من يعتقد أن الاقتصار على تفسير كل الأزمات على نظرية التآمر الخارجي فحسب فيه إنقاذ وإفلات من المسؤولية، هو مخطئ تماماً
فسَّرت "طهران" حركة الاحتجاجات الأخيرة في المدن الإيرانية على أنها "مؤامرة تدخل من الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية"، على حد قول حسين سلامي قائد الحرس الثوري الإيراني، أمس الأول، في حديث تلفزيوني.
وتوعد حسين سلامي أمريكا وإسرائيل والسعودية بضربة عسكرية تؤدي إلى تدمير ثلاثتهم "إذا تجاوزوا الخطوط الحمراء"، على حد وصفه.
إن اتباع نظرية المؤامرة الخارجية وإعفاء النفس من تحمل أي تبعات وأي مسؤولية حقيقية عن الأزمات هو أمر يؤدي إلى كثير من الضحايا أولهم من يتبنى تلك النظرية!
ولم يوضح "سلامي" ما هي "الخطوط الحمراء" التي يحذر منها، بل وصف إيران بأنها التزمت أكبر قدر من ضبط النفس ضد ما وصفه بـ"التحركات العدائية" لهذه الدول.
مرة أخرى يأتي التفسير الإيراني مشابهاً لكثير من أنظمة العالم الثالث التي تواجه مآزق داخلية ضاغطة "بالتفسير التآمري الآتي من الخارج".
لم يتحدث قائد الحرس الثوري عن قرار رفع البنزين الصادر عن الحكومة الإيرانية 200٪ رغم أن إيران رابع دولة في المخزون النفطي وثاني دولة في احتياطي الغاز.
لم يأتِ أي تفسير مالي أو اقتصادي لحركة الاحتجاجات الاجتماعية، ولم نرَ مراجعة نقدية من قبل النظام نفسه بهدف "الإصلاح والعدالة والاستقرار".
ولكن لماذا يميل البعض من صناع القرار إلى اعتماد "نظرية المؤامرة" في تفسير أسباب الأزمات الكبرى؟
الإجابة ببساطة: لأنها مريحة تماماً، تعفيهم من المسؤولية، وتلقي باللوم على الآخر.
ولعل الجنرال الفرنسي شارل ديجول كان أكثر مَن انتبه إلى ضرورة الابتعاد عن نظرية التحليل التآمري.
كان الجنرال ديجول من أكثر الشخصيات الأوروبية المعروف عنها "العناد السياسي والاعتداد الشديد بالكرامة الشخصية والعزة والسيادة الوطنية".
رغم تلك الصفات الشخصية لدى الجنرال ديجول إلا أنه كان يقول في مجالسه الخاصة وخطبه السياسية إن "الإصلاح الحقيقي يبدأ من نقطة جوهرية لا بديل عنها وهي ضرورة الاعتراف بالخطأ وتحديد أسبابه والمسؤولين عنه".
والحريص بحق على الشعب الإيراني عليه أن يطلب من صانع القرار في طهران النظر بعين العطف والتفهم لأوجاع شرائح كثيرة تعاني من صعوبات الحياة نتيجة انخفاض قيمة العملة الوطنية، وارتفاع معدل البطالة بالتلازم مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
وللأمانة، لا بد من القول إن الضغوط الاقتصادية الخانقة التي تفرضها إدارة ترامب على إيران لها أثر عظيم في معاناة الاقتصاد الإيراني الذي يواجه عقوبات قاسية مستمرة في القسوة والتصعيد.
مصارحة النفس فريضة واجبة على الطبقة السياسية في إيران حتى يتم تحديد الوزن النسبي الحقيقي لآثار العقوبات من ناحية، وأخطاء الإدارة السياسية والاقتصادية في "إدارة الأزمة".
التشخيص السليم للمشكلة يؤدي بالضرورة إلى إيجاد الحلول السليمة، أما التشخيص القائم على نظرية المؤامرة الخارجية وحدها فهو يعفي أصحاب القرار في طهران من مسؤوليتهم تجاه البلاد والعباد.
من يعتقد أن الاقتصار على تفسير كل الأزمات على نظرية التآمر الخارجي فحسب فيه إنقاذ وإفلات من المسؤولية، هو مخطئ تماماً.
إن اتباع نظرية المؤامرة الخارجية وإعفاء النفس من تحمل أي تبعات وأي مسؤولية حقيقية عن الأزمات هو أمر يؤدي إلى كثير من الضحايا أولهم من يتبنى تلك النظرية!
لا يمكن لعاقل موضوعي مخلص في طهران أن يفسر كل ما حدث مؤخراً في إيران والعراق ولبنان على أنه "مؤامرة شريرة" فحسب، وكأن هذه الملفات خالية من الأخطاء والخطايا وحالات الفساد والظلم والاستبداد.
وكأن هذه الملفات خالية من الوجع الاجتماعي والقهر السياسي ومعاناة الملايين من الشيوخ والأرامل والشباب العاطل والأطفال الذين يفتقدون الأمل في المستقبل.
الذي ينكر تمام الإنكار أن هناك "عناصر حقيقية وموضوعية تؤدي إلى انفجار غضب الناس" هو نفسه يصبح المشكلة، وفهمه المغلوط يصبح أزمة، وتفسيره التآمري يجعله أكبر متآمر على ذاته.
اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون.
نقلاً عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة