000 وصلوا إلى بريطانيا. والوافدون الجدد من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مئات الآلاف من الأوكرانيين الفارين من الحرب وملايين من الهند وأفريقيا.
ولكن هذا المعدل الكبير يبدو أنه على وشك التراجع. فقد أصبح لدى دول العالم الغني فرص عمل أقل من ذي قبل، مما يعطي المهاجرين المحتملين حافزًا أقل للتحرك، كما أن اندفاع اللاجئين من أوكرانيا قد تباطأ إلى حد كبير. وبالإضافة الى ذلك، بدأت التدابير الجديدة المناهضة للهجرة تلعب دورًا. ففي الاتحاد الأوروبي، ارتفع عدد مواطني الدول الأجنبية الذين تم ترحيلهم إلى بلدهم الأصلي، بنسبة 50% خلال العامين الماضيين. وفي الربع الأول من عام 2024، ارتفعت "عمليات الترحيل القسرية" من بريطانيا بنسبة 50% على أساس سنوي وانخفضت المعابر غير القانونية على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة مؤخرًا إلى أدنى مستوى في ثلاث سنوات.
أضرار بالغة
لكن بعض الإجراءات المناهضة للهجرة، خاصة الترحيلات واسعة النطاق، قد تكون ضارة للغاية بالاقتصاديات. فعندما كثفت كندا عمليات الترحيل خلال فترة الكساد الكبير، كان ذلك بتكلفة مالية كبيرة وتسبب في ازدحام الموانئ.
وفي عام 1972، قامت حكومة أوغندا بطرد آلاف الأشخاص من أصل آسيوي، الذين اتهمتهم بالاستغلال واحتلال الوظائف. وورد في مذكرة سرية لوكالة الاستخبارات المركزية في عام 1972، والتي أشارت أيضًا إلى أنه أصبح من المستحيل الحصول على حلاقة في كمبالا، حيث أغلقت جميع صالونات الحلاقة التي يملكها المواطنون.
كما أن اقتراح ترامب بالترحيل سيسبب فوضى اقتصادية، حيث ستضطر صناعات كاملة للعثور على موظفين جدد. ويعتقد وارويك ماكيبن من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي أنه في حالة النجاح غير المحتمل لترامب في ترحيل 7.5 مليون شخص، فإن الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي سينخفض بنسبة 12% على مدى ثلاث سنوات.
ورغم أن تباطؤ معدلات الهجرة يؤدي الى فوائد مثل خفض ايجارات المساكن مثلا في بريطانيا، لكن مع مرور الوقت، فإن انخفاض الهجرة قد يأتي بالتضخم في مجالات أخرى. ومع تراجع حجم العمالة، قد تنمو الأجور بسرعة أكبر من ذي قبل، مما يرفع أسعار الخدمات مثل الضيافة.
متوسط دخل الفرد
وقد يستفيد أيضاً متوسط دخل الفرد-وهو المقياس الذي يقيم به الاقتصاديون عادةً مستويات المعيشة حيث أنه مع ارتفاع الهجرة في 2022 و2023، انخفض متوسط دخل الفرد في بريطانيا. وقد انخفض بشكل حاد في ألمانيا. وفي كندا لا يزال تقريبًا 4% عن ذروته في 2022.
ووجد الوافدون الجدد وظائف، فمعدل التوظيف للمهاجرين في أوروبا هو نفس معدل السكان الأصليين. كما أن قمع الهجرة يهدد بعودة نقص العمالة الذي عانت منه الاقتصاديات الغنية في 2021 و2022، والأهم من ذلك، أن الوافدين الجدد يعملون غالبًا في صناعات ذات أجور منخفضة ولكنها حيوية، بما في ذلك البناء والرعاية الصحية.
ومن 2019 إلى 2023، ارتفع عدد الأشخاص المولودين في الخارج في القوى العاملة في البناء في أمريكا بشكل حاد، حتى مع انخفاض عدد البنائين الأصليين.
وفي النرويج، ارتفع عدد العمال الأجانب العاملين في الرعاية الصحية بنسبة 20% منذ جائحة كوفيد-19. وارتفع عدد الأطباء العاملين في إيرلندا ولكن الذين تدربوا في أماكن أخرى بنسبة 28%. خلال نفس الفترة، تضاعف عدد الموظفين الصينيين في هيئة الخدمات الصحية الوطنية المتعثرة في بريطانيا، بينما تضاعف عدد الكينيين ثلاث مرات.
وبمرور الوقت، سوف تحتاج البلدان الغنية، التي تعاني من شيخوخة السكان، إلى المزيد من العمال الشباب والمتحمسين للعمل.
ويرجع ذلك إلى أن قِلة من الساسة يتحدثون عن تدابير مثل رفع سن التقاعد بشكل كبير أو كيفية جعل الرعاية الصحية أكثر كفاءة. وعلى الرغم من أن قمع الوافدين الجدد قد يشتري دعم السياسيين في الوقت الحالي، إلا أن المنطق الاقتصادي يعني أن الحفاظ على هذا الموقف سيكون بمثابة كابوس.
aXA6IDMuMTUuNi4xNDAg جزيرة ام اند امز